في ذكر سيرة معركة شقحب “ما هي كذبة بن تيمية عن لقاء محمود غازان”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تختفي حقيقة قصة بن تيمية والتتار مع سيرة معركة شقحب التي جرت وقائعها في رمضان من عام 702 هجري الموافق 1303 في قرية التي تبعد عن دمشق بـ 37 كم.
ما هي قصة معركة شقحب .. الحقائق الغائبة
وقعت معركة شقحب بعد 44 عامًا من انتصار عين جالوت، وقبل وقوع المعركة كان الخليفة المستكفي بالله العباسي مقيمًا في القاهرة زمن الناصر محمد بن قلاوون، وقرر التتار تجديد الحرب ضد الدولة المملوكية في مصر.
هناك 4 حقائق تاريخية هامة مجهولة عن معركة شقحب أولها أنها الأخطر عسكريًا لأن الصليبيين كانوا حلفاء للتتار (دولة الايلخانة) ، ثانيها أن المعركة لم تكن كحرب عين جالوت من حيث الدين، وإنما الطرفين كانوا مسلمين حيث أن غازان صاحب دولة الإيلخانة لم يكن كأسلافه من التتار كديانة وإنما كان مسلمًا شيعيًا، فهو أسلم سنة 695 هجري بينما معركة شقحب وقعت بعد إسلامه بـ 7 سنوات، وثالث تلك المعلومات أن غازان لم يهاجم الدولة المملوكية في شقحب فقط بل خاض وهو مسلم 3 حملات ضدها، أما رابع الحقائق أن غازان لم يحضر الحرب وإنما نائبه قتلغ شاه، وعلى ذلك فإن الحرب أصلاً كانت سياسية في المقام الأول بعيدةً كل البعد عن الدين.
اقرأ أيضًا
ابن تيمية في مسلسل الاختيار “الرد على التفكيريين الأجهل من الذين أظهرهم باهر دويدار”
غرض معركة شقحب الرئيسي كان فرض التشيع المغولي وبسط نفوذ دولة الإيلخانة بمنطقة السنة التي تخضع للدولة المملوكية، وظلت المناوشات بين الطرفين بدءًا من عام 699 هجري حتى 702 هجري نجح فيها غازان في السيطرة على دمشق وأغلب بلاد الشام إلى أن لقي هزيمة منكرة في شقحب لم يحضرها بنفسه فقد اتجه إلى الشام، واستولى على بلدة عانة القريبة من شاطئ الفرات ثم رجع إلى تبريز الفارسية وترك بدلاً منه قتلغ شاه، الذي التقى قوات المماليك التي يقودها الناصر محمد.
بن تيمية .. الحقيقة والأسطورة وهل التقى غازان ؟
أزمة التاريخ في معركة شقحب أنه تم بالطريقة السلفية الجهادية، إذ أنهم تناولوا شخصية بن تيمية على أساس أنه قائد لواء العلماء الذي شجع الناس بالدين والإفتاء من أجل الحرب، واعتبروا هذا نقطة فارقة في تاريخ الإسلام، وهذا قمة الخطأ والدليل على ذلك وجود نماذج أخرى غير بن تيمية ومن قبله حتى قاموا بنفس التصرف وعلى رأسهم العز بن عبدالسلام.
لكن السؤال .. هل حقًا قام بن تيمية بلقاء محمود غازان من أجل الوساطة للأسرى التابعين للدولة المملوكية وغيرهم من غير المسلمين «اليهود والمسيحيين» ؟.
للإجابة على هذا السؤال يجب إعمال العقل والنقل حتى نصل للإجابة، وبالتالي فإن حقيقة قصة بن تيمية والتتار ولقاءه مع محمود غازان لن يتم كشفها إلا بالرجوع إلى الكتب وإعمال العقل أيضًا.
بدايةً لا يوجد مصدر لقصة بن تيمية والتتار سوى اثنين هما بن تيمية شخصيًا وقد حكاها عن نفسه، ثم الإمام الذهبي الذي عاصر الأحداث والواقعة وقام بتكذيب بن تيمية، أما الحكاية الطويلة العريضة التي رواها المؤرخ بن كثير فهذه فيها نظر لأن بن كثير لم يعاصر الواقعة حيث ولد بعدها بعامين.
عقليًا لا يمكن تصديق القصة المشهورة التي وقعت بين بن تيمية ومحمود غازان فالأخير كان شيعيًا، وبالتالي لا يمكن أن يقبل وساطة رجل قام بتكفير الشيعة، كذلك فإن محمود غازان لم يكن سنيًا وهذه مسألة تطرق لها الباحث سامح عسكر حيث قال «من يقول أن غازان كان سنيًا أو أسلم على يد إمام سني فهو أسلم على يد الشيخ إبراهيم بن المؤيد ابن حمّويه الجويني المذكور في طبقات الشيعة وأعيانهم لـ محسن الأمين العاملي وهو تلميذ الإمام نصير الدين الطوسي أحد أشهر علماء الإمامية.
بالأدلة النقلية فإن بن تيمية كاذب بالنسبة للإمام الذهبي خاصةً وأن الذهبي من عشاق بن تيمية، لكنه شهد واقعة الوساطة وعاصر بن تيمية ونص على أن غازان أمر بالعفو عن الأسرى قبل قدوم أي وفد ديني أو دبلوماسي، وروى التفاصيل في كتابه «العِبَر في خبر من غبر» حيث قال «فاجتمع أكابر البلد وساروا إلى خدمة غازان، فرأى لهم ذلك وفرح بهم وقال: نحن قد بعثنا الفرمان بالأمان قبل أن تأتوا، ثم انتشرت جيوش التتار طولًا وعرضًا وذهب للناس من الأهل والمال والمواشي ما لا يحصى، وحمى الله دمشق من النهب والسبي والقتل ولله الحمد» وطبقًا لهذه الرواية فإن غازان أمر بالعفو عن الأسرى قبل قدوم وفود أكابر البلد أصلاً.
ما ذكره الذهبي الذي نفى حضور ابن تيمية مجلس الوساطة اتفق معه أيضًا المؤرخ عفيف الدين اليافعي الذي عاصر الأحداث ودونها في الجزء الرابع من كتابه «مرآة الجنان»
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال