تقترب إلى الوباء.. حمى الضنك تضرب القرى المِصرية
الذعر يصيب أهالي “نجع سند” بقرية العليقات التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا بالذعر بعد الاشتباه بانتشار “حمى الضنك”، حيث ظهرت بعض الأعراض المرضية المتمثلة في ارتفاع شديد بدرجة الحرارة، صداع، الآلام بالعضلات وشعور بتكسير في العظام، الام بالمعدة، إرهاق شديد، والتي بدأت في الظهور على العشرات من أهالي القرية وذلك بعد فترة من عودتهم بعد اجازة ساحلية قضوها بمدينة “سفاجا” خلال العيد الماضي، ما دفع الجهات المعنية وخاصة الطب الوقائي للتواجد بالقرية لمتابعة مجريات الأمور، وإرسال فرق مكافحة ناقلات عدوى وترصد وبائي لفحص الحالات المرضية وسحب عينات الدم منهم للتأكد من مدى خطورة المرض، وكذلك إرسال فرق بيئية للتقصي حول أسباب انتشار المرض فتم سحب عينات من أحواض الصرف الصحي وأماكن مياه الشرب الموجودة بالقرية.
وبعد التحاليل الأولية تأكد عدم خطورة الأمر وليس هناك ما يستدعي القلق، حيث تم حصر أعداد الحالات المرضية بالقرية والتي بلغت 68 حالة، ويتم متابعة حالتهم ومعالجتهم بمنازلهم إلا حالة واحدة تبين أنها تعاني من التهاب بمجرى البول وعلى إثر ذلك تم نقلها إلى مستشفى حميات قنا وبعد أيام من تلقي الخدمة العلاجية تحسنت الحالة فخرجت من المشفى، كما تقوم فرق الطب الوقائي برش القرية مرتين يوميًا بسيارات مكافحة ناقلات الأمراض للحد من انتشار المرض، إضافة إلى توعية المواطنين وإرشادهم إلى عدم ترك آنية تخزين المياه داخل البيوت مكشوفة فهي تمثل بيئة ملائمة لجذب البعوض والذي يعتبر هو الناقل الأساسي لهذه العدوى والتي لم يتم الجزم بأنها حمى الضنك حتى الآن.
علاقة طردية بين حمى الضنك والبعوض
حسب الدراسات فإن حمى الضنك أو الحمى الصفراء أو حمى غرب النيل تُصيب حوالي 400 مليون شخص وتُقدر عدد الوفيات ما يقرب من 20 ألف – 40 ألف، ويرجع السبب الرئيسي لانتشارها هو تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة لذا فإنها تنتشر انتشارًا واسعًا بالمناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وتعد مِصر أيضًا من المناطق التي تشتهر بهذا النوع من العدوى عالميًا والسبب في ذلك تواجد الزاعجة المصرية من الإناث والتي تعتبر هي الناقلة الأكثر انتشارًا لحمى الضنك وتتكاثر حول أسطح المياه العذبة الراكدة وارتبط تاريخ ظهورها بمحافظة البحر الأحمر لتوافر الظروف المُهيئة لتكاثرها واعتماد مواطني تلك المناطق على مياه الخزانات المكشوفة.
وكما ذكرنا فإن البعوض هو الناقل الأساسي لهذه العدوى، لذا فالطريقة الوحيدة لانتقال الفيروسات الضنكية هو أن يُلدغ الشخص السليم من البعوضة بعد لدغها لشخص مصاب بحمى الضنك، أما القول بأن العدوى تنتقل من شخص حامل للمرض لشخص سليم من خلال المخالطة فهو أمر غير ممكن.
أما الأعراض التي تصيب مريض حمى الضنك عادةً ما تبدأ بشكل مفاجئ وتعد الأعراض الأكثر ظهورًا هي:
– ارتفاع شديد بدرجة حرارة الجسم.
– الإرهاق الشديد.
– آلام بالعظام والمفاصل والعضلات.
– القيء والغثيان.
– آلام بالمعدة وقد تعاني بعض الحالات من الإسهال.
– الشعور بالألم أثناء تحريك العينين.
– فقدان للوعي.
– الحكة الجلدية.
– الطفح الجلدي أو ظهور بعض الكدمات والبقع الحمراء والبنفسجية.
وغالبًا تستمر هذه الأعراض لمدة تتراوح بين 4-7 أيام وإذا تم إتباع إرشادات التعافي يُتوقع تحسن الحالة وتماثلها للشفاء خلال أسبوع، لكن إذا تعرض المريض لنزيف غير مألوف بالأنف أو اللثة، أو اختلاط البول أو البراز أو القيء بالدم، فإن ذلك يشير إلى أعراض الحمى الوخيمة أو الحادة والتي قد تتسبب أحيانًا في وفاة الشخص المصاب.
تتمثل خطورة حمى الضنك في أربعة نقاط هي:
١- شيوع هذه العدوى وسهولة طريقة انتقالها عبر البعوض، مع أن المرض قد يكون مميتًا خاصة بسبب المضاعفات الخطيرة التي قد تحدث للمريض إذا لم يتلق التطعيم الخاص بحمى الضنك.
٢- التشخيص الخاطئ: عادةً ما يُشخص أطباء المريض بحمى الضنك بأنه مصاب بأنفلونزا مصحوبة بحمى عادية وذلك للتشابه في الأعراض بعض الشيء ما قد يؤخر التعافي أو زيادة عدد الإصابات.
لذا فإن التفريق بين حمى الضنك والحمى العادية أصبح أمرًا هامًا، ويتمثل الفرق في أن أعراض الحمى الضنكية أحيانًا تكون مهددة لحياة الشخص المصاب حيث تبدأ مؤشرات المرض في الظهور بعد فترة حضانة تُقدر بحوالي 4-10 أيام بعد التعرض للدغة البعوضة الحاملة للعدوى، ويصحب الارتفاع الشديد في درجة الحرارة الذي قد يصل إلى 40 درجة مئوية بعض الأعراض التي ذكرناها، أما الحمى العادية فإنها لا تدعو للقلق إلا إذا تجاوزت 39,5 درجة مئوية فأعلى خاصة للبالغين، فهي تدل في الغالب على خلل في الجسم أو مكافحة الجهاز المناعي بعدوى ما، وبالنسبة للأطفال الرضع فإن أي ارتفاع في درجة الحرارة يستدعي زيارة الطبيب.
٣- خطورة مضاعفات حمى الضنك: حيث يمكن أن تؤدي المضاعفات إلى إتلاف الأعضاء الداخلية كالأوعية الدموية ما يجعلها تفقد قبضتها على جريان الدم فيها، فينتج عن ذلك نزيفًا داخليًا فيتسبب في عجز الأعضاء الحيوية على العمل بكفاءة ما قد يؤدي إلى الوفاة.
٤- عدم وجود علاج صُنع خصيصًا لهذه العدوى ويقتصر العلاج على شرب المريض لكميات كبيرة من المياه والسوائل، وتناول خافض الحرارة ومسكنات الآلام الموصوفة من قِبل الطبيب، ولابد استخدام هذه الأدوية بحذر لأن بعضها قد يتسبب في مضاعفات لحمى الضنك.
والسؤال المطروح حاليًا هل من المحتمل إصابة الأشخاص الذين عانوا سابقًا من حمى الضنك مرة أخرى؟
لتوضيح هذا الأمر يجب المعرفة بأن الحمى الضنكية لها عدة أنواع، وتختلف باختلاف مسببات العدوى وتنقسم إلى أربعة أنواع، وفي حال إصابة شخص بأحد هذه الأنواع فإن الجسم يُكون مناعية ذاتية ضد هذه العدوى، لكن هذه المناعة لن تتمكن من مقاومة الأنواع الأخرى من حمى الضنك وبذلك يكون معرضًا للإصابة بنوع آخر من العدوى، وبالأخص المصابون بأحد أنواع العدوى قبل ذلك فإنهم معرضون لحمى الضنك الوخيمة.
اللقاح حماية وليس علاج
وبخصوص التطعيم الخاص بحمى الضنك فهناك أربعة أنواع مصلية للعدوى تبعًا لأنواع مسببات العدوى، وقد تم اكتشاف أول لقاح لحمى الضنك في المكسيك عام 2015 وتمت الموافقة عليه من قِبل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة عام 2019، وتستخدم تقنية الحمض النووي المعاد التركيب لإنتاج لقاح حمى الضنك، والذي يتوجب على المصابين سابقًا بهذه العدوى استخدامه للحماية من تكرار الإصابة مرةً أخرى حيث تعد إعادة الإصابة أمرًا خطيرًا يهدد حياة المريض.
ومن الاعتقادات الخاطئة عند البعض أنهم قد يحمون أنفسهم من الإصابة بحمى الضنك من خلال استخدام اللقاح لكن هذا خطأ محض، بل إن استخدام الشخص السليم للقاح يزيد من احتمالية إصابته بحمى الضنك الوخيمة أو الحادة، لذا فإن اللقاح يُستخدم للأشخاص المصابون بالعدوى سابقًا فقط.
الوقاية خير من العلاج
إذا أردت أن تحمى نفسك ومَن حولك من حمى الضنك فعليك بسبل الوقاية المتمثلة في الآتي:
– عدم ترك الأوعية أو خزانات المياه مكشوفة حتى يحد ذلك من تواجد البعوض الناقل للعدوى.
– شرب كميات كبيرة من المياه والسوائل وعدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة.
– تجنب التعرض للدغات البعوض من خلال غلق النوافذ بما يمنع دخول البعوض إلى البيوت أو البقاء في أماكن محكمة الغلق وارتداء ملابس تغطي البشرة مع دهن المستحضرات الطاردة البعوض على البشرة قبل الخروج حتى تمنع تمكُن البعوض من اللدغ.
– محاولة طرد البعوض من خلال رش الطاردات الحشرية بالنسب الآمنة والتي لا تمثل خطرًا على الإنسان.
– عدم التواجد في الأماكن التي يكثر فيها البعوض مثل الأماكن المحتوية على مسطحات مائية راكدة أو حاويات قمامة.
– استخدام المصابين قِبلًا بحمى الضنك للتطعيم الخاص به لتجنب إصابة مرةً ثانية والذي يتم أخذه على ثلاث جرعات خلال عام.