“حتى لا تخدعك العناوين” هل ظلمت دار الافتاء المرأة بفتوى ابن الاغتصاب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
“دار الافتاء المصرية: الطفل الناتج عن الاغتصاب يُنْسَب للأم فقط”.
بهذه الجملة كان عنوان المواقع الإخبارية للفتوى رقم 3060 من التراث الإفتائي للدار والتي أفتت بها سنة 2019، وربما الجملة في سياقها تُشْعِر قارئها بالسخط وكأن الحكم في عقاب للمرأة.
اقرأ أيضًا
“حوار” رحلة إلى عالم الأطفال مجهولي النسب (1) منسيون في الأرض ممزقون على قارعة الطريق
فتوى مبتورة وأخرى منسية
نشرت المواقع نص الفتوى التي تقول “اتفق الفقهاء على أن ولد الزنا يثبت نسبه من أمه التي ولدته؛ وذلك لأن الأمومة علاقة طَبَعِيَّة، بخلاف الأبوة فهي علاقة شرعية فلا تثبت أبوة الزاني لمن تَخَلَّق مِن ماء زناه، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ؛ فيفهم منه أن الولد ينسب للزوج الذي ولد على فراشه، وبذلك يـثبت وصف الأبوة له شرعًا.
طالع بقية الفتوى رقم 3060 التي نشرتها المواقع
ما الذي أخطأت فيه المواقع ؟
خطأ المواقع كان في الاستعانة بفتوى ابن الزنا لتطبيقها حرفيًا على الطفل الناتج عن الاغتصاب، وهناك فرق كبير بين الزنا والاغتصاب فالأخير يتم جبرًا بينما الأول يكون في حالة التراضي.
إن اتفقت الحالات الفقهية في مسألة ابن الزنا وابن الاغتصاب فهناك شيء آخر لم توضحه المواقع وهو علة أن يكون الولد ثمرة زنًا سواء باغتصاب أم بغيره سواء أقرَّ بذلك الزاني أم المغتصب، أم دلَّت على ذلك الزنا أو الاغتصاب البينةُ.
العلة أن ماء الزنا هدَرٌ، أيْ: لا قيمة له، فلا يترتب عليه ثبوت نسب الطفل إلى الزاني؛ وقول النبي “الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ” معناه الزاني لا يظفر بنسب الطفل الذي ولدته المرأة التي زنى بها وفي هذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري “وقوله وللعاهر الحجر؛ أي للزاني الخيبة والحرمان، والعَهَر بفتحتين: الزنا.. ومعنى الخَيبة هنا حِرمانه من الوَلَد الذي يَدَّعيه”.
كذلك نسيت المواقع الإخبارية مسألة البصمة الوراثية ففي تراث دار الافتاء نص بشأنها يقول ” ومن المقرر شرعًا أن الإقرار بالنسب لا يقبل الإنكار بعد ثبوته، ويمكن الاستعانة بتحليل البصمة الوراثية المعروف باسم “D. N. A” في إثبات النسب إلى الرجل إذا ادعت المرأة قيام علاقة زوجية بينهما مع عدم وجود مانع شرعي للزواج بين الرجل والمرأة، ولو لم تثبت تلك العلاقة الزوجية بينهما في ذاتها بشهود أو توثيق أو نحوهما، وهذا يتوافق مع مقصد الشرع في التشوف إلى إثبات النسب.”
معنى الابن لأمه في حالة الاغتصاب
ذكرت الفتوى رقم 3168 عام 2015 ردًا على سؤال من سفارة ماليزيا حول التعامل مع الأطفال غير الشرعيين أنه في حال ثبوت النسب من الأم فقط تكون هي المُلزَمة بإسكانه وحضانته، والحال كذلك بالنسبة للنفقة بأنواعها؛ بما في ذلك ما يلزمه من دواء وعلاج ومصروفات تعليم، وكل أوجه الرعاية التي تستلزمها تربيته وحياته.
ويجوز أن يحمل هؤلاء الأطفال أسماء عائلات أزواج أمهاتهم، أو عائلات من يكفلونهم دون أسمائهم وأسماء آبائهم؛ لأن التبني حرام، ولكن كفالة الطفل جائزة، والكفالة يتفرع منها الولاء بنسب الطفل إلى العائلة دون التبني الموهم لنسبته إلى غير أبيه.
ويصح استلحاق هؤلاء الأطفال من آبائهم المتسببين في وجودهم، وذلك بالإقرار من قِبَل هؤلاء الآباء ببنوتهم ما لم يكذبه العقل أو العادة، ولم يصرِّح المُقِرُّ بأن الولد المُقَرُّ بنسبه –ذكرًا كان أو أنثى- ولده من الزنا، وصدَّقه المُقَر له في ذلك متى كان وقتَ الإقرار من أهل التصديق بأن كان على الأقل مميزًا –وسن التمييز: سبع سنوات فأكثر- فإن لم يكن مميزًا وقتها ثبت النسب من المُقِر متى استوفيت تلك الشروط، وبهذا تُكتَسَبُ البنوة الشرعية من الأب بلا إشكال؛ وفي الميراث يحصل التوارث بينه وبين أمه وأقاربها فقط؛ لأنه ولدها يقينًا ومنسوب إليها، وهو مَحْرَمٌ لها ولسائر محارمها، ولا توارث بينه وبين من تخلق من ماء زناه وإن علمه.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال