جوليا توفانا..القاتلة المتسلسلة التي ساعدت النساء في التخلص من أزواجهن ببيع السم
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كانت جوليا توفانا صانعة سموم محترفة في القرن السابع عشر وباعت السم إلى السيدات لقتل أزواجهن وبمجرد القبض عليها، خمنت توفانا أن سمها تسبب في حوالي 600 حالة وفاة، مما جعل منها، على نحو ما، واحدة من أكثر القتلة غزارة في التاريخ. بل إنها تمكنت حتى من تخليق سمها الخاص الذي لا طعم له ولا أثر له والذي كانت تغليفه سرًا في زجاجة ماكياج.
وعلى أكثر من طريقة، كانت الأعمال الشريرة التي قامت بها جوليا توفانا ببساطة نتيجة للعصر الذي عاشت فيه. ففي إيطاليا في القرن السابع عشر، كان يتم تزويج النساء في زيجات مؤذية مليئة بسوء المعاملة في كثير من الأحيان. وهؤلاء النساء لم يكن يتمتعن بسلطة مالية أو اجتماعية، ولم يتاح لهن سوى ثلاثة خيارات: الزواج، العزوبية والاعتماد على العمل الجنسي للبقاء على قيد الحياة، أو أن يصبحن أرامل محترمات وأغنياء (وهو ما يتطلب الخيار الأول في حد ذاته).
وبالنسبة للعديد من النساء، فإن الخيار الثالث هو الأكثر جاذبية. ومن حسن الحظ بالنسبة لهن أن روما في القرن السابع عشر كان لديها “عالم إجرام سحري” مزدهر قدم الخدمات اللازمة لجعل هذا ممكنًا. ولقد تم العثور على هذه المجتمعات السرية في مدن أوروبية كبرى أخرى، وهي تتألف من الكيميائيين، والعطارين، والخبراء في “السحر الأسود”. والواقع أن هؤلاء الخبراء لم يبرعوا في الفنون المظلمة بقدر ما ساهموا في حل المشاكل التي لم يكن بوسع الأطباء أو الكهنة في ذلك الوقت حلها مثل الإجهاض.
لا يعرف الكثير عن خلفية جوليا توفانا، فمن المعتقد أنها ولدت في عام 1620 تقريبًا في باليرمو بصقلية، إلى والدة توفانيا دي أمادو التي كان لها تاريخها المظلم وتم اعدامها بتهمة قتل زوجها عام 1633. سلاح اختيارها المزعوم؟ السم.
جوليا نفسها أصبحت أرملة وانتقلت مع ابنتها، جيولاما سبارا، إلى نابولي ثم روما. ويبدو أن توفانا بدأت في بيع سمها متبعة خطوات والدتها وربما مستخدمة لوصفتها حتى. وبمساعدة ابنتها ومجموعة من النساء الجديرات بالثقة، اكتسبت توفانا سمعة كصديقة للنساء المتعثرات. وربما جندت أيضاً كاهنًا رومانيًا محليًا، الأب جيرولامو، للمشاركة سرًا في شبكتهم الإجرامية، ولكن المعلومات حول الأعمال الفعلية التي قامت بها توفانا لا يمكن التأكيد عليها 100%.
ويعتقد عموما أن الأب جيرولامو زود توفانا بالزرنيخ لصناعة السم وتوفانا وزميلاتها يخبئن السم في عبوة مستحضرات تجميل عملائهن. وإذا كان لأي شخص أن يسأل عن ازدهار صناعة توفانا، فإن كل ما كان عليها أن تفعله كان أن تعرض عليه زجاجات “أكوا توفانا”، وهي عبارة عن كريم وجه أو زيت قابل للنساء ــ خاصةً هؤلاء اللاتي أرادن أن يكونوا عازبات من جديد.
كانت جوليا توفانا تغلف سمها بحيث يمكن خلطه بسهولة على منضدة زينة امرأة إلى جانب مستحضرات التجميل والعطور الخاصة بها. ورغم أن زبائنها يعرفون أكوا توفانا، فإن الزجاجة الزجاجية ذاتها كانت تحمل اسم “مانا من سانت نيكولاس من باري”، وهو في واقع الأمر كان زيت شفاء مشهور في ذلك الوقت لعلاج العيوب.
وعلى الرغم من أن أكوا توفانا لم يبدو كسم، إلا أنه كان قاتلاً إلى حد كبير السم لم يكن له لون أو طعم لكنه استطاع قتل رجل بفقط أربعة أو ستّة قطرات. ولكن العبقرية الحقيقية وراء السم كانت تتلخص في أنه لم يمكن اكتشافه حتى بعد وفاته. فهو يقتل الضحية على مدى أيام، وبمحاكاة مرض, يتم تناوله من خلال نوع ما من السوائل، حيث سببت الجرعات الأولى الضعف والإجهاد. أما الجرعة الثانية فقد تسببت في ظهور أعراض مثل ألم المعدة، والتعطش الشديد، والتقيؤ، والزحار. وأخيرا، مع إعطاء جرعة ثالثة أو رابعة على مدى الأيام العديدة اللاحقة، يواجه الرجل مصيره.
ووفقاً لأغلب التقديرات، فإن تجارة توفانا نجحت في خداع السلطات لعقود من الزمان في مختلف أنحاء إيطاليا في القرن السابع عشر. وربما لم يتم اكتشاف توفانا إلى الأبد لو لم يكن لذلك الوعاء من الحساء.
وكما تقول القصة، في عام 1650، قَدَّمت سيدة لزوجَها وعاءً من الحساء مزودًا بقطرة من سم أكوا توفانا. ولكن قبل أن يتمكن زوجها من الأكل، تغير قلبها ومنعته من تناول الطعام. ولقد أثار هذا شكوك الرجل وأساء لزوجته إلى أن اعترفت بتسميم الطعام. وسرعان ما سلم المرأة إلى السلطات وبعد المزيد من التعذيب، اعترفت بأنها اشترت أكوا توفانا من جوليا توفانا.
ومع بحث السلطات عنها، فرت توفانا إلى كنيسة محلية حيث مُنحت ملجأ. حتى انتشرت شائعة مفادها أنها استخدمت أكوا توفانا لتسميم إمدادات المياه المحلية. بعدها دخلت السلطات الكنيسة بسرعة وألقت القبض على توفانا. وبعد التعذيب الوحشي، اعترفت جوليا توفانا بقتل 600 رجل باستخدام وبيع سمها بين عامي 1633 و1651 فقط، الأمر الذي جعلها العقل المدبر وراء واحدة من أكثر مؤامرات القتل شهرة في التاريخ.
ثم وكما تخلص الأسطورة فإن توفانا أعدمت في كامبو دي فيوري في روما في عام 1659 جنبًا إلى جنب مع ابنتها وثلاثة من مساعديها. فضلًا عن ذلك فقد تم إعدام ما يزيد على أربعين من عملاء جوليا من الطبقة العاملة، بينما كانت النساء من الطبقة العليا إما مسجونات أو أفلتن من العقاب تمامًا إصرارهن على أنهن لم يعرفن قط أن “مستحضرات التجميل” التي يستخدمن كانت سامة بالفعل. ولكن بعض الروايات تؤكد أن عصر توفانا للإرهاب دام لفترة أطول كثيرًا من هذا، وأنها أسرت وعذبت وأعدمت في عام 1709.
ويعتقد البعض أيضًا أن سمها كان حتى متورط في وفاة أسطورة عندما تعرض الملحن الشهير ولفجانج أماديوس موتسارت، بعد أكثر من قرن من الزمان، للمرض في سن الخامسة والثلاثين. وبالرغم أننا لا نعرف ما كان سبب وفاة موتسارت، فقد تصور البعض أن ذلك ربما كان راجعًا إلى أكوا توفانا. ولكن من المعتقد إلى حد كبير أنه لم يمت بالتسمم، ناهيك عن سم توفانا.
وسوف يكون من الصعب تأكيد هذا على أية حال، لأن الوصفة الدقيقة التي استخدمتها جيوليا توفانا لم تسجل قط. ويعتقد أنها استخدمت مزيجا من الزرنيخ، الرصاص، والبيلادونا، الذي كان يستخدم عادة في مستحضرات التجميل طوال القرن السابع عشر.
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال