جمهور ويجز .. من أين جاء كل هؤلاء؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة أقل ما يقال عنها أنها لجماهير غفيرة ، أعداد لا حصر لها من البشر ، شعب لدولة صغيرة قد تجمع في مكان واحد ، مشهد ملحمي من أفلام هوليوود .. إنهم جماهير المطرب فن “التراب” ويجز .. البعض حاول تحليل هذا المشهد من زوايا عديدة ، والبعض استهجنه وقال أننا على موعد مع جيل الزومبي .. الجيل الذي لا يفهم ما يسمع ، ولا يعي ما يقول ، ولديه من البجاحة بأن يفتك بك فتكًا ويتهمك بالرجعية والتخلف والجهل إن حاولت مجرد انتقاده في تصرف ما .. والبعض الآخر يقول أن هذه هي سنة الحياة ، وعجلت الزمن التي إن دارت فهي تخلق فنًا جديدًا ، وعلمًا جديدًا ، وإسلوبًا جديدًا للحياة ليس عليك أن تفهمه لأن أصحابه يفهموه ، فقط حاول أن تتعايش معه .
وإذا قررنا تحليل تلك الصورة بعيدًا عن التحزّب لرأي ما ، أو الانزلاق لصراع الأجيال ، أو رفض الانضمام لفئة الناقمين على كل ما هو جديد ، فإننا سنجد عدة عوامل قد اشتركت في تلك الصورة ، لا عامل واحد من العوامل المذكورة .. عناصر مشتركة تضافرت لتكوين كل تلك الأعداد من “الفانز” الذين يعتبرون ويجز وأصدقائه ليسوا فقط مطربين ، بل إسلوبًا للحياة ، يفكرون كما يغنون ، ويتصرفون على مذهب الليركس والبيت والفلو .. ولكي نضع خريطة كاملة تساعدنا على الرؤية عن كثب .. فلابد أن نجيب عن سؤالين لا ثالث لهما .
متى ظهر هؤلاء ؟
لا أتحدث هنا عن راب مكي ، والفيشاوي ، وكل هؤلاء الذي نفهم ما يقولونه ، بل نتحدث عن عن شلة أبيوسف وباتيستوتا والمكسيك ومروان موسى مروان بابلو وويجز وليجي سي .. هؤلاء الذين صنعوا تمثالًا في الخفاء ، وخرجوا به للنور مرة واحدة ، ليصنعوا بلبلة كبيرة في سوق الغناء ، وتضع اليوم نفسك مكان أي منتج غنائي ، مهما حاولت التقليل منهم فهم ليسوا بقليلون ، ومستحيل أن يجتمع كل هؤلاء الناس على شئ فارغ لتلك الدرجة .. لكننا يمكن تفسير ذلك بتلك التوقيت المُبهم الذين ظهروا فيه قبل الانطلاق الكبير .. التوقيت الذي أحكموا قبضتهم فيه على جمهور السوشيال ميديا ، نفس هذا التوقيت الذي كان المطربين المعروفين يتعالون على السوشيال ميديا وجماهيرها فلا حسابات لهم ولا محاولة لجذب انتباههم ، معتمدين على الإرث الجماهيري قبل ذلك .. تعالوا على الجمهور فعاقبهم بالابتعاد عنهم واتجهوا لمن “أيّف” فنّه على مستواهم .. هذه زاوية يمكننا أن نفهم منها كيف تكونت كل هذه الشعبية .
الزاوية الأخرى هي زاوية الملل ، انتشر هؤلاء حينما أصاب الملل روح الجيل الجديد ، كلمات الأغاني التي لا تتغير ، الشعراء الذين لا يكتبون سوى “عينيها ، وشفايفها ، وروحي ، وروحها ، ورمشها ، وقلبها ” .. بينما جاء من يحدثهم عن “الغزالة والورديان والفزلوكة ” .. بالطبع يذهب الجديد للجديد ، وهذه قاعدة تكاد تكون لا يوجد بها استثناء .. الملل قادر على تغيير المسار ، والضمانات بثبات نسبة الجماهير كالمراهنة على ثبات موج البحر .
هل هي زوبعة فنجان وستمر كما مر من قبلها ؟
كنت أتمنى أن أقول “لك” نعم ، لكن الحقيقة أن شركات الاتصالات فرضت نجوم التراب على الناس فرضًا ، وحافظت لهم على الشعبية أو على الأقل على ثباتها ، ما مكنهم من الوقوف بقدم ثابته بعيدًا عن السوشيال ميديا ذات الشعبية الهشة لكنها كثيفة ، أن تمشي في الشارع تجد بوسترات “أبيوسف” في إعلان فودافون جنبًا إلى جنب النجم محمد سعد ، فبالتأكيد قد حجز لنفسه مكانًا أصيلًا ليس هشًا لدرجة التريند . ضف إلى ذلك أن ويجز وشلته سبقوا السوق على مستوى التسويق ، ومستوى الحركة وعدم الكسل الفني الذي يضرب كثير من نجوم الأنتيكا من الثمانينات والتسعينات ، في عصر إن لم تتواجد فيه يوميًا فستضطر أن تبدأ من جديد .. لذلك فكرة أنها موجة وستمر فكرة خاطئة ، وعلى من يكره هؤلاء أن يقلب القناة ويشاهد فنًا آخر .. السوق أصبح مفتوح الاحتمالات ، ويحتمل أن تسمع ويجز وعمرو دياب وعلي الحجار ومروة ناجي والشيخ ياسين التهامي معًا . ابتعدوا عنهم أو اقتربوا باحترام .. فقد نجحوا !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال