همتك نعدل الكفة
2٬349   مشاهدة  

جرائم بلجيكا التي مازالت تعاني منها الكونغو بعد أكثر من 60 عامًا من نهاية الاستعمار

الكونغو
  • ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



بلجيكا ليست أول دولة أوروبية نفكر فيها حين نسمع كلمات “احتلال” و”جرائم ضد الإنسانية”. فتاريخيًا، كانت الدولة الصغيرة أكثر شهرة دومًا بالبيرة فضلًا عن جرائمها ضد الإنسانية في أفريقيا خلال احتلالها للكونغو.

ولكن في أوج الإمبريالية الأوروبية في أفريقيا، أدار ملك بلجيكا ليوبولد الثاني إمبراطورية صاحب الشخصية الهائلة والقاسية، دولة احتلال نافست بل وتجاوزت الجرائم التي ارتكبها حتى أسوأ الحكام المستبدين في القرن العشرين. كانت هذه الإمبراطورية معروفة باسم دولة الكونغو الحرة، وكان ليوبولد الثاني سيد العبيد بلا منازع. فعلى مدى ما يقرب من ثلاثين عامًا كانت الكونغو تدار باعتبارها ملكية خاصة للملك بدلًا عن كونها مستعمرة تابعة لبلجيكا كسائر الحال في ذلك الوقت.

في عام 1876، شكل ليوبولد الثاني الجمعية الأفريقية الدولية لتنظيم وتمويل استكشاف القارة. وعلى المستوى الرسمي، كانت هذه مقدمة لنوع من المؤسسات الخيرية الدولية، حيث كان الملك “الخيّر” يتملق الشعب الكونغولي ببركات المسيحية والملابس والمحركات البخارية. ادعى الملك ليوبولد الثاني أنه كان يعمل كل تلك الساعات الإضافية من أجل إيصال سكان الكونغو للجنة. وفي عام 1885 تم الاعتراف رسميًا في مؤتمر برلين بحق ليوبولد الثاني بما سماه بـ”دولة الكونغو الحرة”.

الكونغو
ليوبلد الثاني

وفي العموم، يتعين على المُستعمرين أن يستخدموا شكلًا ما من أشكال العنف لاكتساب وإبقاء سيطرتهم على المستعمرة. في خلال السنوات الخمس والعشرين التي احتل فيها ليوبولد الثاني الكونغو، وضع معايير جديدة للقسوة التي يستخدمها المستعمرون حتى أن أفعاله القوى الاستعمارية الأخرى في أوروبا.

فقد أعاد الملك ليوبولد الثاني تنظيم مرتزقته ليسموا بـ”القوة العامة” وكانت مهمتهم فرض إرادته في المستعمرة. اختار ليوبولد الثاني حكام لكل منطقة وكان لكل منطقة حصص معينة لإنتاج العاج والذهب والماس والمطاط وأي شيء آخر كان يمكن للأرض انتاجه. منح ليوبلد الثاني كل الحكام سلطات دكتاتورية مطلقة. وكانوا جميعًا يكسبون نقودهم عن طريق العمولة مما حافزهم بشكل كبير لنهب التربة إلى أقصى حد ممكن. ولقد نجح الحكام في إرغام أعداد هائلة من أهل الكونغو الأصليين على العمل في الزراعة؛ كما أجبروا عددًا غير معلوم على العمل تحت الأرض، حيث عملوا حتى موتهم في المناجم.

في عهد ليوبولد الثاني، كانت الحياة البرية الفريدة في الكونغو عبارة عن هدف لرياضة التي كانت تمارس من قِبَل أي صياد تقريبًا كان بوسعه أن يذهب للكونغو ويدفع ثمن رخصة الصيد. مما أدى إلى قتل عديد كبير من الأفيال للحصول على العاج وغيرهم من الحيوانات لغرض التجارة أو حتى التسلية فقط.

وفي أماكن أخرى، وقعت معظم أعمال العنف في مزارع المطاط. والواقع أن هذه المزارع تستغرق قدرًا كبيرًا من العمل، ولا تستطيع أشجار المطاط أن تنمو حقًا بسرعة تجارية بداخل غابات الكونغو في غابة مطيرة قديمة النمو. وبالطبع قطع الغابات مهمة كبيرة تؤخر المحصول وتخفض الأرباح. لذلك قرر وكلاء الملك أن يأخذوا القرى من أهلها لتستخدم في الزراعة. لكن بحلول أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، ومع تحول الإنتاج الاقتصادي من المطاط إلى الهند وإندونيسيا، أصبحت القرى المدمرة مهجورة ببساطة، مع ترك قِلة من سكانها على قيد الحياة ليتدبروا أمورهم بأنفسهم أو شق طريقهم إلى قرية أخرى أكثر تعمقًا في الغابة.

فرض ليوبولد الثاني حصصًا على كل رجل في مستعمرته لإنتاج المواد الخام أما الرجال الذين فشلوا في الوفاء بحصة العاج والذهب، حتى ولو لمرة واحدة، فعقبوا بالبتر. وإذا لم يكن في الإمكان القبض على الرجل، أو إذا كان في حاجة إلى استخدام اليدين معًا في العمل، فإن القوات العامة سوف تقطع أيدي زوجته أو أحد أبنائه.

الكونغو
أحد أعضاء القوة العامة مع كونغولي بترت يده

قام نظام الملك المروع باحداث خسائر بشرية على نطاق لم يسمع به أحد منذ حملات المغول في مختلف أنحاء آسيا. لا أحد يدري كم كان عدد الناس الذين عاشوا في دولة الكونغو الحرة في عام 1885، ولكن تكهن معظم الناس أن عاش بها ما قد يصل إلى عشرين مليون شخص قبل الاستعمار. وفي وقت التعداد السكاني لعام 1924، انخفض هذا الرقم إلى 10 ملايين نسمة. من المرجح أن هذا الانخفاض الحاد كان بسبب الموت. ولم يكن هناك سبب واحد فقط لموتهم. ولكن ما حدث بدلًا من ذلك هو أن الوفيات الجماعية كانت في الأغلب نتيجة للمجاعة، والمرض، والإفراط في العمل، والتهابات الناتجة عن التشويه، والإعدام الصريح للبطيئين، والمتمردين، وأسر الهاربين.

الكونغو
رجل كونغولي ينظر على يد وقدم ابنته البالغة من العمر خمس سنوات بعد بترها في عام 1904.

وفي نهاية المطاف، وصلت حكايات الكابوس الذي عاشوا سكان الكونغو في “الدولة الحرة” إلى العالم الخارجي. وكان الناس يتذمرون ضد تلك الممارسات في الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا، لكن المضحك كان جميع هذه البلاد كانت في نفس الوقت تمتلك مستعمرات كبيرة منتجة للمطاط تابعة لهم، وكانت بالتالي في منافسة مع ليوبولد الثاني من أجل تحقيق الأرباح وفي الأغلب لم تهتم بمعاناة أهل الكونغو بأي شكل من الأشكال.

وبحلول عام 1908، لم يكن أمام ليوبولد الثاني أي خيار غير التنازل عن أرضه للحكومة البلجيكية. أدخلت الحكومة بعض الإصلاحات التجميلية في الحال ــ فقد أصبح من غير القانوني قتل المدنيين شعب الكونغو عشوائيًا على سبيل المثال.  كما غيرت الحكومة اسم المستعمرة إلى الكونغو البلجيكية. وهذا كان كل ما في الأمر. فقد استمر الجلد والتشويه لسنوات في الكونغو، كما تسرب كل قرش من الأرباح إلى الحكومة البلجيكية حتى الاستقلال في عام 1960.

ولا تزال جمهورية الكونغو الديمقراطية تواجه عواقب ممارسات الملك ليوبولد الثاني حتى فقد ظلت اللجان الفاسدة ونظام المكافآت الذي وضعته بلجيكا لمسئولي الإدارة الاستعمارية قائمة بعد رحيل الأوروبيين، ولم يكن للكونغو حكومة نزيهة بعد.

كما اجتاحت الحرب الأفريقية العظمى الكونغو في تسعينيات القرن العشرين، فقتلت ما يقرب من 6 ملايين إنسان في أكبر مذبحة شاهدها منذ الحرب العالمية الثانية ولقد شهد هذا الصراع الإطاحة بحكومة كينشاسا في عام 1997 بدكتاتورية متعطشة للدماء لا تقل عن تلك التي وضعت في مكانها.

إقرأ أيضا
القاهرة سنة 2000

ولا تزال البلدان الأجنبية تمتلك كل الموارد الطبيعية في الكونغو تقريبًا، وتحرس حقوقها في استخراج الموارد بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتوظيف القوات شبه العسكرية. في نفس الوقت الذي يعيش فيه كل كونغولي تقريبًا تحت خط الفقر، على الرغم من أنهم يعيشون في أكثر بلدان العالم ثراءً بالموارد الطبيعية على وجه الأرض.

إن حياة المواطن في جمهورية الكونغو الديمقراطية في يومنا هذا تبدو وكأنها ما تتوقعه لمجتمع نجا للتو من حرب نووية. بالنسبة للأميركيين، فإن الشعب الكونغولي:

-أكثر عرضة للموت في مرحلة الطفولة بمعدل 12 ضعف.
-يقل متوسط عمره المتوقع بـ23 سنة.
-يكسب أقل بنسبة 99.24%.
-ينفق 99,83% أقل على الرعاية الصحية.
-أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (إيدز) بنسبة 83.33%.

لقد توفي ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا، ولفترة من الزمان أكبر مالك للأرض في العالم، بسلام في الذكرى السنوية الرابعة والأربعين لتتويجه كملك في ديسمبر 1909. ويتذكره الناس كملك جيد أحب بلاده وقام بالكثير من أعمال البناء على حسابه الخاص لكنهم يفشلون في ذكر أن السبب الأساسي لامتلاكه الأموال الكافية لكل أعمال البناء تلك هو ما فعله في الكونغو.

الكاتب

  • الكونغو ريم الشاذلي

    ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
5
أعجبني
2
أغضبني
4
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان