230 مشاهدة
جديد مدحت صالح ألبوم بالمختصر المفيد … أفكار تجاوزها الزمن
بدو أن المطرب مدحت صالح لم يعد بحاجة لصنع تاريخ فني جديد، فقد حقق ذلك منذ زمن بعيد، ويبدو ان هذا التاريخ المبهر جعله لا يهتم أو يدقق في اختياراته الحالية، لم يتعلم مدحت من درس ألبومه السابق “بنت القلب” الذي اعتمد فيه على الإفيهات اللفظية فقط، وقرر أن يعيد الأمر نفسه في ألبومه الجديد “بالمختصر المفيد” والذي سوف يمر في سكوت مثلما مر الألبوم السابق.
لم يفطن مدحت صالح أنه عندما قررت شركة دعائية الاستعانة به للترويج لمجمع سكني فاخر استدعت واحدة من أهم أغانيه الكلاسيكية “كوكب تاني” الصادرة منذ 34 عامًا وان كانت متماشية مع فكرة الإعلان لكن منذ أغنيته “جاي على نفسك ليه” الصادرة أوائل الألفية، لم تضرب له أغنية صدرت داخل ألبوم، دون إغفال تحقيقه نجاحات جيدة على مستوى أغنيات الدراما السينمائية أو التليفزيونية، وهنا مربط الفرس حيث ان أغلب تلك الأغنيات تم اختياره هو لغنائها وليس هو من اختارها، وهذا يوضح الأزمة الحقيقية لجيل الوسط الذي لم تفلح اختياراته في إقناع الجيل الجديد من الجمهور ولم يستعيد جمهوره الأصلي المحشور في ركن النوستالجيا.
صدر ألبوم “بالمختصر المفيد” في 11 أغنية، حيث لم يضم أسماء معروفة سوى الشاعر الكبير “بهاء الدين محمد” في أغنية، ولحنان للملحن “تامر على”، ولحن واحد لكلًا من “مصطفى عوض، أحمد زعيم، عمرو الشاذلي” أما بقية الأسماء فهي من الصف الثاني والثالث في مشهد الغناء الحالي ويبدو أن اتجاه مدحت صالح للإنتاج اضطره على عدم الاعتماد على أسماء معروفة قد تكلفه ماديًا.
“كذا ميزة”
كلمات سلامة على صاغت الفكرة على طريقة الإعلانات التجارية في ذكر مميزات الحبيبة التي تمتلك “كذا ميزة”، المعالجة شديدة السطحية مع مفردات مستهلكة متوقعة جدًا بالأخص في البداية “حبيبة قلبي فيها كذا ميزة، في زعلها دي أكتر واحدة لذيذة”
لحن وليد منير على مقام النهاوند بدأ بجملة لحنية ركيكة جدًا “كذا ميزة” التي تشبه الهتاف، بقية افكار اللحن مستهلكة جدًا لن تعلق في أذنك جملة واحدة منه،توزيع أسامة كمال اعتمد على قوة الإيقاع مع صقفة إلكترونية دون أي شئ يذكر سوى جملة جيدة من الإلكتريك جيتار وأن بدت خارج السياق تمامًا.
“الجمال حتته”
تقطيعات إيقاعية جيدة من الشاعر محب غبور وإن عابها استخدام مفردات مستهلكة جدًا خصوصًا عنوان الأغنية الغريب “الجمال حتته” مع لزمة رئيسية مكررة”وياه لو ثانية عدت بتسوى الحياة، أنا بلقى راحتي في قربه ومعاه، من قد ايه نفسي فيه وبحلم بلقاه”
لحن كريم ياقوت على مقام الكرد مكون من فكرتين تعامل بشكل جيد مع تقطيعات الكلمات في المقدمة وانتقل بسلاسة للفكرة الثانية في لزمة الأغنية، الموزع يوحنا فيكتور صب اللحن في قالب موسيقي الريجاتون بإيقاعات إليكترونية جعلت الموسيقى بلاستيكية بعض الشئ مع بعض الومضات من الأكوستيك جيتار.
“أرض أرض”
أغنية بالكامل تنتمي إلى حقبة التسعينات الاستهلاكية بداية من كلمات علاء الدين السيد “دي اللي جابت قلبي أرض أرض،هادية بس عليها جمال يخض، عودها ايه تمشي تهز الدنيا طول وعرض”، لحن محمد سيد محمد على مقام النهاوند ببناء جيد بالأخص في اللزمة الرئيسية، أما توزيع أسامة كمال فيعاني من فراغ هارموني كبير مع استخدام أصوات قديمة جدًا سواء في المؤثرات الإيقاعية أو صوت الإلكتريك جيتار الاّلة الوحيدة المعزوفة بشكل حي في الأغنية.
“عقبالي”
أجواء رومانسية حملتها كلمات “رامي أمين” مع صياغة تقليدية بمفردات متوقعة خصوصًا في القافية المستهلكة جدًا” معاك، هواك، لقاك” وان ميزها هو تماسك الفكرة، لحن جيد من الملحن أحمد مصطفى على مقام النهاوند عبر عن الأجواء الرومانسية للكلمات، توزيع محمد عبد الودود جيد في قالب من موسيقى التانجو مع كوردات جيدة واستخدم مميز للأكورديون الباريسي.
“العصفورة”
فكرة الشاعر خالد جاد تصلح لأن تكون أغنية أطفال جيدة لكن أن تصاغ على هيئة أغنية عاطفية فهذا لا يمت للتجديد بأي صلة بل نوع من العبث الفني،”العصفورة قالت لي أنك ما بتسمعش كلامي وبتعمل يا حبيبي حاجات ما بتعملش قدامي”
لحن جيد من مصطفى عوض على مقام الكرد تعامل مع كلمات المقدمة على أنها أغنية موجهة للأطفال فعليًا وليس للمحبوب،توزيع تسعيناتي من الموزع أسامة كمال بدمج المقسوم مع الوتريات.
“في الجمال شهادات”
إعادة لنفس فكرة أغنية “الجمال حتته” من الشاعر محمد عاطف في إضفاء مواصفات خارقة عن المحبوب الذي يمتلك في الجمال شهادات تفوق القمر نفسه، وهي الصياغة التقليدية جدًا لفكرة مغازلة المحبوب، لحن سلس على مقام الكرد من تامر على مع تنفيذ بسيط من يحي يوسف افضل ما فيه هو جملة الفاصل الموسيقي.
“وايه تاني”
كلمات بهاء الدين محمد استخدمت نفس قاموس المفردات العاطفية التقليدي “وايه تاني معايا ولسه وحشاني وايه تاني بشوفك جاية علشاني، خلاص الحلم في ايديا وشايف قلبي بعنايا وروحك عايشة حواليا ومالي الحب احضاني”، لحن تامر على مقام النهاوند ببناء متماسك جدًا، توزيع هيثم راضي صبه في قالب من الديسكو السريع كان مناسبًا جدًا لطبيعة اللحن والكلمات.
“السهرة حلوة”
كلمات إيهاب عبد العظيم تعيد ترتيب ورص المفردات التقليدية عن فكرة السهر والانبساط “مزاجنا عالي ومودنا عالي والوقت غالي نفرح خلاص، ع الطبلة يالا دي الفرحة هلا عسل ما شاء الله اجملها ناس”، لحن مستهلك جدًا من عمرو الشاذلي على مقام الكرد مع توزيع مفكك جدًا من عمرو الخضري استخدم فيه الإيقاع والصقفة مع جملة ساكسفون بدت خارج السياق تمامًا مع فراغ في هارموني الأغنية
“خدها قاعدة”
فكرة مصاغة بشكل جيد من الشاعر كيرلس نشأت تحتمل تأويلات عن العلاقات العاطفية والإنسانية في نفس الوقت ملخصها أن الحياة لا تقف على أحد سواء حبيب أو صديق، لحن رائع جدًا من فيكتور يوحنا على مقام النهاوند اعطى مساحة جيدة لإبراز صوت مدحت اللائق جدًا، توزيع مشترك بين أسامة كمال و يوحنا فيكتور ، استخدام منطقي جدًا لاّلة التشيللو مع كوردات الجيتار والبيانو مع خد وتريات أعطى زخم للأغنية واختيار جيد لتوقيت دخول الإيقاع مع اللزمة الأغنية “النهاردة خدها قاعدة اللي يمشي معاك طريق” وجملة فاصل رائعة، خدها قاعدة هي أفضل أغنية في الألبوم كله.
“فكك قضيها”
كلمات محمد فتحي تحاول مغازلة تريندات مواقع التواصل الإجتماعي بإفيهات مثل “فكك قضيها، روق نفسك عيشها” رغم أن تلك المفردات أصبحت عتيقة بعض الشئ، لحن إيقاعي جيد من وليد منير تماهي مع فكرة الكلمات توزيع لم يأتي بجديد على مستوى الإيقاع أو استخدام أصوات مزعجة من الكيبورد تشبه أبواق السيارات.
“بالمختصر المفيد”
الشاعر محمد عاطف حاول إدخال بعض المفردات الجديدة داخل سياق فكرة عاطفية “بالمختصر المفيد، وبجدارة، انا هنا رهن الإشارة” مع استدعاء لنفس القاموس الشعري التقليدي دون أي تجديد مع اسم أغنية يصلح كعنوان لبرنامج إخباري، لحن مستهلك جدًا من أحمد زعيم على مقام الكرد مع توزيع إيقاعي من محمد شفيق أفضل ما فيه هو جملة الفاصل من الأكورديون.
هل تجاوز جيل الوسط الزمن
لن أكون قاسيًا على مدحت صالح وجيل الوسط تحديدًا لأني أدرك أنهم يقعوا في حيرة شديدة عن أختيار الأغنيات في الوقت الحالي، فالمعروض الجيد قليل جدًا بالإضافة إلى عدم وجود قواعد جدية تحدد الأغنية الجيدة أو الأغنية الناجحة في ظل تحكم مواقع التواصل الإجتماعي وخدمات الفيديوهات القصيرة في انتشار ونجاح الأغاني وأن كان هذا الانتشار والنجاح يصبح وقتيًا وكل يوم تصعد أغنية من العدم لتحتل مكان أغنية أخرى وهي مأساة تقصي بعض الأغنيات الجيدة من السياق الجماهيري الذي يبحث عن تسلية وقت فراغه بأي شئ ولم يعد يبذل مجهود للبحث لكن هل في ألبوم “بالمختصر المفيد” اجتهد مدحت قدر الإمكان، أرى أنه لم يجتهد مطلقًا حيث حاول أن يتماهى مع المشهد الموسيقي الحالي الردئ جدًا ومع ذلك اختار أغنيات تجاوزها الزمن في الأفكار والتناول الموسيقي.
بعد رحيل الفنان النوبي محمد فوزي إكرام الميت مسحه
الكاتب
ما هو انطباعك؟
