“حرب البوظة” بدأت بالصحافة وتطورت مع جوجل والأزهر في كل فترة برأي
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الثابت تاريخيًا أن البوظة جذورها قديمة وتعود إلى العصر الفرعوني، إذ اتخذت اسم حنقت، وإن كانت تطلق على الجعة، لكنها أقرب إلى البوظة كون أنها كان يتم عملها بنفس المكونات والطريقة.[1]
حرب البوظة كيف بدأت ؟
اعتبر المؤرخين العرب أن البوظة نبيذ، وقد أوردها عبداللطيف البغدادي في تاريخه حيث قال في فصل غرائب أطعمة مصر «وشرابهم البوظة وهو نبيذ يتخذ من القمح».[2]
دائمًا ما حدث خلاف بين علماء الأزهر حول البوظة، وهو خلاف قديم، فمثلاً الشيخ شمس الدين الرملي اعتبرها نجسة وشربها حرام[3]، بينما الخطيب الشربيني اعتبرها طاهرة وأن تحريم شربها يتوقف على السُكْر.[4]
بقي ذلك الخلاف قائمًا إلى أن دخلت الصحافة طرفًا في الموضوع، عندما نشرت مجلة الدنيا المصورة سنة 1930م، تحقيقًا حول البوظة ذهبت فيه إلى أنها ليست محرمة، وأنها هناك خلطًا بينها وبين الخمر[5]، وهو الشيء الذي لم تقبل به الجمعية العامة لمنع المسكرات التي تأسست في القاهرة سنة 1905م.
بعد 5 سنوات من تقرير مجلة الدنيا المصورة، دخلت مجلة الأزهر على الخط لتندلع ما يمكن تسميته بمصطلح حرب البوظة حيث صدرت فتوى عن طريق الشيخ محمد السيد أبو شوشة المالكي والشيخ عبدالله موسى المالكي، الباحثان في كلية الشريعة، قالت أن عصير الحنطة والشعير إذا تُركِا زمنًا ثم اشتدت حموضته اشتدادًا يوجب لمتعاطيه نشوةً وطربًا فهو نجس يحرم شربه قليل كان أو كثير، لأنه صار خمرًا[6]، ثم اتخذت مجلة الأزهر موقفًا أكثر تشددًا من البوظة سنة 1962م، حيث ذكرت حيث أعلنت أن البوظة من الخمر وأن شربها محرم سواءً كان كثير أو قليل.[7]
لم تدخل الدولة طرفًا في حرب البوظة ولم يظهر منها تفاعل رسمي إزاء رأي المؤسسة الدينية من البوظة إلا بحلول عام 1974م، حيث قامت وحدة الاتحاد الاشتراكي في قرية صندفا في مدينة المحلة الكبرى، بتقديم إلى محافظة الغربية تطلب من خلالها تغيير نشاط محلات بيع البوظة، فراسلت المحافظة دار الإفتاء في زمن الشيخ محمد خاطر، لبيان الحكم فيها، فأعلن بأنها محرمة.[8]
على الناحية الأخرى وعبر الشارع فإن بائعي البوظة لم يقل وجودهم، وإن خففت المواد المصنعة لهذا المشروب، رغم أن الدولة بدأت في غلق محلات البوظة وإلغاء تراخيصها مثل الذي حدث في مدينة طنطا سنة 2000م.[9]
اقرأ أيضًا
الدعوة إلى شرب الخمر في مصر “تاريخ دمج العلم والوطنية لترويج المزاج”
بدخول القرن الحادي والعشرين وتنامي معرفة المصريين بالتكنولوجيا، ظهرت بوادر تشكيل رأي عام يرفض وجود البوظة من خلال مطبوعات الكتيبات الصغيرة، وحينها اختلف رأي المؤسسة الدينية، بين التحريم القطعي (أنها حرام في العموم) والتحريم الشرطي (الذي اشترط السُكْر)؛ وهو الشيء الذي استمر في الفترة من 2015م إلى سنة 2018م.
الموقف الأكثر مرونة من الأزهر كان في عام 2019م عندما أرسلت سفارة دولة كازاخستان في 13 مارس خطابًا إلى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر حول الرأي في البوظة، خاصةً وأن كازاخستان ستتجه لإنتاجها وتصديرها مع لحم الحصان وحليبه، فرأى أمين عام مجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد (مفتي الجمهورية لاحقًا) بأن البوظة المصنعة من الذرة ينطبق عليها القاعدة الشرعية التي تقول «الأصل في الأشياء الإباحة .. فإذا ثبت أنها مسكرة أو ضارة فإنها تُمْنَع، وبالتالي فتحديد الرأي الشرعي يتوقف على رأي الأطباء)؛ وقد حدث ذلك في جلسة مجمع البحوث الإسلامية في 21 أغسطس 2019م وصدرت الفتوى في 4 سبتمبر من العام 2019م.
[1] إسلام عبدالمعبود ودينا شعبان، البيرة.. عرفها المصريون القدماء باسم «حنقت» عام 4000 ق.م واستخدموها للعلاج، موقع جريدة الشروق، 11 مارس 2021م
[2] عبداللطيف البغدادي، الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر، ط/1، مطبعة وادي النيل، القاهرة ـ مصر، 1286هـ / 1870م، ص43.
[3] شمس الدين الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، ج1، ط/1، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1408هـ / 1984م، ص253.
[4] الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، تحقيق: علي محمد معوض – عادل أحمد عبد الموجود، ج1، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1415هـ / 1994م، ص226.
[5] مجلة الدنيا المصورة، ع86، يوم 7 أغسطس 1930م، ص12 وص19.
[6] مجلة الأزهر، مج6، ع4، ربيع الثاني 1354هـ / يوليو 1935م، ص ص246-247
[7] مجلة الأزهر، مج84، ع7، رجب 1382هـ / نوفمبر 1962م، ص566
[8] موسوعة فتاوى دار الإفتاء المصرية، نسخة الكترونية، ج7، ص202.
[9] بقرار من محافظ الغربية، إلغاء تراخيص محلات بيع البوظة في طنطا، جريدة الأهرام، ع15 أكتوبر 2000م.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال