تيك توكر بدرجة فنان قدير.. محمد رشاد وأيمن صقر وحرفة التمثيل
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
لم يعد التيك توك بوابة خلفية للشهرة والأضواء، بل اليوم أصبح البوابة الأولى والأسهل والأسرع، لدرجة أنه اجتذب عدد من الممثلين أصحاب الشهرة ومعتادي الأضواء ليقدموا محتواهم عبر حسابتهم على التيك توك، أو بمعنى أدق لينقادوا وراء أشكال من المحتوى أبعد ما يكون عن الفن، وفي المقابل كانت حسابات التيك توك نافذة لنطل بها على ممثلين حقيقيين أصحاب مواهب قوية وواضحة ولكنهم حتى الآن تحت أضواء التيك توك فقط مثل محمد رشاد وأيمن صقر.
ممثلون بلا تمثيل
ربما تابعت الخلاف بين الفنانة مها أحمد والفنان فادي خفاجة عبر التيك توك، أو شاهدت مقاطع الفيديو المتبادلة بينهم، أو شاهدت أي محتوى تقدمه مها أحمد أو فادي خفاجة أو غيرهم من الممثلين الذين احترفوا التحديات والبث المباشر للمشاجرات وهواة “التكبيس” وغيرهم، ممن يقدموا محتوى بعيدًا عن مهنتهم وموهبتهم وهي التمثيل.
فهؤلاء الذين لم يحاولوا تقديم محتواهم واكتفوا باللهاث وراء الرائج من أشكال محتوى التيك توك، تركوا الساحة – مشكورين- لعدد من الشباب أصحاب المواهب الحقيقة في تقديم محتوى خفيف وبسيط وجذاب، نجح في اجتذاب ملايين المشاهدات، والسر في هذا النجاح ليس كون المحتوى خفيف وبسيط، فالخفة والبساطة لا تعني الاستسهال على الإطلاق، السر في هذا النجاح الاستمرارية والاحترافية في تقديم المحتوى.
محمد رشاد” شوقيات”.. خيال لافت للنظر
حساب نظرة العين في التمثيل أمام الكاميرا أمر لابد منه، فالكاميرا تركز على الوجه والجسم، فكل حركة وكل انفعال بحساب، واتجاه النظر أيضًا بحساب، والمحافظة على اتجاه نظرك خلال المشهد من مهارات الممثل حيث ف الغالب قد يكون الممثل يتحدث إلى نفسه أو إلى الكاميرا في بعض اللقطات لذلك سيكون عليه أن يتخيل مكان الممثل المقابل له والنظر إليه بثبات كأنه موجود في الحقيقة، وقد يطلب المخرج من أحد مساعديه أن يقف مكان الممثل خل الكاميرا ليضمن ثبات اتجاه النظر.
@mo.a.rashad
ولكن في حالتنا تلك، سنجد أن محمد رشاد يصنع كل شيء في الخيال، وحينما أشاهد محتواه التمثيلي وخاصة في سلسلة “شوقيات” حيث يقوم بأداء ما يزيد عن خمس شخصيات ربما جميعًا في نفس المشهد، وأقل مشاهده يقوم بأداء شخصيتين، أجدني شغوفًا بمعرفة كيف يعمل خيال هذا الرجل؟ كيف يراهم ويعيشهم ويتقنهم، شخصيات كتبها وأعدها وصنعها ومثلها هو بنفسه، استطاع ببساطة أن يجعل لكل منهم شخصية مستقلة عن الأخرين، بالتأكيد ساعدته “الفلاتر” في التطبيق ولكن الأمر أكبر من هذا بكثير.
السر يكمن في التفاصيل، فالنظر في الاتجاه الصحيح يضمن للمتلقي انسيابية المشاهدة وعدم الانزعاج البصري، ولكن هناك أمور أخرى ربما أكثر جوهرية من التواصل البصري الصحيح، أمور تحدث الفارق بين الشخصيات، أهمها على الإطلاق التباين الصوتي بين الشخصيات، فشخصيات رشاد كلها مختلفة في الصوت والنبرة واللزمات الكلامية، بالإضافة لاختلاف واضح ومتميز في التعامل التعبيري ليضيف حياة مستقلة لكل شخصية رغم اختلاف الفلاتر.
الاحترافية هي المفتاح
بالإضافة لكل هذا يأتي بناء الشخصية نفسها، فرشاد هو رشاد لا يتغير، ولكن شوقي الطفل هو طفل بالفعل بنفسية وأفكار وخيال طفل فبالتالي تخرج الجمل وردود الفعل منه منطقية وسلسلة وحقيقية، ولكن ربما تلك شخصيات بسيطة أو سهلة، ولكن الأصعب في رأيي هي تلك الشخصيات الثانوية التي يقدمها رشاد أيضًا وعلى رأسهم شخصية “إبراهيم كرع”
شوقيات
mo.a.rashad
شخصية شاب يافع يعمل مأذون هو الصديق المقرب لطفل دون العاشرة من عمره “شوقي”، شخصية مليئة بالتفاصيل والتي يكفي أن تفسد واحدة منها لتفسد الطبخة بالكامل نبرة الصوت وطريقة الكلام واختيار الألفاظ وتعبيرات الوجه وردود الفعل، جعلته شخصية مستقلة بشكل يجعلك قد لا تصدق أن من يؤديها هو نفس الممثل.
يستخدم رشاد الملابس أيضا لتوضيح الفرق بين الشخصيات، فمثلا الجاكيت الخاص بشخصية “سماجة” مختلف عن “طاقية الصلاة” لإبراهيم ووالده “عم مرعي” وبمناسبة سماجة فهي الأخرى من الشخصيات المعقدة يكفي القول إنها شخصية تسير على حد السكين بين الرتابة والافتعال، ولكنه بمهارة قادر دائما أن يمر بها سالما، رشاد مشروع ممثل متميز بالفعل وقرر أن يشاركنا ما يبرع فيه بالفعل وهو التمثيل.
أيمن صقر “عم ربيع” والهروب من الملل
وبذكر التمثيل، تكرار نفس الشخصية بشكل متكرر قد يسبب الملل، ما لم تكن تلك الشخصية هي “عم ربيع” موظف الطبقة الوسطى الكادح، الذي يعاني مع زوجته “الحاجة” وابنه “حمادة” طفلته الصغيرة، تلك الأسرة التي لن نرى منها أحد لكننا نعرفها تمامًا، نحن حتى لم نسمع صوتهم إلا نادرًا وتحديدًا كان صوت “حمادة” ولكننا نعيش معهم ونرى ردود أفعال عم ربيع عليهم، لتأتينا مغامرات عم ربيع برعاية صاحبها وممثلها أيمن صقر.
@aymansaqrr
استطاع أيمن صقر – دون تعقيد – أن يصنع لعم ربيع هوية درامية متكاملة، وتاريخ درامي، وأبعاد اجتماعية ونفسية ومادية واضحة، في إطار المقاطع التي يقدمها، فلم يخرج علينا بفيديو تعريفي للشخصية وحياتها، بل انسابت تلك المعلومات بسلاسة وطبيعية عبر مقاطع الفيديو التي ينشرها تباعًا.
مع توحيد الزي أغلب الوقت وطريقة الكلام الثابتة ترسخ الشخصية في عقل المتلقي، ولكن أيضًا فخ الرتابة والتكرار على مقربة لذلك تأتي نقطة القوة في تجربة أيمن صقر وهي الأفكار، بساطة الفكرة وواقعيتها وقابليتها للتصديق والأهم من كل ذلك ارتباطها بحياة المشاهد، كمقاطع عتاب عم ربيع لأبنه في الدراسة، أو تضرره من طلبات البيت، أو حتى تعليقاته على بعض “التريندات” ولا سيما الرياضية.
الحفاظ على طريقة أداء واحدة وانفعالات واضحة وطبيعية وتتشابه وتتوافق مع شخصية عم ربيع، هو الأخر سر من أسرار نجاح ما يقدمه أيمن صقر من محتوى، أيمن استطاع بحرفية تثبيت الشخصية والطريقة وتفادى الملل في التطوير والتحديث المستمر للأفكار دون شطط أو خروج عن الإطار المنطقي للشخصية، وتلك من سمات ممثل جيد يعرف كيفية إتقان التمثيل، سمة للأسف يفقدها عدد من الممثلين الفعليين على شاشات التلفزيون أو حتى عبر حسابات التيك توك.
محمد رشاد وأيمن صقر بالتأكيد ليسا الوحيدين، هناك العديد من المواهب الأخرى يقدمون محتوى تمثيلي جيد، عكس كثير من الممثلين نسوا فجأة أنهم ممثلين وظنوا أن صناعة المحتوى ما هي إلا “تكبيس” وشجارات وبث مباشر.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال