جريدة صوت الأزهر وفن صحافة دعم فلسطين “قراءة تحليلية لأعدادها أيام طوفان الأقصى”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
اتخذت جريدة صوت الأزهر موقفًا واضحًا من دعم المقاومة الفلسطينية بعد بدء عملية طوفان الأقصى، لا يختلف عن قوة موقف الأزهر الشريف من تهجير الفلسطيينين ودعوته لهم بالصمود في لهجة بياناته التي أصدرها منذ يوم 7 أكتوبر وحتى الآن.
جريدة صوت الأزهر في طوفان الأقصى .. قراءة تحليلية لعددين
قوة بيانات المؤسسة الأزهرية جعلتها في صدارة الإشادة؛ لكن بقي ما تفعله جريدة صوت الأزهر التي تصدر يوم الأربعاء من كل أسبوع(1)، شكل من أشكال الموقف الأزهري الذي لم يلقى حظه من لفت الانتباه له، فرأينا أن نقوم في موقع الميزان بذلك.
عدد اسأل ضميرك والاحتلال أصل كل الشرور
بعد بدء عملية طوفان الأقصى يوم السبت 7 أكتوبر عام 2023م، جاء عدد مجلة صوت الأزهر رقم 1236 من السنة الرابعة والعشرين بتاريخ 11 أكتوبر من نفس العام وهو يحتوي على 12 صفحة، منها 6 صفحات عن طوفان الأقصى.
من المؤكد أن الكاتب الصحفي أحمد الصاوي بصفته رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر أحدث طفرةً في شكل الجريدة ومحتواها من حيث الفكرة والمضمون منذ أن تولى رئاسة تحريرها في 5 إبريل 2017م.
مع طوفان الأقصى تبلورت أفكار أحمد الصاوي بالتعاون مع رئيس التحرير التنفيذي وليد عبدالرحمن، بشكل فني أخاذ، بفضل شيماء النمر وخلود الليثي اللتين تقومان على الإخراج الصحفي، ولعب شهاب الوراقي دورًا محوريًا في الكاريكاتير والرسوم، إلى جانب عاليا عبدالرؤوف مسؤولة الماكيت الرئيسي.(2)
يظهر ذلك في تصميم مانشيتات الصفحة الأولى والتي كان فيها جملة «إن آجلاً أم عاجلاً كل احتلال إلى زوال»، والمكتوبة باللغات الثلاث عربي وعبري وإنجليزي، وفي الصفحة الثانية جاءت صورة سيطرة فلسطينيين على دبابة صهيونية مع وصف «لا تبحثي عن حلول .. الحل من جوا».
لكن أقوى صفحة في عدد 11 أكتوبر كانت الصفحة الثالثة التي حملت عنوان «الاحتلال أصل كل الشرور»؛ وفيها 10 أسئلة تحت بند طلب «اسأل ضميرك»، وجميع الأسئلة كانت باللغات الثلاث العربية والعبرية والإنجليزية.
قيمة فحوى هذه الأسئلة في أنها ليست موجهة لطرفٍ بعينه، وإنما تستهدف كل الأيدولوجيات سواءًا كانت المؤيدة للقضية الفلسطينية بشكلٍ واضح، والمحايدة بشكلٍ مستفز، والرافضة بشكلٍ مقزز.
اقرأ أيضًا
“تهجير الفلسطينيين ورفض الأزهر” بدأ من الحلمية الجديدة 1948م واستمر لطوفان الأقصى
لكن ثمة شيء آخر يزيد من قيمة فحوى هذه الأسئلة وهي أنها لا تتكلم بالشكل التقليدي حيث الحزن الكربلائي ولا حتى تتكلم بالشكل الشعاراتي المنبثق من هتافات «على القدس رايحين شهداء بالملايين، القدس دي أرضنا»؛ وإنما تتكلم بشكل منطقي عقلاني ومن منطق القوة المرتكنة على الحق.
اقرأ أيضًا
حدث بالفعل منذ ١٠ سنوات .. بيت من طين في خان يونس
هذه الروح لم تقتصر على أغلفة الجريدة ولا صفحاتها الرئيسية في عدد 11 أكتوبر، بل إن الموضوعات نفسها كان فيها نفس السياسة التحريرية، إذ احتوت ص6 من العدد على مقالين أحدهما كتبه سيد مصطفى كامل بعنوان لوم الضحية لتبرئة الأبارتهايد، وفَصَّل المقال بشكل خبري رصدي قيام الإعلام الغربي والولايات المتحدة الأمريكية بالتحايل على القانون الدولي والذي يصف أفعال الاحتلال بأنها فصل عنصري، ومع ذلك لا يتكلمون بل يدعمون الصهاينة؛ وقام المقال كله على تقارير منظمة العفو الدولية والتي قال كاتب المقال ساخرًا في بدايته «المؤكد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ورفاقه في البنتاجون والخارجية ونظرائهم في أوروبا وسائر الغرب يعرفون أن منظمة العفو الدولية لا تنتمي لمنظمة حماس ولا تمولها إيران ولا تدعم العنف والإرهاب، وهي للمفارقة منظمة غربية لا تتوانى عن رفض أي انتهاك لحقوق الإنسان».
أما المقال الآخر الموجود في ص6 من عدد 11 أكتوبر فكان بعنوان «ثلاث أصوات صهيونية تدافع عن الفلسطينيين»، وكتبه د. محمد عبود أستاذ اللغة العبرية والشئون الإسرائيلية في جامعة عين شمس، والجميل في هذا المقال أنه لا يتبنى عقيدة جماعة ناطوري كارتا اليهودية الرافضة للصهيونية وفكرة دولة اليهود، وذلك لأنها صارت مستهلكة.
إنما قام المقال بذكر آراء لـ 3 إسرائيليين من داخل مجتمع الدولة المزعومة واتفقوا جميعًا على أن عنف إسرائيل سيؤدي إلى هلاك، أولهم هو جدعان ليفي صاحب العامود الصحفي في جريدة هاآرتس، والثاني فكان المحلل السياسي حاييم ليفنسون، بينما الثالث فكان آري شافيت.
لا يمكن غض الطرف عن مجموعة الرسوم الكاريكاتيرية التي رسمها شهاب الوراقي في عدد 11 أكتوبر، فكانت أول رسمة كصورة لمقال «طوفان الأقصى كسر هيبة الصهاينة» والذي كتبه أحمد نبيوة، وكان الكاريكاتير عبارة عن أنامل تمسك أستيكة وتقوم بمسح العلم الصهوني من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليظهر العلم الفلسطيني مع وصف «مسألة وقت».
أما ثاني رسمة والتي جاءت كصورة لمقال لوم الضحية لتبرئة الأبارتهايد الذي كتبه سيد مصطفى كامل، فكانت شديدة الوضوح ولم يكن عليها وصف، إذ ظهر تمثال الحرية وعليه الشارة السوداء التي كانت على عين موشيه ديان، ويحمل تمثال الحرية الطفل الأوكراني في يده اليسرى، بينما اليد اليمنى تمسك شعلة النار وتشعلها في الطفل الفلسطيني، في إشارة إلى أن أمريكا لا تعترف بالحرية إلا للصهاينة وفي كل شيء.
بينما جاء الكاريكاتير الثالث بجانب مقال النصر الذي أحرزه الإنسان قبل السلاح وكتبه سليمان جودة، وكان عبارة عن قفا صهيونية وخلفه كفين، أحدهما كف مصر الذي ختم على القفا بتاريخ 6 أكتوبر، والآخر كف المقاومة الذي ختم على نفس القفا بتاريخ 7 أكتوبر.
عدد الهولوكوست الفلسطيني وصديقي الأمريكي
في 18 أكتوبر 2023م صدر العدد 1236 من صوت الأزهر من السنة الرابعة والعشرين، في 14 صفحة، ولم تكن فيه اللغة العبرية كما في عدد 11 أكتوبر وإنما الإنجليزية مع العربية وكأنه موجه للغرب.
اقرأ أيضًا
“إسرائيل وقصف المستشفيات” قراءة رقمية في تاريخ دموي
الصفحة الأولى من الجريدة كانت بعنوان نهاية مزاعم الغرب الإخلاقي، وكانت المانشيتات باللغة العربية والإنجليزية، وذلك في فضح للازدواجية التي يتعامل بها الغرب في القضية الفلسطينية وهو ما كان يحدث منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى.
ولأن عدد 18 أكتوبر كان فيه لغة إنجليزية والمقصود به مخاطبة الغرب عمومًا وأمريكا بالتحديد، كتب أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر مقالاً شديد المنطقية في الصفحة الثانية من العدد وحمل عنوان «رسالة مفتوحة إلى الصديق الأمريكي .. ماذا لو كان جورج واشنطن فلسطينيًا»؛ وتم نشره مترجمًا للإنجليزية في الصفحة الأخيرة.
وخاطب أحمد الصاوي عقل المواطن الأمريكي بمنطق المواطن الأمريكي من تاريخه، وهو تاريخ جورج واشنطن الذي حرر أمريكا من الاحتلال البريطاني، وعمل ربط تشبيهي بما فعله جورج واشنطن ورجاله من أجل تحرير أمريكا من الاحتلال، وما يفعله الشعب الفلسطيني.
ولعل ذلك التشبيه يمكن أن يغضب البعض أو كثيرين، وذلك لأن جورج واشنطن له أشكال إجرامية في الاضطهاد والعنصرية، لكن بشكل براجماتي فإن تشبيه رئيس تحرير صوت الأزهر في محله لأنه يخاطب الأمريكيين لا العرب، فالأمريكيين يعتبرون جورج واشنطن مناضلاً بأشكال ما في النضال، فأراد رئيس التحرير أن يأخذ تعريفهم للنضال من أجل الاستقلال ويطبقوه على الشعب الفلسطيني.
الصفحة الثالثة من عدد 18 أكتوبر كانت بمثابة هزة لثوابت تاريخية، إذ حملت عنوان الهولوكست الفلسطيني، ومكمن الهزة هو اللعب بالمصطلح (الهولوكوست) ومخاطبة الغرب باللهجة التي يعرفونها، فمصطلح الهولوكوست وإن كان أصله يوناني بمعنى حرق القربان بالكامل، لكنه صار يخص اليهود وحدهم كوصف لما تعرضوا له في محارق النازية، بالإضافة إلى أن دلالته بالنسبة لهم تعني أنهم قربان محروق وأنه حُرق لأنه أكثر الشعوب قداسة.(3)
وكان استخدام الجريدة لمصطلح الهولوكوست استخدامًا ذكيًا كوصف لما يحدث في الفلسطينيين عن حق واقعي وتطبيق أكاديمي أيضًا؛ إذ قامت الجريدة بتحديد 24 شكل ينبغوا أن يكونوا ملامح أشكال الهولوكوست وإن صاروا كذلك فإن الشعب الفلسطيني هو الذي تعرض للأشكال الـ24 وعليه فإن الجريدة أرادت أن تقول أن إسرائيل هي أشد إجرامًا من هتلر.
ربما استخدام جريدة صوت الأزهر في عدد 18 أكتوبر لمصطلح الهولوكوست الفلسطيني كان ملهمًا لصحفٍ أخرى أثناء تغطية مذبحة مستشفى المعمداني، فقد جاء الإعلان عن هذا العدد قبل مذبحة المعمداني بيومين وتحديدًا يوم 15 أكتوبر، واستخدمته جريدة اليوم السابع في عدد 19 أكتوبر.
الرسومات الكاريكاتيرية الثلاث التي رسمها شهاب الوراقي في عدد 18 أكتوبر من صوت الأزهر كانت بنفس قوة عدد 11 أكتوبر، فجاء الكاريكاتير الأول عن ازدواجية المعايير الغربية بين أوكرانيا وفلسطين.
أما الكاريكاتير الثاني فكان لأم فلسطينية تمسك برضيعها والصواريخ الصهيونية عليهما، في إشارة إلى أن ما يحدث هو إبادة شاملة للنسل الفلسطيني.
فيما جاء الكاريكاتير الثالث لكتاب بعنوان يوميات غزة ويسيل الدم منه، في إشارة إلى أن غزة كل يوم في دم بسبب الصهاينة.
ذلك الإبداع الذي قدمته جريدة صوت الأزهر، يمثل فنًا في دعم المقاومة بالصحافة الورقية، وستصير أعدادًا مع الزمن أعداد تاريخية يا حظ من يملكها ويرثها.
(1) كانت جريدة صوت الأزهر تصدر كل جمعة منذ 1 أكتوبر 1999م حتى آخر يوليو 2017م، ومنذ يوم 9 أغسطس 2017م باتت تصدر كل يوم أربعاء، ومقر الجريدة القديم كان في جامعة الأزهر فرع الدراسة، ثم انتقلت إلى المقر الحالي بمبنى قطاع المعاهد الأزهرية في شارع يوسف عباس بمدينة نصر، وكان شعارها القديم «صوت الأزهر جامعًا وجامعة»، ليحل محله الشعار الحالي «كلمة تنفع الناس .. جريدة عامة تهتم برسالة الأزهر الشريف».
(2) هناك قسم في الجريدة يتولى صفحة الأطفال وتشرف عليه د. نهى عباس ويقوم بالمراجعة اللغوية محمد الصيفي والإخراج الفني لـ ايهاب عوض، والرسوم لـ آمال سمير وفواز وإبراهيم عمرو
(3) عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، م2، ج4، ط/1، دار الشروق، القاهرة، 1999م، ص397.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال