“ثورة قمولا في الصعيد” قادها الشيخ أحمد ضد محمد علي باشا فسحقها بلا رحمة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
اطمئن محمد علي باشا بعد سنوات قليلة من وصوله للحكم بأن مصر لن تثور عليه بعدما قلم أظافر الزعامة الشعبية بالقاهرة، لكنه لم يتوقع يومًا أن تقوم عليه ثورة من الجنوب يكون مركزها مدينة قنا.
ثورة قمولا في الصعيد .. الخلفية التاريخية
ظل الصعيد طوال سيطرة العثمانيين على مصر بمثابة المنطقة ذات الحكم الذاتي، فالصعيد إداريًا يتبع من يملك القاهرة، لكن عمليًا فالحاكم بأمره هم الصعايدة وتحديدًا الهوارة، ورغم تعاقب الولاة واختلاف أحوال البلد ظل الصعيد محافظًا على وضعه على الخريطة المصرية، إذ تمتع بانتعاش اقتصادي كبير لوفرة إنتاجه من المحاصيل الزراعية المختلفة مثل القمح والقصب، ومساهمته في نمو الصناعات ذات الربح الكبير كالسكر والنسيج، إلى جانب دوره المركزي في نظام الاقتصاد العالمي القديم كون أن للصعيد موانئ نيلية في قنا تلتقي مع موانئ البحر الأحمر.
الطريق إلى ثورة قمولا
أيقن محمد علي باشا أن دخوله الحرب ضد الوهابية عام 1811 م بمثابة شريان حياة مشروعه الطموح، فمن خلالها سيتخلص من رفقاء سلاحه الألبان المنافسين له والحاقدين عليه، وعن طريقها سينقذ شرف الدولة العثمانية بإعادة الحرمين لها، كما أنه سيمد نفوذه إلى جنوب مصر الذي ما تجرأ أحد على السيطرة عليه طول حكم العثمانيين، وما كان للباشا أن ينتصر في الحرب ضد الوهابية إلا بعد توفير كافة الموارد الاقتصادية والتي مركزها الصعيد.
استهل محمد علي باشا الحرب ضد الوهابية بنحر المماليك في مذبحة القلعة أثناء حضورهم تحرك التجريدة إلى الحجاز بقيادة ابنه طوسون، ولما فر باقي المماليك إلى الصعيد كلف محمد علي باشا ابنه إبراهيم باشا بملاحقة فلولهم ونجح في استئصال وجودهم ليمنحه محمد علي باشا حكم ولاية الصعيد ومنصب دفتردار مصر المحروسة (وزير المالية حاليًا).
أرسى محمد علي باشا مبادئ الاحتكار بالصعيد فأصدر سنة 1812 قرارًا يحظر على التجار المحليين أن يشاركوا في تجارة القمح وكلف كشافة الوجه القبلي بحجز كافة أنواع الغلال والحجر عليها لصالحه ولا يشارك أي أحد من الصعيد في البيع أو الشراء، ونجح محمد علي باشا في تدبير 200 ألف اردب قمح، أما إبراهيم باشا فنجح في احتكار تجارة السكر بعد السيطرة على كافة أراضي القصب وبذلك تمكنت من مصر من الاستقلال الاقتصادي عن الدولة العثمانية وكانت دولة مؤثرة في الاقتصاد.
سافر إبراهيم باشا إلى الحجاز ليكمل الحرب ضد الوهابية، فقرر محمد علي باشا تعيين موظفين أتراك في مدن قنا تكون مهمتهم الإشراف على انتظام تدفق شحنات الغلال وتأمين طريقها لإبراهيم باشا في شبه الجزيرة العربية، وكان سفر إبراهيم باشا عدو الهوارة اللدود بمثابة فرصة لهم للهجوم على قوافل الغلال.
اقرأ أيضًا
إبراهيم باشا في نظر المؤرخين .. هذا اختلافه عن والده
أثارت هجمات الصعايدة على قوافل الغلال غضب محمد علي باشا والذي أرسل رسالة إلى محرم أغا مدير نصف ثاني قبلي قال له «يا خنزير يا ابن الخنزير، كيف تستطيع على أنك لم ترسل حبة واحدة للآن ونحن نهتم في إرسال اللازم من هنا إلى الحجاز، وبناءًا عليه يلزم الاهتمام ليلاً ونهارًا في إبعاث الذخائر المطلوبة منك، وإلا بتأخيرها دقيقة واحدة تحقق قلع رأسك ورميها كرأس الكلب».
اقرأ أيضًا
النساء ومحمد علي باشا .. 3 سيدات تسببن في هزيمته إحداهن بالنوم
لم يريد محمد علي باشا فتح جبهتين في وقتٍ واحد، فأسر في نفسه هجمات الصعايدة على القوافل وتفرغ للقتال ضد الوهابية حتى وضعت الحرب ضد الوهابية أوزارها عام 1818 م وتأهب الباشا لفرض الضرائب على المصريين ثم إعلان التجنيد الإجباري على المصريين وكانت تلك القرارات طريقًا لثورة قمولا في الصعيد عام 1820 م واستمرت 4 سنوات.
تفاصيل ثورة قمولا في الصعيد
اختلف المؤرخين في تحديد اسم قائد ثورة قمولا في الصعيد فيذكر علي باشا مبارك في كتاب الخطط التوفيقية أن اسمه أحمد الصلاح، أما الدكتور خالد فهمي في كتاب كل رجال الباشا فيقول أن اسمه الشيخ أحمد رضوان، أما الرحالة جيمس جون والذي كان موجودًا في قنا فيقول أن اسمه الشيخ أحمد وهو من قرية السليمية (حاليًا هي السلمية الحايط إحدى قرى مركز نجع حمادي في قنا)، وكان واحد من التجار الذين لحق بهم الضرر بسبب احتكار محمد علي باشا خط التجارة بين قنا والبحر والأحمر ورفض دفع الضرائب لموظفي الباشا في ميناء القصير.
أعلن الشيخ أحمد نفسه بأنه المهدي المنتظر وجاء ليخلصهم من الباشا الكافر الذي أزهق الأرواح وسفك الدماء في بلاد الحرمين، وينشر الظلم في مصر، وخلال مدة وجيزة جمع آلاف التابعين له ودبر محاولة اغتيال لقائد قنا المكلف من محمد علي باشا بإدارتها.
فشلت محاولة اغتيال حاكم قنا وغادرها إلى القاهرة فأعلن الشيخ أحمد نفسه حاكمًا على قنا وقوص واستولى على أموال وغلال المنطقة وأنشأ ديوانًا حكوميًا للإدارة تحت حكمه وقرر وضع خطة لضم أسيوط وجرجا والبلينا إلى حكمه حتى يصل إلى أسوان والنوبة.
كانت القاهرة تكابد من الكوليرا عام 1820 م وبالتالي فإن المشكلات الاقتصادية ستتفاقم إن لم يتم تمرد الشيخ أحمد، فأرسل محمد علي باشا تجريدة عسكرية بقيادة أحمد عثمان بك إلى قنا لسحق التمرد وكانت تعليمات الباشا واضحة بأن يتم إنهاء الانفصال بأي صورة.
وصلت قوات أحمد عثمان إلى قنا وبدأ بإرهاب أهالي قنا وإجبار النساء والأطفال على مغادرة منازلهم وقام بتهجيرهم قسرًا إلى معابد مصر القديمة والجبال، ثم خاطب قادة التمرد بضرورة إنهاء انفصالهم مع وعود بإلغاء الضرائب عنهم، لكن لم يستجيب أحد فوقعت معارك إخماد ثورة قمولا.
وقعت المناوشات بين أتباع الشيخ أحمد وأحمد عثمان بك فقرر الأخير إحراق القرى وقتل من فيها دون التفرقة بين امرأة وطفل ورجل، وهو ما حدث فعلاً.
كان قرار إخماد ثورة قمولا في غاية الخطورة، إذ أن أغلب الجنود الذين يحاربون مع أحمد عثمان بك ضد أهالي قنا هم جيران وأقارب لهم ووجدوا أنفسهم بحكم التجنيد الإجباري مجبورين على قتل أقاربهم، فقرر بعضهم الهروب من سلك الجندية والانضمام لأهاليهم ووصل عددهم إلى 700 جندي، فأمر محمد علي باشا بإجراء تحقيق فوري في ذلك الهروب الكبير فأمر بجلدهم جميعًا وإعدام 45 ضابطًا كانوا قادةً للجنود الـ 700 لسماحهم لهم بالهروب.
أدت عملية الإعدام الميداني إلى إضفاء مسألة الولاء للقائد مهما كان لدرجة أن جاويشًا مصريًا وجد أبوه ضمن أتباع أحمد الصلاح فنصحه بتسليم نفسه ولما رفض أبوه ذلك قام ابنه بقتله مما جعل محمد علي باشا يأمر محمد لاظ أوغلي بترقية الجاويش إلى رتبة الملازم.
استمرت المعارك بين أتباع الشيخ أحمد الصلاح وجنود الباشا بقيادة أحمد عثمان بك طيلة أسبوعين انتهت بمقتل 4 آلاف شخص من أتباع أحمد الصلاح وفراره إلى الصحراء مع بقية جنوده، ليقرر محمد علي باشا تخصيص مكافأة سخية مقابل كل رأس وهو ما أثار شهية البدو الذين قتلوا المئات من فلول أحمد الصلاح وبعدما وجد نفسه وحيدًا هرب إلى ميناء القصير ومنه إلى البحر الأحمر ليذهب إلى الحجاز وتنقطع أخباره، ورغم وجود محاولتين للثورة ضد الباشا بعد ذلك، إلا أن مصيرهما لم يختلف عن مصير ثورة أحمد الصلاح.
المراجع
-
تاريخ الثورة في الصعيد ـ زينب أبو المجد وترجمة أحمد زكي عثمان
-
كل رجال الباشا ـ خالد فهمي
-
الخطط التوفيقية ـ علي باشا مبارك
-
الأوامر والمكاتبات الصادرة من عزيز مصر محمد علي باشا ـ رؤوف عباس حامد
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال