جمال الغيطاني .. جدد الأدب العربي القديم وألبسه ثوب العصر الحديث
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
روائي وصحفي مصري خلق بقلمه عالمًا روائيًا مميزا، استلهم فيه التراث المصري ليخلق عالمًا روائيًا عجيبًا، يعد اليوم من أكثر التجارب الروائية نضجًا، ساهم في إحياء الكثير من النصوص العربية المنسية وإعادة اكتشاف الأدب العربي القديم بنظرة معاصرة جادة، إنه الرائع جمال الغيطاني.
ميلاده ونشأته
ولد جمال الغيطاني يوم 9 مايو 1945م بمركز جهينة، إحدى مراكز محافظة سوهاج، لـ عائلة فقيرة ، وكان جده منشدا ويحتفظ بدواوين الشعر في البيت، تلقى تعليمه الابتدائي وأتمه في مدرسة الجمالية الابتدائية، بعد انتقال الأسرة للقاهرة، في عام 1959م أنهى الدراسة في المدرسة الإعدادية، ثم التحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، والتي درس بها ثلاث سنوات فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان، وتخرج فيها عام 1962م.
عمل في المؤسسة العامة للتعاون الإنتاجي رساما للسجاد الشرقي، ثم مفتشًا على مصانع السجاد الصغيرة في قرى مصر، كما عمل مديرًا للجمعية التعاونية لصناع وفناني خان الخليلي.
العمل الصحفي وكتاباته
يقول الغيطاني في أخر حوار له قبل وفاته” أذكر انني عندما كنت صغيرا كنت أحب تسلية والدتي بحكايات من وحي خيالي وهي تقوم بالأعمال المنزلية وأؤلف لها حكايات وهمية عن كائنات فضائية تريد اختطافي وما شابه ذلك، إلى أن قرأت كتاب “البؤساء” لفيكتور هوجو وهو أول كتاب قرأته في حياتي وكنت قد اشتريته بالـ “العيدية”، وكان أبي يظن أن القراءة كانت تعطلني عن الدراسة، فكانت والدتي تعطيني الأموال سرًا لشراء الكتب، وبدأت الكتابة في الثامنة من عمري، ودخلت كلية الفنون التطبيقية ، ثم اعتقلت لممارستي نشاطا سياسيا سريا ضمن تنظيم شيوعي متطرف يضم مجموعة من ألمع كتاب الستينيات مثل الأبنودي وصلاح عيسى وسيد حجاب، وكتبت كثيرًا عن تلك الفترة التي سجنت فيها بسجن القلعة 40 يومًا، وكنا قبلها تركنا التنظيم بعد علمنا بوهميته أنها “مدرسة لتعليم الماركسية بأجر” كما كان يقول عنها الأبنودي”.
بع ذلك انتقل الغيطاني للعمل الصحفي، وكان مراسلًا حربيًا خلال حربي “الاستنزاف” و”أكتوبر” لجريدة أخبار اليوم، ومنذ عام 1985، أصبح محررًا أدبيًا لجريدة الأخبار، وكاتبًا بها، ثم رئيسًا لتحرير (كتاب اليوم) السلسلة الشهرية الشعبية، ثم رئيسا لتحرير أخبار الأدب مع صدورها عام 1993.
كان الغيطاني مقربا من الأديب الكبير نجيب محفوظ، يحضر كافة مجالسه، حتى كتب كتاب بعنوان “المجالس المحفوظية”، و”نجيب محفوظ يتذكر”، وحين قدم الناقد والأكاديمي الكبير إدوارد سعيد إلى القاهرة، بعد سنوات من حرمانه من زيارة مصر بسبب ملاحقته قانونيًا أثر مخالفة قانونية في عمل للأسرة كان قد كتب باسمه، كان الغيطاني مرافقه لرؤية القاهرة الفاطمية التي طالما عشقها وكتب عن مفاتنها، وتشربت كتابته بملامحها.
أصدر الغيطاني عددًا كبيرًا من الروايات، أولها “أوراق شاب عاش منذ ألف عام”، ومن ثم تتالت الأعمال: “وقائع حارة الزعفراني”، “الزويل”، “شطح المدينة”، “هاتف المغيب”، “كتاب التجليات”، “خلسات الكرى”، و”رشحات الحمراء”، وغيرها الكثير، وترجمت أعماله للعديد من اللغات.
أعماله للسينما والدراما
قدم الغيطاني للسينما والدراما مجموعة من الأعمال التي حفرت في أذهان المشاهد المصري والعربي، حيث كان صاحب قصة فيلم “أيام الرعب” مع المؤلف يسرى الجندي، ولعب بطولة الفيلم الذى أنتج عام 1988، كل من محمود ياسين وميرفت أمين وأحمد بدير وغسان مطر وصلاح ذو الفقار وحسن حسين، وأخرجه سعيد مرزوق.
كما عالج السيناريست محمد حلمى هلال، القصة القصيرة “حكايات الغريب”، لفيلم سينمائي أنتج عام 1992، ولعب بطولته محمود الجندي ومحمد منير وشريف منير وحسين الإمام وهدى سلطان، والعديد من النجوم المصريين، وأخرجته المخرجة الكبيرة إنعام محمد على، وجسد العمل المواطن المصري عقب نكسة 67، والروح الانهزامية التى لازمته، حتى عبر في عام 1973.
أما فى الدراما فقدم الغيطاني أعمالا لا تنسى، يعتبر من أشهرها “الزيني بركات” عام 1995 ، وهو المسلسل الذى لعب بطولته كل من أحمد بدير وحنان ترك ونبيل الحلفاوي وعبد الرحمن أبو زهرة، وأنتجه قطاع الإنتاج، كذلك قدم مسلسل “حارة الزعفراني” للنجوم صلاح السعدني ومحمد متولى وسماح أنور وأحمد فؤاد سليم وبهاء ثروت وصلاح رشوان ومحمود البزاوى، وطارق النهري، وأخرجه أيمن عبيس.
دروس السجن
في تصريح سابق له قبل الوفاة أعلن الغيطاني عن مرحلة ما بعد السجن قائلًا: “وأنا في محبسي قررت عدم الانضمام لأي تيار سياسي مطلقًا، فأنا ككاتب أشكل حزبا برأيي وفكري، فالأديب الراحل “توفيق الحكيم” كان حساسًا في علاقته بالسلطة على الرغم من تعلق عبد الناصر الشديد به وإرساله لليونسكو سفيرًا حتى يحصل على “نوبل” ، إلا أنه كان يقول ” أي حاكم مهما كان عظيما إلا أنه يريد تأييدك قبل أي شيء” ،وكسرت ذلك مرة عندما وقعت استمارة الانضمام لتيار اليسار عندما كان يرأسه خالد محيي الدين ، ولكنني سرعان ما انسحبت عندما اكتشفت أن حزب التجمع أصبح ضدنا كأدباء أكثر من السلطة نفسها”.
إقرأ أيضًا…“بوكشاش “.. اللص الذي أرهق أهل البادية !
كذلك تعلمت من هذه الفترة أن لا أرتبط بدراسة أكاديمية ممنهجة ، وأن أبدأ في تكوين ذاتي بذاتي ، والحديث عن تكويني قصة تحتاج إلى كتاب، كما أقر قائلًا”أنا مدين لتلك الفترة لأنها عرفتني الفكر الذي أصبح يشكل وجهة نظري فيما بعد وانحيازي للعدالة الاجتماعية والفقراء وبداية انطلاقي لدراسة الفلسفة”.
علاقته برؤساء مصر ورأيه في ثورة يناير
صرح الغيطاني قبل وفاته عن عدم حبه للرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائلًا:”كنت ضد عبد الناصر وسجنت في عهده ، ولكني أحببته بعد وفاته وذلك كراهية فيمن أتى من بعده”.وأما عن رأيه في السادات فأعلن قائلًا:”كانت فترة حكم السادات هي أسوء فترات مصر لأنها هي الفترة التي نعاني آثارها حتى الآن ، وأتعجب من تسمية “السادات” لنفسه “الرئيس المؤمن” ، فهل كان عبد الناصر كافرا ؟!” .
أما عن “مبارك” قال:” لم يكن في الحقيقة مؤذيا ، لكن المشكلة في أسلوب حكمه التي أدت إلى كارثة يناير التي لا أدينها كثورة فأنا رأيت خروج الناس إلى الشوارع والميادين ، ولكن ما وراء الثورة هو ما اكتشفنا أنه “كارثة” فيما بعد”.
وفاته
توفى العبقري جمال الغيطاني في 18 أكتوبر2015م عن عمر ناهز السبعين عامًا في مستشفى الجلاء العسكري في القاهرة، بعد صراع مع المرض إثر إصابته بوعكة صحية أدخلته غيبوبة لأكثر من ثلاثة أشهر.
رحل تاركًا ميراث عملاق من الأدب حيث يعد الغيطاني من أكثر الكتاب العرب شهرة على شبكة الإنترنت، إذ إن أغلب رواياته ومجموعاته القصصية متوفرة في نسخات7 رقمية يسهل تبادلها أضافت بعدا جديدا لهذا الكاتب الذي جمع بين الأصالة العميقة والحداثة الواعية.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال