حكاية المفهماتي.. الفتوة الذي كان يتحدث بلسان أبطال السينما الصامتة
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
هل فكرت من قبل كيف كان المشاهدين يفهمون أفلام السينما الصامتة؟ وكيف يتأثرون بالمشاعر المختلفة التي يحاول ممثلين الأفلام الصامتة نقلها لهم من خلال تعبيرات وجوههم دون الحديث؟ وإذا فكرت في طريقة فهم المشاهدين للأفلام المصرية الصامتة رغم وجود كلمات تكتب بين كل مشهد ومشهد آخر توضح الأحداث، فبالتأكيد الأمر كان أكثر صعوبة في حالة العروض السينمائية للأفلام العالمية، ولكن مع وجود مهنة المفهماتي لم يكن الأمر بنفس الدرجة من الصعوبة.
من هو مفهماتي السينما الصامتة
مع بداية عروض السينماتوجراف في مصر، لم يقتصر الأمر على عرض العدد المحدود من الأفلام التي كانت تنتجها السينما المصرية في ذلك الوقت، بل أيضًا كان يتم عرض أفلام عالمية في أماكن العروض السينمائية، ولم تكن دور العرض السينمائي بنفس التصميم المتعارف عليه الآن، ولكنها كانت أماكن مفتوحة توضع بها شاشة عرض تشبه شاشة البروجيكتور التي نعرفها اليوم يصطف أمامها المشاهدين.
ومنذ بداية ظهور السينما، كان يتهافت الأشخاص من كل طبقات المجتمع المصري على مشاهدة عروض الأفلام، وكانوا يتفاعلون مع هذا الاختراع العجيب بشكل فطري وبسيط، ففي بعض الأحيان يقومون بسب الشخص الشرير في الأفلام وفي أحيان أخرى يتطور الأمر مع البعض ويصل إلى تدمير أماكن العروض السينمائية بسبب أحداث الأفلام.
ولذلك كان لابد من وجود شخص يقوم بدور المترجم للمتفرجين، وأيضًا يسيطر على مشاعرهم تجاه أبطال الفيلم، ولذلك يكون المفهماتي واحد من فتوات الأماكن التي تقام فيها العروض السينمائية، يقف بجانب شاشة العرض ممسك بعصى خشبية طويلة، ويبدأ يشرح للمشاهدين أحداث الفيلم.
ومن الطريف أن المفهماتي كان يقوم بحرق أحداث الفيلم في الكثير من الأحيان فقط لتفادي حدوث كوارث بسبب تفاعل المشاهدين مع أبطال الفيلم، وقد ذكر الكاتب محمود علي في كتابه “فجر السينما المصرية” حوار لأحد أشهر المفهماتية- الذين سوف نتحدث عنهم في الفقرة القادمة- وهو يشرع فيلم أجنبي للمشاهدين “أهو ده الحارس اللي عايز يخطف البنت الحلوة، شايفين إزاي أهو جاي يخلصها، وأهو الواد السجيع طالع جري علشان يحميها، وأهو الحرامي وصل وهجم عليها علشان يخطفها، لكن الواد السجيع وصل”.
أشهر “مفهماتية” الأفلام في تاريخ السينما المصرية
عرفت العروض السينمائية في مصر مع بداية ظهورها أسماء مفهماتية كانوا هم الأشهر بالنسبة للشارع المصري، وأبرزهم (خليل الملواني، أبو شقة، أبو دومة) ولم تكن هذه المهنة تطلب من أصحابها اجادة القراءة والكتابة، فهم كانوا يعتمدون على بنينهم الجسدي الضخم وأصواتهم الجهورة حتى يستطيع المشاهدين يرونهم بوضوح بجوار شاشة العرض ويستمعون إلى أصواتهم بوضوح، وفي مقبل شرح الفيلم والحفاظ على سلامة دور العرض كان المفهماتي يحصل على مبلغ 15 قرشًا عن حفلة العرض الواحدة، وتقديرًا لدورهم، كانت تكتب أسمائهم على إعلانات الأفلام.
ولم تكن مصر هي الدولة الوحيدة التي عرفت مهنة (المفهماتي)، فالعراق أيضًا كانت من أوائل الدول العربية التي عرفت العروض السينمائية، وبالتبعية نقلنا لهم مهنة المفهماتي.
ومع تطور العروض السينمائية وظهور الأفلام المصرية الناطقة، اقتصرت هذه المهنة فقط في عروض الأفلام الأجنبية حيث كان يقوم المفهماتي بدور أشبه بالمترجم لشرح أحداث الفيلم، واستمرت هذه المهنة في الاختفاء تدريجيًا حتى ظهرت الأفلام المترجمة.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال