همتك نعدل الكفة
328   مشاهدة  

حكاية آية (11) .. فتح مكة (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ)

حكاية آية
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



بعد أن نقض رجال قريش صلح الحديبية، وتأكد الرسول أن فرقة من قبيلة بني كرم هاجمت على وفد من قبيلة خزاعة فقتلت منهم 24 رجلاً من خزاعة. وعلم أيضاً أن عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن أُمية طاردوا رجال خزاعة حتى وصلوا إلى مكة.. فلم يشفع لهم اللجوء إلى الحرم..

فاجتمع بأصحابه وراح يشاورهم حتي اتفقوا على فتح مكة. ولكن الرسول كان يرغب بشدة في أن تكون الغزوة شديدة السرية.. لذلك أخرج سارية بقيادة قدادة بن ربيعة وأمرها أن تتجه ناحية الشمال كنوع من تضليل العدو.

ثم تحرك النبي مع أتباعه من المهاجرين والأنصار بالإضافة إلى انضمام القبائل المحيطة التي استجابت لدعوة النبي محمد بحضور رمضان في المدينة.  ليصل عددهم إلى 10 ألف مسلم، بينهم 284 فرس يخرجون خلف النبي محمد دون أن يعرفون إلى أي أرض يقصد..

هنا، لا بد لنا من الإشارة إلى واقعة حاطب بن أبي بلتعة، وهو صحابي جليل شهد غزوة أحد، وغزوة بدر، وقد قال النبي عنه “حاطب رضي الله عنك”.

غير أن حاطب كتب خطاب يحذر فيه قريش ويخبرهم بأن النبي محمد قادم بجنود الإسلام لدخول مكة. وأرسل خطابه مع سارة، وهي مطربة وغانية اشهرت إسلامها وعاشت بالمدينة فترة ثم ارتدت.. وهي واحدة من الذين باح النبي دمهم بمكة.. وهو ما سنعرفه فيما بعد.

المهم أن سارة أخذت الجواب، وضفرته بين خُصل شعرها وانطلقت نحو مكة متخذة طرق ملتوية تجنبها الصدام بـ جيش المسلمين، ولكن، الله أوحي إلى النبي ليبلغه بشأن سارة وجوابها.. فأمر النبي الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب بأن ينطلقان خلف سارة ويحضران الخطاب.

وبالفعل عند آبار علي استوقفاها: “أين الخطاب؟”.

فقالت سارة مستنكرة: “ما معي خطاب”.

فقال الزبير: “الخطاب وإلا كشفنا الثياب”.. أي ما يعادل التفتيش الذاتي..

فقدمت لهما الخطاب، واعترفت أن حاطب هو من كتبه… فأحضر النبي حاطب وسأله: “أنت كتبت الخطاب؟”.

فرد حاطب: “نعم”.

فساءل النبي متعجباً: “لمَ؟”.

قال حاطب: “أحببت أن يكون عندي لهم يد”.

فثار عمر بن الخطاب: “لقد نافق النفاق الأكبر.. دعني أضرب عنقه يا رسول الله.. ملكني منه فقد كفر”.

فقال الحاطب مدافعاً عن نفسه: “ما فعلت كفراً.. ولا أرضي بالكفر بعد الإسلام”.

فـ صفح عنه النبي، وسامحه! يقول الطبري: ما صفح عنه إلا لما أطلعه الله على حسن نيته.

ثم واصل النبي المسير بجيشه دون أن يعرفوا إلى أين ذاهبون..  وكانوا يتساءلون: “أين وجهتنا يا رسول الله؟”.

فيجيب النبي: “حين يشاء الله”.

وكان الرسول قد خرج بهم على غير تعبئة حتى وصل بهم إلى منطقة قديد ديار بني الملتصق، . فوقف بهم وبدأ في توزيع الرايات، وتقسيم الجيش إلى 34 كتيبة وخمس فرق، ثم صاح في قومه: “من أراد أن يصوم فليصم، ومن أراد أن يفطر فليفطر”.

نحن الآن ما بين العاشرة والعشرين من رمضان بالسنة الهجرية الثامنة.

وبقي الرسول على صيامه حتى وصل بهم إلى زهران، وكان الوقت بين الظهر والعصر، فصاح بهم: “‘إنكم مصبحون عدوكم والفطر أقوي لكم”.

وشرب من المياه أمام الجميع ثم  انطلق نحو مكة حتى اقترب منها، وعلى بُعد عدة كيلو مترات وقف بجيشه وطلب من كل مسلم أن يشعل شعلة أمامه.. ولك أن تتخيل المشهد المهيب، في قلب الصحراء وعلى مقربة من أسوار مكة 10 آلاف شعلة وسط عتمة الخلاء..

هنا اقترح ابن العباس – وكان قد خرج بتلك الليلة مع أهله للذهاب إلى المدينة ليعلن إسلامه. فإذ به يجد النبي محمد وجيش المسلمين بالطريق، فطلب من زوجاته أن يذهبن إلى المدينة، بينما هو بقي مع الجيش حتى أقاموا بالقرب من مكة –  فعرض على النبي أن يأخذ ناقة الرسول ويذهب بها إلى قريش يبلغهم أن رسول الله قادم بجيش لا يقاوم.

ونالت الفكرة استحسان النبي الذي وجد فيها تدعيماً لخطته التي تعتمد في أساسها على تحطيم معنويات العدو. فسمح له بذلك..

على الجانب الآخر.. كانت قريش تتابع مشهد النيران المشتعلة بذهول.. هل هذا حقاً جيش المسلمين؟ أم أنها خديعة ومكيدة؟.

وتشاورا فيما بينهم حتي خرجوا برأي جامع.. يذهب أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد.. ويذهبا إلى النبي محمد ويستطلعا الجيش على أرض الواقع، فإذا وجدا الجيش قوي وعظيم كما يبدو بالفعل فيعرضا الصلح على النبي محمد حقناً للدماء. إما إذ كانت خدعة وكان الجيش ضعيف ويمكن مقاومته فليخبرا محمد بأن قريش لن تستسلم وستقاوم.

وفعلاً.. خرج أبو سفيان برفقة حكيم واتجها إلى زهران.. في الطريق صادفهما ابن العباس وهو على ناقة الرسول، فإذ به يهتف في أبي سفيان: “أبا حنظلة”. المقصود بحنظلة عنها ابن سفيان الذي قُتل في بدر.

فقال أبو سفيان: “أبا فضل.. لبيك.. فداك أبي وأمي.. ما وراءك؟”.

فقال ابن عباس: “هذا محمد ورائي في 10 ألف مسلم”.

وخاف أبو سفيان كما يجب: “فماذا تأمرني؟”. أعمل إيه.

فقال ابن عباس: “اركب خلفي على ناقة رسول الله. فو الله لو ظفر بك لضرب عنقك”.. وهذا طبيعي فـ هو أبو سفيان الذي ساهم في قتال محمد منذ بداية الدعوة حتى اليوم..

ومر ابن عباس بناقة الرسول بين صفوف الجيش المتعجبة من زيارة أبي سفيان زعيم الكُفر ورأس الحربة لقريش. فلما رآه عمر بن الخطاب صاح برسول الله: “هذا أبو سفيان.. الحمد لله الذي أملكني منه من غير عهد أو أمان”. يقصد بذلك نقض قريش لصلح الحديبية.

فـ صاح ابن العباس مستغيثاً: “يا رسول الله إني قد أجرته”.

فرد النبي: “اذهب به يا عباس وآتني به في الغد”.

كان الإشارة واضحة، في تلك الليلة التي قضاها أبو سفيان في جيش الإسلام كفيلة بأن تزيل أي شك عن عظمة الجيش، وراح يتابعهم عند الفجر أثناء الوضوء ثم أثناء صلاة الفجر، وبعد الفجر قدم الجيش عرض عسكري منظم أمام الرسول والقادة، وبالطبع بينهم أبي سفيان المذهول من عظمة الحدث.. كل كتيبة شملت قبيلة ما، تمر من أمام النبي ثم تقف خلف قائدها وتهتف: “الله أكبر.. الله أكبر”..

وهكذا حتى تقدم سعد بن عبادة وكان يحمل الراية عالياً وهو يصيح: “يا أبا سفيان.. اليوم يوم الملحمة.. يوم تستحل الكعبة.. اليوم تُذل قريش”.

إقرأ أيضا
سكك حديد سيناء

مقولة سعد بن عبادة ذكرتني بغزوة أحد حين انهزم الصحابة، وأُصيب النبي حتى كاد أن يُقتل ثم احتموا في شقوق الجبل وعتمة الليل، حينها وقف أبو سفيان منادياً: “يوم بيوم بدر”. وهكذا الدنيا!

ولكن، النبي غضب بشدة من قول بن عبادة فأخذ رايته وسلمها لابن سعد قيس بن عبادة، وعزل سعد، وقال النبي: “اليوم يوم المرحمة.. اليوم يوم يعظم الله الكعبة.. اليوم أعز الله قريش”..

ثم جاء بأبي سفيان ليعرض عليه الإسلام.. فقال له النبي: “ويحك يا أبا سفيان.. ألم يئن لك أن تعلم أنه لا إله الله؟”.

فقال أبو سفيان: “بأبي أنت وأمي.. ما أوصلك وما أحلمك وما أكرمك.. والله لقد ظننت أن إله مع الله فـ ما أغني عني شيئاً”..

فرد الرسول: “ويحك يا أبا سفيان.. إنني رسول الله”.

فقال أبو سفيان: “أما هذه فـ في نفسي شئ”.. بمعني آخر مش قادر أبلعها.

فوكزه ابن العباس وصاح به: “ويحك يا أبا سفيان.. أسلم قبل أن يضرب عنقك”.

واشهر إسلامه لتبدأ بعدها المفاوضات حول الحرب والغزوة لتثمر على الآتي: حقن دماء أهل مكة والحفاظ على ممتلكاتهم/ عدم إبداء أي مقاومة/ استخدام السلاح عند المقاومة/ فرض حظر التجوال..

فتدخل العباس: “يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فأجعل له شيئاً”.. بمعني أوضح أديله ميزة خصوصاً بعد الاستسلام المهين دا.. نتذكر بعد نقض صلح الحديبية حين عاد لزوجته هند بنت عتبة فقالت له: “قبحت من رسول قوم”.

قال النبي لأبي سفيان: “يا أبا سليمان.. من دخل دارك فـ هو آمن”.

فقال أبو سفيان: “وما تسع داري؟!”.. مكة كلها مش هتيجي تستخبي عندي!

فقال النبي: “ومن دخل المسجد فـ هو آمن”.

فتساءل أبو سفيان: “وما يسع المسجد؟!”.

فقال النبي: “ومن أغلق عليه بابه فـ هو آمن”.

فقال أبو سفيان بارتياح: “هذه واسعة”.. دي تمام كل واحد يقعد في بيته..

وبذلك تكون قد تحققت الرؤيا التي رآها النبي من سنتين وكان على أثرها صلح الحديبية والوعد من السماء بالفتح المبين.. والليلة، ليلة الفتح، حيث يذكره الله بوعده  (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً). 

الكاتب

  • حكاية آية عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان