حركة المقنعية في عهد المهدي .. قصة خطر مجنون هدد الدولة العباسية
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
انتشرت الحركات السياسية الدينية في عصر الدولة العباسية إلا أن حركة المقنعية في عهد المهدي العباسي كانت أولى بوادر ذلك الحراك خاصةً وأنها كانت حركة زندقة.
صاحب حركة المقنعية في عهد المهدي
ظهرت حركة المقنعية في عهد المهدي العباسي سنة 161 هـ في بلدة مرو بمنطة خراسان على يد شخص اسمه حكيم المقنع واكتسب ذلك الإسم لأنه كان أعورًا قبيح الوجه ينفر الناس من رؤيته.
أدرك حكيم المقنع نظرة الناس له فأراد إخفاء وجهه عنهم فصنع قناعًا من الذهب على صورة وجه إنسان وقام بتركيبه على وجهه، وكان أتباع حكيم المقنع لا يعرفون السر، ولم يخبرهم المقنع بحقيقته وإنما قال أن وجهه يشع نورًا ساطعًا يحرق من يقع عليه.
قبل أن يقم حكيم المقنع بتأسيس حركته كان يعتنق مذهب الرزامية وهم فرع من فروع حزب الشيعة الكيسانية الذي ساق الإمامة إلى محمد بن علي بن أبى طالب المعروف باسم ( ابن الحنفية )، ثم إلى ابنه هاشم، ثم إلى علي بن عبد الله بن العباس، ثم إلى ابنه محمد ثم إلى ابنه إبراهيم الإمام، ثم إلى أخيه أبي العباس أول الخلفاء العباسيين ثم انتقلت الإمامة منه إلى أبي مسلم الخراساني داعية العباسيين.
مبادئ حركة المقنعية ولماذا لقيت انتشارًا ؟
يذكر تاريخ الطبري أن حركة المقنعية نادت بنظرية تناسخ الأرواح، وادعى المقنع الألوهية ثم زعم أن الله خلق النبي آدم فتحول في صورته ثم في صورة النبي نوح، ثم إلى صورة النبي إبراهيم، النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعده صورة علي بن أبي طالب ثم انتقل في صورة أولاده، ثم إلى صورة أبو مسلم الخرساني ومن أبو مسلم إليه.
ودعا حكيم المقنع إلى تقديس أبي مسلم الخرساني فبحلول الله عليه توفرت له عوامل انتصاره على بنى أمية ونجاحه في قتل آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد، وذهب كذلك إلى أن أبا مسلم قد أصبح إلهًا بحلول روح الله فيه، وأنه حي لم يمت ومن قتله أبو جعفر المنصور لم يكن أبو مسلم وإنما شيطان اتخذه صورته، وسيعود لينتقم من أعداءه .
أراد المقنع أن يكتسب التأييد بين أتباعه فقرر إظهار معجزة وهي أنه أظهر قمرًا يطلع ويراه الناس على مسيرة شهر ثم يأفل، وقد اهتم الشعراء بقمر المقنع وزيفه فقال أبو العلاء المعري
أفق إنما البدر المقنع رأسه * ضلال وغي مثل بدر المقنع.
أما الشاعر أبو القاسم هبة بن سناء الملك فقال
إليك فما بدر المقنع طالعا * بأسحر من ألفاظ بدر المعمم
الدكتور علي حسني الخربوطلي في دراسته لعهد المهدي العباسي قال «لم تمدنا المصادر التاريخية القديمة معلومات وافية نستطيع أن نصل بها الى حقيقة هذه الخدعة التى لجأ إليها المقنع، ولكننا نعتقد أنه لجأ إلى وسائل علمية وزعم أنها معجرة من معجزاته، وكان قد سبقه في زمن سالف له رجل ادعى النبوة في بلاد ما وراء النهر فى ناحية كش، تسميه كتب التاريخ الممخرق وتسمى أتباعه الممخرقين وادعى أنه يطلع بدرًا في السماء، فحفر بئرًا واسعة فى بعض جبال تلك الناحية، فطرح فيها الزئبق الكثير فوق الماء، فكان شعاعه يظهر فى الجو كأنه البدر، ومن المرج أن المقنع لجأ إلى مثل هذه الحيلة».
عامل مهم ساهم في ازدهار حركة المقنعية فقد كانت المجوسية لا تزال لها رواسب في أعماق بعض أهالي الأطراف الشرقية من الدولة العباسية، كون أنها دين متوارث عن الآباء والأجداد، بالتالي لقيت دعوة المفنع الزائفة هوى في نفوس أتباعه وقبولاً منهم، فاتتشرت آراؤه ومبادئه في بخارى وسمرقند ومنطقة بحر قزوين.
المواجهة مع المهدي العباسي
اشتهر عن المهدي العباسي أنه لا يرحم مظاهر الزندقة وهو ما ينص عليه كافة المؤرخين وشهود عهده فمثلاً بن طباطبا يقول «كان المهدي شهمًا فطنًا كريمًا شديدًا على أهل الإلحاد والزندقة لا تأخذه في إهلاكهم لومة لائم»، فقرر أن يهاجم المقنعية.
اقرأ أيضًا
المرأة في عصر الدولة العباسية “جانب آخر غير الحضور السياسي”
أدرك حكيم المقنع أن الحرب وشيكة فالتجأ إلى قلعة حصينة في منطقة كش وجمع فيها كمية وفيرة من الطعام حتى يتمكن من تحمل الحصار الطويل الذي يضرب القلعة، وأمر المهدى واليه في خراسان معاذ بن مسلم أن يقضي على دعوة المقنع، فقاد جيشًا يزيد عدد جنده على سبعين ألف مقاتل، وانضم إليه قادة بارزين في الدولة العباسية أبرزهم عقبة بن مسلم وجبرائيل بن يحيى وليث مولى المهدي.
حاصر الجيش العباسي القلعة طويلاً ورغم توافر التموين في القلعة إلا أن كثيرًا من أنصار المقنع ضاقوا حالاً بالحصار الطويل وخرجوا من القلعة يسلمون أنفسهم إلى قائد المهدي وبقي المقنع في عدد قليل من أنصاره.
ورأى المهدي العباسي أن يوجه ضربة حاسمةً للمقنع فبعث بجيش كبير يقوده سعيد الحرشي الذى حاصر قلعة كش طويلاً، وبدأ الطعام ينفد من القلعة ليقرر العباسيين ضربها بالمنجنيق.
أدرك المقنع أن نهايته قد اقتربت، وبدلاً من أن يقع في أيدي العباسيين فيقتلوه ويصلبوه، رأى أن تكون نهايته على يديه فأشعل النيران في القلعة وأحرق كل ما فيها من دواب وثياب ومتاع، وأذاب النحاس في تنور وجمع نساءه وأولاده وطلب من أصحابه أن يلقوا بأنفسهم في النار ليرتفعوا إلى السماء وأبى أتباعه أن يستجيبوا إلى طلبه، إما لحبهم الحياة أو لاكتشافهم كذبه واحتياله.
رفض المقنع أن يموت وحده وأصر على أن يشاركه أتباعه مصيره فأعد سرًا شرابًا مسمومًا، وطلب من أتباعه أن يشربوا منه، وقال لهم: أنا صاعد إلى السماء، فمن أراد أن يصحبني فليشرب من هذا الشراب، ولم يفطن أتباعه إلى حقيقة ذلك الشراب المسموم فشربوا منه وماتوا، وألقى المقنع بجثثهم وبجثث نسائه وأطفاله في النيران ثم ألقى بجسده في النار وأحرق نفسه.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال