حجاب المشاهير والطريق إلى الله بالإكسسوار
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
هذا المقال غير صادر عن دار الإفتاء وليس نقاشًا فقهيًا، حيث أعلم مدى هوس المهووسين وارتعادهم من فقدان السيطرة على الآخر خاصة لو امرأة، وليس هناك بأوضح من تذكير القارئ الشجاع بمنشور صادر عن دار الإفتاء وتصريحات عن رجال دين في مواقع سلطة يؤكدون أن المرأة غير المحجبة قد تكون عند الله أفضل من المحجبة النمامة أو المؤذية لكن العقل الجمعي في مجتمعاتنا يحتكم إلى الاكسسوار الديني شرط أن يوافق قواعده وحده دون شطط ولا اجتهاد.
أذكر حين كنت طفلة بمراحل الدراسة الابتدائية كيف كنت أواظب على الصلاة قبيل وأثناء فترة الامتحانات، كنت أشعر بكثير من الحرج داخلي كيف أقصد الله حين أريده أن يحقق أمنياتي ويخرجني من ضيق إلى سعة، وكيف أنساه في السعة وأعود فأقصده مع كل ضيق، دفعني هذا الحرج إلى الالتزام بالصلاة في الأحوال كافة، لكنني لن أنسى ما أجابتني به معلمتي حين صارحتها بما في قلبي؛ حين قالت: قصدك باب الله حين حاجة دلالة على يقينك بقدرته واعترافك بمحدودية قدرتك، ولجوئك إلى الله تحدثيه سرا وتقيمي فرضا هو صدق في الطاعة، وليس هذا إلا بالإيمان في تعريفه البسيط. يقينك بقدرة الله، وادراكك لحاجتك إليه دون غيره.
العمل لا الشعارات، الجوهر لا المظهر، الإخلاص لا النفاق
فلماذا لم تشفع لنا المظاهر، هل لأنها كذابة!
يأخذنا هوس الاختباء بالمظاهر مباشرة إلى حجاب المؤثرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تحوز قطعة قماش تغطى الشعر على اهتمام بالغ من المتابعين بينما لا يهتز هؤلاء أنفسهم أو يلتفتوا إلى مؤثرة أخرى نالت شهرة واسعة عبر صناعة وتقديم محتوى تاريخي مزيف وممتلئ بالأخطاء الفادحة البديهية، ويسهم مباشرة في تضليل الناس و خداعهم، ورغم كتابتنا مقالات تحقيقية ترد على المؤثرة الخايبة إياها بالحجة والبراهين، لم يكن ما فعلناه رادعا لها ولا لمتابعيها، بل على العكس فازت هذه المؤثرة بجائزة أفضل محتوى على الانترنت في إحدى الاستفتاءات المضللة التي لا يقف أحد أيضًا أمامها، ليأتي كل ما حدث معبرًا بقوة عن مجتمع لا يرفض الغش ويتصالح مع منتجات رديئة طالما معلبة في المظهر الذي ارتضاه ولو كان ضارًا أو مزيفًا.
عندما عانت سعاد حسني سندريلا الشاشة المرض والوحدة وأصبحت تكلفة العلاج عبئًا يحني ظهرها، تلقت اتصالات واسعة من نافذين وأمراء خارج مصر تعرض عليها توفير علاجها، فرفضت، وعندما اشتد بها الضيق لاحقتها إحدى الفنانات المعتزلات تشجعها على أداء فريضة الحج بتمويل مدفوع من آخرين، وتعللت الفنانة المعتزلة بثبوت تحريم الفن، فرفضت سعاد حسني بشدة، فلاحقتها الفنانة إلى لندن حيث سافرت سعاد حسني هربا من الضغوط فرفضت الأخيرة لقائها ثم أرسلت اليها رسالة قاطعة تقول فيها أنها لن تؤدي فريضة الله إلا بمالها وكسب يدها.
يمكنكم مراجعة كتاب مذكرات سعاد حسني بخط يدها للكاتبة الصحفية ولاء جمال.
ويمكنك أن تعود أيها القارئ إلى اعترافات الفنانات العائدات من الحجاب، المعتزلات سابقا، وتراجع ما قالوه عن المال مقابل اعتزال الفن وارتداد الحجاب، والموجة التي تبعت ذلك في سائر المجتمع المصري، وعليك أيضا مراجعة التحقيق الذي نشرناه عن توغل الوهابية في مصر وكيف كان ذلك مشروعًا سياسيًا لا دينيًا (تجدونه هــنـــا)
ثم إليك بعضا من صور مشايخ الأزهر وقادة جماعة الإخوان المسلمين “المتطرفين” مع نسائهم وبناتهن دون غطاء رأس قبل سبعينيات القرن الماضي وضع سؤالك، كيف تحول مظهرًا لم يكن فرضًا مُهِمًّا وقتها، إلى الفرض الوحيد الذي تغضب له الجماهير اليوم، وكيف تغيرت المعايير وكأنهم فجأة اكتشفوا الإسلام.
وحتى لا تظن بي السوء -رغم أنني لا أهتم بظنك- أزيد على ما سبق بسؤال آخر، لماذا يغضب المجتمع لغطاء الرأس ولا يغضبه ضيق الملابس المبالغ فيه ولا أطنان مساحيق التجميل التي تضعها النساء المحجبات أو حتى افراطهن في عمليات التجميل، وكلها مظاهر!.
غسيل الدماغ أقوى من السحر
يريد كل الناس الانتساب لأصحاب القيم ولو لم يطبقوها لعلمهم وقناعتهم بقيمتها، لذلك يكون الادعاء والنفاق، فلما ارتبطت القيم بالمظاهرأصبح ادعاءها أسهل وتمسك بها الناس أكثر وأكثر، وهذا الأمر ينسحب على كثير من المظاهر ومنها غطاء الرأس الذي اعتبروه رمزا للأخلاق وطاعة الله والقدرة على النفس التي تستحق الدعاء بالثبات.
لذلك كان مقبولا جدًا أن ترتدي مختصة بتعليم الفتيات الماكياج، حجابًا على شعرها ولا تتلقى اللوم على حصر عملها في الدعاية لمستحضرات التجميل والتكسب من الإشارة ‘لى خصومات على منتجات استهلاكية متنوعة، وهنا لا أقول أنا ما تفعله المؤثرة غير مقبول، إنما أقول إن المجتمع لم يعتبره مخالفا للحجاب طالما التزمت المرأة بقاعدة غطاء الشعر التي تضمن تطبيق معاييرالمجتمع وارضاءه.
هذا يفسر أيضًا تطاول الجمهور على مؤثرة أخرى تعني بالصحة العامة، عندما خالفت قواعدهم وعدلت عن قرارها وأزالت القماشة من فوق رأسها وكانت صادقة: لست مستعدة، لا أريد الحجاب الآن!
وبعيدا عن الهجوم السابق واجهت دكتورة نورهان قنديل خبيرة التغذية والمؤثرة، عتابا من تيار غالب من النساء يقدرن حقها في ارتداء الحجاب والعدول عنه كيفما تريد لكن شرط عدم مشاركة العامة قرارها، وعلى وجاهة العتاب وصحته، ينسى هذا التيار النسائي الغالب، أن الحجاب في مجتمعنا تقليد يخص الناس والمجتمع فهو الذي فرضه وأقره على النساء، وإلا طردهن من حظيرة رضاه، وبعد سنوات من فضح التيارات المتطرفة المنافقة التي تحججت بالدين واختارت منه ما شاءت لتحقيق مصالحها واستكثرت على الناس حرية الاختيار التي منحها الله لعباده، تشكلت كتلة ليست بالقليلة ضد كل ما يمكن اعتباره رمزًا دينيًا، لذلك تعالت أصوات مقابلة توصم كل من ترتدي الحجاب وتتهمها بالرجعية وتضعها في مرتبة اجتماعية أدنى من غيرها، وصدقا لو شاركت نورهان قنديل الناس أو لم تشاركهم فلن يتغير موقفهم منها كثيرًا، ولقد عانت فنانات كثيرات من الهجوم واللوم نفسه عندما عدلن عن قرار الحجاب دون تعليق ولنا في صابرين، هالة فاخر والفنانة شهيرة وغيرهن كثيرات خير مثال!.
لقد سرق أحدهم مقالا منذ أسابيع من كاتب آخر ونشره في أحد المواقع العريقة واحتفل بنشره متفاخرًا بأول مقالاته، فلما واجهوه بفعله المشين كذب وادعى أنه استأذن صاحب المقال فخرج الأخير ليكذبه، فما كان من أصدقاءه غير أن ساندوه رغم سرقته وكذبه حيث أن هذه الأفعال المشينة لا تتعلق بالمظهر لذلك لا تقلق المجتمع، ولما عاد واعتذر عما فعله متبجحًا لا نادمًا، شكره أصحابه على اعتذاره واعتبروه شجاعًا ولو كان خسيسًا!
لذلك يكسب الضباع حيث تختبئ الوضاعة خلف المظاهر ببراعة
بينما لا اعتذار يغير من حقيقة الجوهر لو انفضح صاحبه!
ليس للملابس وظيفة أخلاقية، ستظل هذه العبارة راسخة في قلب ووعي كل ذي عقل حر، وسلامة القلب تقتضي الصدق مع النفس لا رضا الناس، ويظل التاريخ شاهدًا على استخدام الدين لتحقيق مكاسب خاصة، ولن ننسى أبدًا الشعار السياسي الذي أطلقته جماعة الإخوان الإرهابية، “ينتهي الغلاء عندما تتحجب النساء”، ولم ينتهي، غريبة!
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة