جودّر المصري .. بلغني أيها الملك السعيد جدًا
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
لا أريد تخيل كيف أقنع صناع مسلسل جودّر المصري إقناع جهة الإنتاج، بإنتاج مسلسل جديد من ألف ليلة وليلة، لان رد الفعل الأول ستكون كلمة “تاني؟!”، على الرغم من إن مسلسلات ألف ليلة وليلة وفوازيرها في الدراما المصرية هي جزء من تراثنا المبهج، إلا أنها دومًا ما كانت فريسة الانتقاد أحيانا لطفولية السيناريو ودائمًا لفقر الصورة والخدع، ولكن في دراما رمضان 2024 تعود ألف ليلة وليلة بثوب جديد خالية من الطفولية وفقر الصورة.
لم يخرج المؤلف أنور عبد المغيث عن القالب الثابت لألف ليلة وليلة والقصة الرئيسية عن شهريار وشهرزاد، ولكن الملفت للنظر هو كيفية سرده لتلك الحكاية وبدايتها، في مشهد واحد سريع دون كلمة واحدة يروي لك قصة الملك شهريار وخيانة زوجته بإيجاز عظيم، بل ويمهد لرحمة شهريار التي هي محرك الأحداث تلك الرحمة التي سمحت لشهرزاد أن تحكي حكاياتها.
ذلك التكثيف الرائع في مشهد البداية صحبه تكثيف وتجسيد أروع من إسلام خيري مخرج المسلسل، قفزات إسلام خيري وزواياه داخل المشاهد في الحلقة الأولى هي بنفس ذكاء الحوار وتكثيفه وروعته، فيصوغ إسلام خيري حوارًا مسكوتًا عنه بالصورة بين الشخصيات، سواء في مشهد الوزير قمر الزمان مع شهريار أو في مشاهد شهريار وشهرزاد، ولم يختل هذا الرتم إلا في بداية الحكاية.
دائما ما تتسم الأعمال التي تروى بداخلها حكايات مختلفة مثل ألف ليلة وليلة بخلل في الرتم أو الإيقاع بين الخط الرئيسي وبين خط الحكايات الداخلية، واختلال الرتم خاصة في أولى مشاهد الشمعيين صاحبه اختلال في الحوار ومباشرة وسذاجة ولكن كان الأمر مجرد ظرف طارئ وانتهى وعاد الإيقاع إلى انضباطه وعاد الحوار إلى ذكائه وتكملهم صورة من أجمل ما شاهدت في دراما الفانتازيا العربية.
ورغم أننا في بداية الحلقات إلا أن هناك عدد من النقاط المضيئة بالإضافة للسيناريو الجيد والحوار الذكي والإخراج المتميز، فأداء ياسر جلال الواثق البسيط المبتعد عن المغالاة جعله في رأي من أفضل من قدموا دور شهرزاد، بالإضافة لأداء أحمد فتحي المفاجئ بالنسبة لي، أخيرًا جاء مخرج استطاع السيطرة على انجراف فتحي في المبالغة، ليحاول استخراج نسخة أفضل من كوميديا أحمد فتحي، كوميديا بعيدة عن المغالاة.
جودّر المصري هو مغامرة بكل المقاييس من حيث الفكرة وإعادة تدويرها وتقديمها في 2024، مغامرة محفوفة بقلق ومخاوف قبل العرض، ولكن الحلقات الأولى بددت تلك المخاوف والقلق، خاصة مع قدرة أنور عبدالمغيث وإسلام خيري في تحقيق التوازن المطلوب بين تجديد ألف ليلة وليلة والحفاظ على ثوابتها في الوقت نفسه وهو أمر بالفعل شديد الصعوبة.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال