جيما نونو كومبا.. انتصار نسوي ولا لعبة حكومية؟
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
خبر تعيين جيما نونو كومبا رئيسة لبرلمان جنوب السودان خبر تم استقباله بسعادة من ناس كتير بوصفه نصر للنسوية، بوصفها أول ست تمسك المنصب ده، والبعض نظر لكون أوضاع الستات في دولة ج. السودان بقت أفضل بعد عشر سنين فقط من أستقلالهم عن حكم الخرطوم صاحب الصبغة العروبية الإسلامية (وقت استقلال الجنوب).
هل كل ده حقيقي؟ بمعنى هل القرار فعلًا نصر للستات وبيعكس تعاظم لدور المرأة في المجتمع هناك؟ وهل ناتج عن وعي مجتمعي ولا القرار فوقي؟ وأساسًا هل كومبا بنت الحركة النسوية في جنوب السودان ولا مجرد سياسية مقربة من القيادة السياسية حداهم؟ أسئلة كتير محتاجة أجوبة.
جيما نونو كومبا مواليد ستينيات القرن المنصرم، أرتبطت حياة كومبا بالسياسة منذ مولدها، حيث عاشت طفولتها في مخيم للاجئين، انضمت للحركة الشعبية لتحرير السودان منذ بداية شبابها، خلال الحرب الأهلية مع الحكومة المركزية في الخرطوم.
حصلت على شهادتها الجامعية في ناميبيا، ترقت داخل الحركة حتى أختيرت ضمن وفد التفاوض باسم الحركة مع حكومة الخرطوم سنة 2002 في أثيوبيا.
سلسلة من الأحداث والتعيينات:
في ضوء اتفاق نيفاشا 2005 تم تعيين كومبا في البرلمان السوداني (مرحلة ما قبل الاستقلال).
بعد الاستقلال، في 2011، أتعينت في منصب والي ولاية غرب الاستوائية.
الدولة الوليدة ماستقرتش بمجرد استقلالها، وعاشت ج. السودان حرب أهلية بين السلطة الرسمية بقيادة سيلفاكير “رئيس الدولة ورئيس الحركة الشعبية” والمعارضة المعروفة بـ “أولاد قرنق” بقيادة د. رياك مشار، “نائب رئيس الدولة ونائب رئيس الحركة الشعبية” (الحزب الحاكم)، استمرت الحرب 5 سنين (نُص عمر الدولة حتى الآن).
سنة 2013 ظهر اسم كومبا مرة تانية ع الساحة السياسية بشكل غريب، الوقت ده كان الصراع بين سيلفاكير ومعارضيه حامي جدًا، فقام صاحب أشهر قبعة في القارة على خطوة حل كافة تشكيلات الحركة، استنادًا لخطوة فك الارتباط مع الجانب الشمالي من الحركة، الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.
قرار تسبب في موجة غضب كبيرة وقتها، والمعارضين وصفوا القرار بالخطوة الإقصائية.. وكان كلامهم أن لو كان الهدف إعادة الهيكلة فعلا يبقى سيلفاكير كمان يسيب منصبه.. لأنه بالأساس منتخب بناء من قبل الهيئات اللي تم حلها، ونجاحه كرئيس للحركة برضه كان وقت ما الحركة كانت موحدة (قبل فك الارتباط).
سيلفاكير قام بإعادة تشكيل مكاتب وهيئات الحركة وكذلك الحكومة، وهنا اسم كومبا ظهور من جديد وبقوة أكبر بكتير، حيث تولت قيادة وزارة الكهرباء والسدود كمان تم تعيينها لتسيير أعمال منصب الأمين العام للحركة “الحزب الحاكم” لحين أنعقاد المؤتمر العام للحركة، المنصب اللي بتشغله لحد دلوقتي لأن المؤتمر العام مانعقدش لحد دلوقتي.
محاصصة وكوتة:
في سبتمبر 2018 وبعد ربع مليون قتيل ونزوح ملايين المدنيين (حوالي 30% من السكان) وقعت الحكومة بقيادة سيلفاكير مع المعارضة -برعاية أثيوبية- على ما عرف باسم اتفاق قسمة السلطة، وهو حرفيًا اتفاق على تقسيم المناصب بنسب مئوية: 55% للحكومة و27% للمعارضة المسلحة (مجموعة د. رياك مشار) و10% لتحالف أحزاب المعارضة و8% لأحزاب سياسية أخرى. وتم تشكيل الحكومة بناء عن هذه المحاصصة لكن دون استكمال باقي هياكل الدولة.
في مايو الماضي أقدم سيلفاكير على حل البرلمان ومجلس الولايات، كأحد خطوات الإصلاح المتفق عليها مع المعارضة المسلحة بقيادة د. رياك مشار، على أن يتم اختيار برلمان انتقالي “بالتعيين” قائم على المحاصصة سالفة الذكر.
اتفاق السلام نص كمان على كوتة للستات في المناصب التنفيذية، بواقع 35% كحد أدنى.
خلال الشهر نفسه تم تسمية الأعضاء البالغ عددهم 550 عضو مقسمين كما يلي: (332 تعينهم الحكومة + 128 للمعارضة المسلحة + 50 تحالف سوا + 30 للباقي الأحزاب السياسية + 10 أعضاء من المعتقليين السابقين). هكذا تم تشكيل البرلمان الانتقالي، بينما مجلس الولايات لم يكتمل نصابه، رغم الاتفاق على تقسيم مقاعده العشر بواقع 6 للحكومة و3 لمقاومة المسلحة ومقعد لباقي الأحزاب.
أراء من داخل ج. السودان
شهدت الساحة الداخلية في ج. السودان أعتراضات على تدني المشاركة النسوية، ومن فبراير اللي فات أصوات كتير طالبت الحكومة بضرورة الالتزام بالكوتة المنصوص عليها في اتفاق السلام، ووصل الأمر لنقاشات موسعة بين بعض منظمات المجتمع المدني لمناقشة اللجوء للقضاء.. مع عدم استبعاد احتمالية التقاضي الأقليمي.
أدموند ياكايني، رئيس منظمة “سيبو”، منظمة غير حكومية، سبق وصرح أنه مايستبعدش لجوء منظمات من مدنية لمقاضاة أطراف إتفاق السلام أمام محكمة التحكيم الأفريقي التابعة لتجمع دول شرق القارة.
أ. مثيانق شريلو – رئيس تحرير جرنان الموقف له رأي مختلف صرح به للميزان:
(هذه الخطوة تعد انتصار لكتلة النساء داخل جناح الرئيس سيلفاكير، لما مارسوه من ضغوط ردًا على عدم ألتزام القيادة باستحقاقات النساء عند تعيين الولاة السِت “حصة الحكومة في مجلس الولايات” كلهم رجال، الأمر الذي أثار حفيظة المجتمع الدولي متمثلًا في مجموعة الترويكا).
أضاف شريلو: (لا ننسى أن الرئيس قام بتسمية “ميري أيان مجوك” لتشغل منصب نائب رئيس مجلس الولايات، ما يعد مزيد من الانتصارات للحراك النسوي بخصوص حصول النساء على نصيب من السلطة في جنوب السودان، وهي خطوة على طريق حصول المرأة على نصيبها الكامل من نسبة المشاركة السياسية في البلاد).
جيما نونو كومبا تنقذ شرط الكوتة:
بمجرد توقيع اتفاق السلام تم تشكيل الحكومة المركزية من غير باقي الأجهزة التنفيذية، اللي توالى تسمية تشكيلاتها تباعًا، فتم تعيين الحكومات الولائية المختلفة (النظام حداهم فيدرالي) كمان تم تعيين أعضاء البرلمان القومي، بس رسميًا فضل التمثيل النسوي أقل من المنصوص عليه رسميًا في الاتفاق.. ويكاد يكون منح كومبا منصب أضافي (دلوقتي تشغل 3 مناصب).
في ضوء المعطيات دي نقدر نشوف اختيار جيما نونو كومبا، الوجه النسائي الشهير في الحزب الحاكم، لرئاسة الدورة الانتقالية للبرلمان القومي. هل نصر حقيقي للمرأة في جنوب السودان؟ ولا طوق نجاة للرئيس سيلفاكير وحكومته أو على أقل تقدير حجر يسد به أحد ثغرات مرحلة حرجة بتمر بيها الدولة حديثة الاستقلال؟
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال