جون كالفن .. قصة صاحب الفكر الذي لا زال يحكم كنيسة اسكتلندا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
دخل جون كالفن التاريخ مع مارتن لوثر باعتبارهما من رموز تاريخ الإصلاح البروتستانتي بمذهبهما، فمارتن لوثر كان أساس حركة الإصلاح التي تمت في القرن السادس عشر، أما كالفن فقدم مجموعة من التعاليم، كان من شأنها أن تقود حركة الإصلاح حتما إلى انسلاخ تام شامل عن التقاليد.
شن لوثر هجومًا على المساوئ وعلى بعض المعتقدات التي قامت عليها الكنيسة الكاثوليكية، ولكن كالفن أدان التنظيم الأساسي الذي كانت تلك الكنيسة تعول عليه.
وضع كالفن وهو في السادسة والعشرين من عمره كتابًا سماه أنظمة الديانة المسيحية، ضمن فيه نظامًا شاملا للاهوت، وعبر فيه عن آراء لم يكد يبدل منها شيئًا طوال بقية حياته، كان لها تأثير هائل على التفكير الديني في أوروبا.
قصة صاحب فكر الكالفينية
ولد جون كالفن في شمال شرق فرنسا، في العاشر من شهر يوليو عام 1509 م، وكان أبوه محاميًا، وأمه ابنة صاحب فندق صغير، واقتداء بما كانت تحتذيه كثير من الأسرات الطموحة في ذلك العهد، أوفدت أسرة كالفن ابنها إلى حيث يربى في بيت من بيوت النبلاء ليصبح قسيسًا في الكنيسة الكاثوليكية.
وفي عام 1523 م ذهب كالفن إلى باريس لمواصلة تعليمه، وكان يختلف إلى مدرسة كان بين تلامذتها، في فترات مختلفة، اثنان آخران من كبار المفكرين الدينيين هما إرازمـوس وإغناطيوس ليولا غير أن كالفن لم يصبح قط قسيسًا من الكاثوليك، فقد غادر باريس وهو في حوالي العشرين من عمره لكي يدرس القانون، ولكن عقله الناقد بدأ إذ ذاك يناقش معتقدات الكنيسة الكاثوليكية.
قام مارتن لوثر عام 1517 م بتعليق آرائه الـ 95 على باب الكنيسة في ويتنبرج، ومنذ ذلك الحين صارت أفكاره محل نقاش محتدم في أرجاء أوروبا، أما انتقادات كالفن للكنيسة فقد كانت أشد قوة من انتقادات لوثر، وما إن جاء عام 1530 م حتى ذهب يفند علانية كثيرًا من المعتقدات الكاثوليكية، وأخذ يمضى ساعات وهو يدرس العهد الجديد في نسخته الأصلية باللغة الإغريقية.
لم يكن بوسع الحكومة الفرنسية والكنيسة الفرنسية أن تقفا موقف المتفرج، بينما يعمد رجال مثل كالفن إلى مهاجمة أعز ما يؤمنون به، ولكن الملك الفرنسي فرنسيس الأول، كان مضطرًا إلى أن يتحرك بحذر نظرًا لأن تحالفه مع بعض أمراء ألمانيا من معتنقي مذهب لوثر كان أمرًا هامًا لديه، ولكن لم يطل الوقت حتى تكاثرت الاتهامات ضد كالفن إلى حد اضطر معه إلى مغادرة فرنسا والإقامة في سويسرا، أولا في مدينة بال ثم بعد ذلك في مدينة جنيف، وهي المدينة التي قدر أن يقضى فيها بقية حياته مع بعض أمراء ألمانيا وأن يقترن بها اسمه اقترانا وثيقًا.
اقرأ أيضًا
حكاية جوتا .. السيدة التي خدعت الكرادلة ونصبت بابا الفاتيكان
بحلول الأربعينيات من عام 1540 م أخذ الرجال يتقاطرون من كافة أرجاء أوروبا لزيارة كالفن لكي يتدارسوا معه، بل فوق كل شيء لکي يروا نوع الكنيسة التي هو آخذ في وضع نظمها بمؤازرة من حكام المدينة على كره منهم في أغلب الأوقات ومن مدينة جنيف بدأ هذا الفرنسي يحدث تأثيره في الدنيا بغير حدود، ولكن عمله وأفكاره كانت جميعًا مستندة إلى الكتاب الذي وضعه قبل مغادرة فرنسا بصورة نهائية وهو كتاب أنظمة الديانة المسيحية باللغة اللاتينية عام 1535 م، وقد قدم الكتاب آراء كالفن عن ماهية الدين المسيحي وعما يجب أن تكون عليه الكنيسة المسيحية.
وجدت الكالفينية أكبر التأييد في الجزر البريطانية بين الأسكتلنديين، ولا تزال كنيسة إسكتلندا حتى اليوم تعتنق المذهب الكالفني بصورة واسعة، وإن كانت الصرامة التي اتسم بها كثير من أفكار كالفن قد نالها التخفيف والتيسير، وكان أتباع مذهب كالفن في فرنسا يسمون الهوجينوت، وفى اسكتلندا يسمون البريزبيتيريان، كما كان كثيرون من البروتستانت في هولندا من أتباع كالفن.
وقد هاجر كثيرون من أتباع كالفن في أوروبا إلى أمريكا في القرنين السابع عشر والثامن عشر نتيجة للاضطهاد، فيما توفي جون كالفن في مدينة جنيف في 27 مايو عام 1564 م، وتم دفنه ببساطة في إحدى المقابر العامة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال