همتك نعدل الكفة
1٬242   مشاهدة  

حكاية الأحواف في مسلسل رسالة الإمام “قُتِلُوا لاحقًا مع المسيحيين بثورة البشمور”

الأحواف في مسلسل رسالة الإمام
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تكرر كثيرًا اسم الأحواف في مسلسل رسالة الإمام الشافعي بعدما ظهروا كطرف هام ورئيسي في المشاهد التي بها شق سياسي وتاريخي صرف بعيدًا عن المشاهد الفكرية والدينية التي ظهرت بالمسلسل، وكان الاعتقاد أنهم اسم قبيلة، لكن تاريخيًا هم أحد مكونات المجتمع المصري في ظل الحكم العباسي كجغرافيا وأناس.

الأحواف .. قبائل أم بلاد مصرية ؟

حدود مدينة الفسطاط - رسالة الإمام
حدود مدينة الفسطاط – رسالة الإمام

كلمة الأحواف مشتقة من كلمة الحوف ومعناها باللغة العربية الناحية أو الجانب، ومقصود بها سكان الدلتا المصرية، سواءًا كان المصريين الخالصين أو العربان الذين استوطنوا في تلك البلاد.

كانت مصر زمن العباسيين بها نوعين من الحوف، الحوف الشرقي وهو الذي يشمل الآن محافظتي القليوبية والشرقية ثم الجانب الشرقي منهما ابتداءًا من مراكز السنبلاوين وأجا وميت غمر في الدقهلية، بينما الحوف الغربي يشمل بلاد كفر الزيات ودسوق وفوه وجميع مدن محافظة الغربية وصولاً إلى محافظة البحيرة.[1]

سكان الأحواف من غير المصريين كانوا قبائل عربية، ومنذ دخول الإسلام مصر حتى منتصف الدولة الأموية كانت أكثرية القبائل التي استوطنت مصر من المسلمين إما من قبائل قحطان أو من قبائل عدنان من بطون مُضَر وربيعة؛ ثم نشأت صراعات قبيلة بين قبائل قيس وقبائل كلب اليمنية ألقى بظلاله على مصر.

أرادت الدولة الأموية نقل بعض قبائل قيس المضرية إلى مصر فسكنوا في الحوف الشرقي، ثم جاء عبيد الله بن الحبحاب والي أفريقية في عصر هشام بن عبدالملك بن مروان واقترح على الخليفة نقل قبائل أخرى من قيس إلى مصر والتي كان يتولاها الوليد بن رفاعة.

كانت موافقة هشام مشروطة وهي أن يهاجر 3 آلاف رجل من قيس إلى مصر دون أن يسكنوا في الفسطاط، فاستوطنوا في الحوف الشرقي واتخذوا من بلبيس قاعدةً لهم وكان تشكيلهم 200 بيت من بني نضر وبني سليم، ولاحقًا عملوا في تجارة الخيول فصاروا أثرياءًا وكان ثراؤهم بمصر فاتح شهية لأبناء عمومتهم في شبه الجزيرة العربية فصار هناك 1500 بيت من قيس، ليزيدوا إلى 3 آلاف بيت في نهاية الدولة الأموية.

ما بين الأحواف والعباسيين قبل زمن مسلسل رسالة الإمام

YouTube player

يظهر الأحواف في مسلسل رسالة الإمام بدايةً من سنة 814م / 198هـ، ويظهر جليًا الخلاف بينهم وبين العباسيين بمشهد لقاء صهيب وعبدالله بن العباس بن موسى ابن الوالي ثم قتل شكلب

YouTube player

تاريخيًا فإن جذور الخلاف بين الأحواف والعباسيين يعود إلى سنة  794م / 178هـ عندما قرر إسحاق بن سليمان بن علي العباسي زيادة الضرائب في مصر وضج أهلها بها، وطال عربان الأحواف نصيب من تلك الزيادة فقرروا الثورة على واليها.

رسم تخيِليِ لِلخليفة العبَّاسي هارون الرشيد بريشة جبران خليل جبران
رسم تخيِليِ لِلخليفة العبَّاسي هارون الرشيد بريشة جبران خليل جبران

نجح الأحواف في الخروج على إسحاق بن سليمان والذي فشل في إخماد ثورتهم ليبعث إلى هارون الرشيد ويطلب منه الدعم فأرسل له جيشًا بقيادة هَرْثَمَةَ بْنَ أَعْيَنَ فنجح في إخماد ثورتهم وبعدها ضم هارون الرشيد لهَرْثَمَةَ حكم مصر مع فلسطين وبقي حاكمًا لها مدة شهر ثم يتولى بعده عبدالملك بن صالح.[2]

تجدد الأزمة مرة أخرى بين الأحواف والعباسيين في أغسطس 802م / شعبان 186هـ عندما أرسل الليث بن الفضل البيودي والي مصر العباسي رجالاً لقياس الأراضي الزراعية المختلفة في مصر، فاتهم عربان الحوف الشرقي بالتضليل وأنهم لم يقيسوا الأرض بحق، فاشتكوا للبيودي والذي لم يستجب لهم، فقرروا الثورة عليه واندلعت المعركة في 14 سبتمبر 802م / 12 رمضان 186هـ، ورغم أن الأحواف سحقوا جيش البيودي لكنه تمكن من هزيمتهم في قرية غيتة ببلبيس ونحر 80 رجلٍ منهم وطاف برؤوسهم في مصر.[3]

لم تؤدي هزيمة الأحواف في قرية غيتة في بلبيس إلى إنهاء رفضهم للضرائب العباسية، فكرروا الرفض لكن الليث والي مصر آثر أن يذهب إلى بغداد طالبًا دعمًا عسكريًا من هارون الرشيد، وذلك في فبراير 803م / محرم 187هـ، لولا أن محفوظ بن سليم أحد المقربين من هارون الرشيد طلب أن يذهب بنفسه إلى مصر وسيجعل الأحواف ينفذون كل ما عليهم بدون سفك دم، وقد استطاع إقناعهم فتولى حكم مصر.

مجيء الإمام الشافعي للفسطاط - مسلسل رسالة الإمام
مجيء الإمام الشافعي للفسطاط – مسلسل رسالة الإمام

ومع مجيء الإمام الشافعي بقيت العلاقات بين الأحواف والعباسيين كعلاقة الأصدقاء الذين كان بينهم عداوة وكل يتحسس سلاحه.

البشامرة .. طرف قديم جديد بمعادلة الأحواف والعباسيين في مصر

عملة ذهبية في عصر المأمون
عملة ذهبية في عصر المأمون

بالتزامن مع ميلاد الأحواف في العصر الأموي كان هناك جنين ثورة قد تشكل في رحم مصر وهي ثورة مسيحيين البشمور[4]، والذين ثاروا ضد الأمويين في عهد آخر حكامهم وهو مروان بن محمد عام 746م / 128هـ بقيادة مينا بن بكير؛ لكن ثورتهم الشهيرة كانت في زمن المأمون بن هارون الرشيد العباسي.

كانت دوافع ثورة البشموريين هو فساد الجُبَاة الذي يجمعون الضرائب والخراج والجزية، وقد دخلت الدولة العباسية في أزمة مالية طاحنة، وفتنٍ سياسية بين العلويين وبني العباس، وقد جعل هذا كله من مصر موردًا أساسيًا للجباية فكانت وطأة ذلك على المسيحيين شديدة، خاصةً وأن من يتولى الخراج اثنين من أشرس رجال العباسيين وهما أحمد بن الأسبط وإبراهيم بن تميم.[5]

رَسم تَخَيُلي للخَليفة العبَّاسي أبو العبَّاس عبد الله بن هَارون، المُلقَّب بِالمأمون.
رَسم تَخَيُلي للخَليفة العبَّاسي أبو العبَّاس عبد الله بن هَارون، المُلقَّب بِالمأمون.

لم يكن المسيحيين في البشمور هم وحدهم تحت مطرقة الضرائب، وإنما كان من ضمنهم الأحواف العرب، والذين اتفقوا على فساد النظام الاقتصادي في الجباية لولاة المأمون، ليقرروا الرفض القاطع لذلك النظام والثورة على العباسيين

أراد المأمون سحق تلك الثورة بالعنف لكن لابد من مبرر شرعي فاستفتى الحارث بن مسكين المالكي المذهب والذي كان قاضيًا للقضاة في مصر وأفتاه بقوله الذي أورده اليعقوبي في تاريخه[6] «إن كانوا قد خرجوا لظلم نالهم فلا تحل دماؤهم ولا أموالهم»، لكن المأمون رفض كلامه وقال «أنت تيس ومالك أتيس منك، إن كانوا قد ظُلِمُوا فليشكوا للإمام وليس لهم أن يستنصروا بـ ……. [7] ولا يسفكوا دماء المسلمين في ديارهم».

إقرأ أيضا
رأس السنة في مصر 2000م

من ذلك الرد يمكن استخلاص رأي المأمون في المسألة، فهو في الأساس وقبل أن يتحرى رآهم قتلوا المسلمين في مصر، فضلاً عن أن طريقتهم ينبغي أن تكون بالشكوى لا بالثورة.

تتبنى بعض المرجعيات الإسلامية نظرية تقول مفادها «أن الخليفة المأمون فَضَّل السِلْم على القتل في حل ثورة المسيحيين في البشمور بدليل أنه إرسال بطريرك أنطاكية ديونيسيوس وكذا البابا يوساب بابا الكنيسة القبطية، لكن المسيحيين في البشمور رفضوا ذلك فقرر المأمون قتلهم».[8]

لكن تلك النظرية مردود عليه من كلامها، فحل المشكلة تتمثل في تخفيض القيمة المالية المفروضة على المسيحيين في البشمور وكذلك المسلمين من الأحواف، لكن المأمون قبل أي شيء وتنفيذ أي شيء لحل المشكلة اشترط تهجير البشموريين من بلادهم، وبالتالي هم رفضوا، فكان الحل اجتثثاهم ثم حل مشكلة من تبقى على قيد الحياة منهم بعد أن يشتتهم في الإسكندرية والصعيد والبلاد الأخرى؛ وهو ما حدث فعلاً.

كانت إجراءات المأمون بالغة القسوة، فقد قُتِل في تلك الثورة من المسيحيين في البشمور والأحواف مالا يقل عن 50 ألف نسمة ثم أحرق مساكنهم بعد نهبها وتخريبها مع بعض الكنائس، واقتيد الأسرى إلى سجون بغداد ومات منهم 3 آلاف في الطريق، ومن سُجِن بقي في سجنه حتى موت المأمون، ولما أخرجهم المعتصم خيرهم بين الذهاب إلى مصر أو البقاء في العراق فرجع بعضهم إلى مصر وبعض آخر أقام في بغداد وأخذ اسم البشروديين، فيما استوطن آخرين في منطقة الأهوار جنوب العراق.


[1] محمد رمزي، القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945م، ج1، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الإسكندرية، 1994م، ص51-52.
[2] بن كثير، البداية والنهاية، تحقيق:- علي شيري، ج10، ط/1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408هـ / 1988م، ص184.
[3] بن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج2، ط/1، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1349هـ / 1930م، ص114.
[4] منطقة أراضي زراعية تقوم اليوم بين فرع دمياط وبين البحر الصغير في الدقهلية، وتحديدًا بين قرية محلة أنشاق وقرية السرو في مركز فارسكور، وفي المسافة الواقعة على البحر الصغير بين قرية القباب الكبرى وقرية برمبال القديمة في دكرنس.
انظر :-
• ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج1، ط/1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1399هـ / 1979م، ص428.

ويقال أنها تجاور دمسيس ومنوف وسخا ونقيرة وديصا، ويحددها أبو الفداء في كتاب تقويم البلدان، بين دمياط ورشيد (نيل أشموم طناح)، وتقع الأراضي البشمورية من الساحل الغربي للفرع الدمياطي وحتى مدينة البرلس.
   انظر :-
  • هند مختار وطوني المصري، ثورة البشامرة ضد الفتوحات العربية… والمسكوت عنه في التاريخ المصري، موقع رصيف 22، 17 يوليو 2017م.
[5] وسيم عبود عطية، ثورة البشمور عام 216هـ / 831م، مجلة الكلية الإسلامية، الجامعة الإسلامية، مجلد 16، عدد 17، يونيو 2012م، ص354.
[6] أحمد بن أبي يعقوب العباسي، تاريخ اليعقوبي، ج1، ط/5، دار صادر للطباعة، بيروت، 1415هـ / 1995م، ص466.
[7] الـ (…….) جملة مفقودة من تاريخ اليعقوبي
[8] حسام محمود المتولي المحلاوي، فكر التصدي للحركات الثورية والنصرانية عند العباسيين والأمويين البشموريون في مصر 216هـ-831م والاستشهاديون في الأندلس، 235هـ-850م: دراسة مقارنة، مجلة كلية الآداب، جامعة الفيوم، مجلد 13، عدد 1، يناير 2021م،  ص537-540.

الكاتب

  • الأحواف في مسلسل رسالة الإمام وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان