20 مشاهدة
جداريات الحج المصرية: تقليد عمره قرون أوشك على الانقراض
لقد كان الحج “الحج الإسلامي” دائماً مناسبة عظيمة في التاريخ الاجتماعي المصري. أولئك الذين يحالفهم الحظ بالذهاب إلى مكة يُنعمون بلقب “الحَاج”، وهو ما يعني من الناحية الاجتماعية أنهم أشخاص ذوو إيمان عميق. وترتبط مراسم الحج على مستوى القرية بعادات وتقاليد كثيرة أهمها وجود جداريات. فيعود الحجاج من مكة ليجدوا واجهات المنازل مزينة برسوم إيضاحية وجداريات للأماكن المقدسة للحج، بالإضافة إلى العديد من الصور والخطوط والعبارات الآخرى. وعادةً ما تكون هذه الرسومات لأشكال الأماكن الدينية التى قاموا بزيارتها أو أشكال للمناسك التي قاموا بأدائها هناك.
ويحتفل الحجاج المصريون برحلتهم المقدسة من خلال تكليف فنان محلي بتصوير ملحمتهم الدينية على جدران منازلهم. فلوحات الحج هي أول سجل مرئي لثراء وتنوع هذا الشكل الفني. وعادةً أصدقاء الحجاج أو عائلاتهم هم من يطلبون هذا العمل الفني، وليس الحاج نفسه.
ففي المقام الأول، تشكل الجداريات جزءًا من احتفالات عودة الحاج إلى وطنه. حيث يتم استقبال الحجاج العائدين حديثًا بالدعاء: “حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً تقبّل الله أعمالكم وأعطاكم كلّ خير وأعادكم إلى أهلكم ودياركم سالمين غانمين”. وغالبًا تكون الكلمات على الجداريات هي نفسها، والتي تمثل صلوات المجتمع وتمنياته الطيبة. وفي المقابل، يُحضر الحجاج لضيوفهم الهدايا من المدن المقدسة، من بينها مياه زمزم من مكة والتمر من المدينة المنورة. وبمجرد انتهاء هذه الاحتفالات الأولية، تظل الجداريات بمثابة نصب تذكاري دائم لحج مبرور. فلم يعد هذا بيتاً عادياً، بل “بيت الحاج “. أي أن المنزل أيضًا أصبح مقدسًا. ومن يمر بذلك الشارع سيعلم يقينًا أن صاحب ذلك البيت قد حَج في ذلك العام.
تحكي الجداريات قصة، والحاج هو بطل الرواية. حيث يظهر اسمه بشكل بارز فوق الباب الأمامي، مسبوقًا بلقب الحاج المكتسب حديثًا، بالإضافة إلى السنة التي تم فيها الحج. فلا تخلد الجداريات ذكرى فريضة الحج فحسب، بل أيضًا العنصر الأكثر تحديًا في الحج، وهو الرحلة من القاهرة إلى مكة.
فمنذ القرن الثامن وحتى القرن التاسع عشر على الأقل، كانت رحلة الحج تتم في المقام الأول عن طريق البر، وهو طريق كان طويلًا ومحفوفًا بالمخاطر. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، بدأ الحجاج يسافرون بالباخرة من السويس إلى جدة، مما اختصر الرحلة إلى ثلاثة أيام فقط. وعلى الرغم من سرعته، إلا أن السفر البحري كان يحمل مخاطره الخاصة، والتي تتعلق بشكل رئيسي بانعدام السلامة وانتشار الأمراض. وقد حل محل السفر البحري السفر الجوي في بداية السبعينيات، على الرغم من أن عددًا صغيرًا من المصريين يواصلون السفر عبر البحر الأحمر إلى جدة.كانت تنقل اللوحات الجدارية هذا التاريخ الطويل لسفر الحج، حيث تم تصوير البواخر والجمال بجانب الحافلات والقطارات والطائرات.
في حين اختلاف الرسوم التوضيحية من جدارية إلى أخرى، إلا أن تمثيلات الكعبة منتشرة في كل مكان. فعلى الرغم من أن مناسك الحج تقام في مكة وحولها، إلا أن الكعبة هي المغناطيس الذي يجذب الحجاج إلى المدينة. ومن أشهر النصوص المنتشرة على الجداريات “حج البيت حج البيت لمن استطاع اليه سبيلاٍ” وكثيرًا ما تشير هذه الآية إلى صور الكعبة على الجداريات. وهناك آية أخرى منقوشة بشكل شائع تمثل تعليمات الله لإبراهيم:” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”. ومن السمات الأخرى المنتشرة في الجداريات القبة الخضراء الشهيرة التي تقع فوق قبر النبي محمد في المدينة المنورة. حيث يزور الحجاج كلاً من مسجد محمد والقبر الموجود بداخله قبل السفر إلى مكة أو بعده.
لقد تغيرت كتابات ورسومات الحج بشكل كبير في العقود الأخيرة. فأصبح يعتمدون بشكل أساسي على الصور الرقمية للحرم الشريف، إلى جانب الطائرة وهذا كل شيء. بالإضافة الى ذلك لم تعد منتشرة كالسابق خصوصاُ في المدن الكبيرة، حيث اقتصر وجودها على بعض القرى، إلا أن الجداريات تظل تقليدًا حيًا يواصل المسلمون المصريون من خلاله إحياء ذكرى الحج والتأمل فيه والاحتفال به. أما سبب بقاء الكتابة على الجدران القديمة لأنه يُعد جوهرة فنية واجتماعية.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
