“تأملات في اسم الله الجبار” ما هي الصلة بينه وبين جبر الخواطر
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
إننا نسمع كثيراً عن جبر الخواطر فهو تصرف يدل على سمو النفس، وعظمة القلب، وسلامة الصدر، ورجاحة العقل، وفي نفس ذات الوقت هو خلق إسلامي عظيم، إذ أن المسلم فيه يجبر نفوسًا كُسرت وقلوبًا جـُرحت.
ما صلة جبر الخواطر باسم الله الجبار
مما يعطي هذا المصطلح جمالًا أن الجبر كلمة مأخوذة من اسمه عز وجل «الجبار» ، وهذا الاسم بمعناه الرائع يطمئن القلب، ويريح النفس، فهو سبحانه «الذي يجبر الفقر بالغنى ، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان، فهو جبار متصف بكثرة جبره لحوائج الخلق»، وفي ذلك يقول الله تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}؛ فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام ولجبر خاطره؛ لأنه ظـُلم وأوذي من إخوته، والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر، لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.
جبر الخاطر من الله لرسوله
الله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}،
والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي ولد فيها ونشأ، أُخرج منها ظلمًا، فاحتاج إلى شيء من المواساة والصبر على فراق بلده الذي أحبه فأنزل الله تعالى له قرآنًا مؤكدًا بقسم؛ إن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولاً وأمرك بتبليغ شرعه، سيردك إلى موطنك مكة عزيزًا منتصرا وهذا ما حدث ؛ ومثله أيضًا قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
اقرأ أيضًا
“رؤية لآية سورة الشعراء” هل نتمتع بوجود القلب السليم الوارد ذكره في القرآن الكريم ؟
وورد في صحيح مسلم أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تلا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }، وقول عيسى عليه السلام : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} المائدة: 118 (فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، – وربُّكَ أعلمُ -، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما قالَ . وهو أعلمُ . فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ له: إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ.
وها هو -عزَّ وجلَّ- يجبرُ خاطرَ الرَّحمِ لمَّا عاذتْ به من القَطيعةِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ“.
جبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وأجبرني وارزقني».
وقد قال تعالي “وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” فجبر الله خاطر المطلقة بالمتعة ، وقال تعالى “وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا” وهذا يدل على أن الفقراء والمساكين إذا حضروا تقسيم التركة فلا بأس أن يُجبر خاطرهم بشيء من المال.
والكلمة الطيبة تجبر الخاطر أفضل من كثير من المال فقد قال تعالي : “قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ” وورد في الأثر “من سار بين الناس جابرًا للخواطر أنقذه الله من جوف المخاطر” .
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال