حلو التغيير … عمرو دياب … أغنية لا تحمل أي تغيير.
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أدمن عمرو دياب الجري في المكان، يضيع وقتًا ومجهودًا في جلسات عمل فنية ليخرج لنا في كل مرة بأغنية لا تحمل أي شئ جديد سوى في غلافها فقط، نفس الخلطة من كلمات يظن أنها رومانسية تتغزل و تتحرش بالمحبوب بشكل مبالغ فيه ولحن بسيط بتقطيعات سريعة وتوزيع موسيقي يعتمد على الإيقاعات الصاخبة التي تغطي على ضعف العناصر الأخرى.
بعد أن فرغ من ألبومه السابق “يا أنا يا لاء” أعلنها عمرو دياب صراحة لبعض فريق العمل به، أن الفترة القادمة لن يركز سوى على الأغنيات الإيقاعية الخفيفة، وهو ما فعله في آخر ثلاث أغنيات أصدرها في موسمه الصيفي “الدنيا بترقص” و“أتقل وراضي” و”أحلى ونص”، وهي كشأن الأغاني الصيفية لا تعلق كثيرُا في ذاكرة الجمهور تختفي بانتهاء فصل الصيف.
تلك الأغاني اعتبرها البعض استراحة فنية من الأغاني الدرامية الثقيلة وتناسب أكثر اجواء الصيف المرحة، لكن لم يقف احد ليقل لعمرو دياب أنه دخل في استراحة فنية منذ فترة ليست بالقليلة، وبرغم امتلاكه القدرة على تغيير جلده وتحريك المياة الراكدة في فنه وصناعة أعمال قوية تدخل تاريخه الفني، متسلحًا بنجومية ضخمة وتلهف أغلب الصناع على العمل معه، مشفوع كل ذلك بجمهور ضخم يبلع لك الزلط ويتغاضى عن الضعف الواضح في أعماله الأخيرة بل وشديد الاستماتة في الدفاع عنه، إلا أنه يضرب بكل هذا عرض الحائط فعلى نفس منوال التراكات السابقة؛ جاءت أغنيته الجديدة التي لا تحمل أي تغيير سوى في عنوانها فقط “حلو التغيير” وكأنه يخرج لسانه للجميع، أن التغيير خيار جيد لكن عفوًا لن تجد أي تغيير.
الكلمات:
ستظل العلاقة بين عمرو دياب والشاعر تامر حسين غير مفهومة حتى يحدث خلاف بينهما، حتى الآن لا يوجد تفسير منطقي لإصرار دياب على الاستعانة بأشعار تامر حسين –إن جاز لنا تسمية ما يكتبه بأشعار- سوى أنه مطيع ويسير خلف تعليماته ورؤيته بأعين مغمضة حيث لا يتنافش ولا يتجادل معه، وفي كل مرة يخرج علينا بنفس الفكرة ونفس المفردات التي يعيد نحتها في كل الأغاني، ولن تلمح أي تناول جديد حتى لفكرة قديمة مثلما يفعل “بهاء الدين محمد” أو حتى طزاجة وحلاوة إيفيهات “أيمن بهجت قمر” ومع ذلك يظل الاختيار الأول للهضبة، والتاريخ فقط هو من سيحكم في أكثر من 50 أغنية كتبها له ولم يعلق منها في الذاكرة سوى أغنيات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
كلمات حلو التغيير تناولها تامر حسين بنفس أغنيات الصيف حيث الفتاة التي لا يوجد منه اثنان، في تناول سطحى لمفهوم الغزل الرومانسي، ولا يفوت تامر حسين الفرصة لإثبات ضعفه حتى في صياغة الأفكار السهلة التي لا تتطلب مجهودًا ضخمًا في الكتابة، ويفتح مجالًا للسخرية والتندر والألش على مفرداته، حيث حاول اللعب على إيفيه “حلو التغيير” لكنه لا يعتبر إيفيهًا من الأساس، وإمعانًا في سذاجة صياغته كتب هذا السطر “حلو اوى فى التصوير” الذي لا يحمل أي معنى سوى أنه يتوافق مع قافية “حلو التغيير”، ثم الجملة الغريبة جدًا ” بصراحة لازم تتباس” والتي لا تقل في هبوطها و اسفافها عما نسمعه في أغاني المهرجانات.
اللحن:
يعيش الملحن “عزيز الشافعي” صيفًا ساخنًا بنشاط فني ضخم وصل لأكثر من 20 أغنية موقعة عليها اسمه، وبرغم الإشادة التي ينالها في بعض ألحانه، إلا أن كثرة الطلب عليه جعل أغلب ألحانه الصيفية تتسم والاستسهال في الجمل اللحنية المقتبسة من أعمال سابقة له فأصبح من السهل اكتشاف ألحانه، وبرغم أنه يمتلك القدرة على التقاط جمل لحنية تعلق في الأذن بسهولة، وبرغم حالة الزخم الفني التي يعيشها لكن الاعتماد على الكم وحده لن يجني منه سوى زيادة رصيده البنكي ونجاح وقتي لتلك الأغاني يجعلها تنسى سريعًا.
لحن “حلو التغيير” على مقام الكرد مكون من فكرتين بالعدد، واحدة في المقدمة والأخرى في السينو الذي يتكرر في المذهب اليتيم للأغنية، أجاد في اختيار الجملة الأولى التي افتتح بها الأغنية “حلو التغيير .. لا أجمل بكتير” حيث تخطف المستمع من أول وهلة، لكن بقية اللحن مجرد تيم لحنية مرصوصة بقفلات ضعيفة وغير متماسكة خصوصًا في جزء السينو.
التوزيع:
يأتي توزيع توما بنفس أسلوبه التقليدي بالاعتماد على إيقاع المقسوم الصاخب وهو يتناسب مع تقطيعات الجمل اللحنية التي وضعها الشافعي، مع حلياته المعتادة من خط باص جيتار قوي وكوردات من الإلكتريك جيتار، وحسن اختيار للأصوات في الفاصل الموسيقي، ورغم سهولة توزيعاته وتكرارها وخلوها من زخم في الهارموني إلا أنه يظل أفضل من يقدم هذا الشكل الموسيقي حاليًا، لكن يظل ارتباطه بالمقسوم مرهونًا برواجه هذه الفترة في سوق الغناء الذي يغير جلده بين حين والأخر ورواج المقسوم هذه الأيام ليس إلا محاكاة ما يحدث في موسيقى المهرجانات ولكن بطريقة أشيك وبأصوات أفضل.
اقرأ أيضًا
هاني عادل وفرقة وسط البلد “نفسي أحبك” عن أحلامنا البسيطة الممكنة.
لا يوجد تفسير منطقي لما يفعله عمرو دياب الأن سوى أن صناعة الموسيقى نفسها لم تعد ضمن اهتماماته، وأنه يقدم أعمال جديدة ليس لإشباع رغبته في الغناء وإرضاء جمهوره ولكن لارتباطه بعقود إعلانية ضخمة تحتم عليه العمل، وأن الفنان المتمرد الذي كان يحرك سوق الغناء لسنوات طويلة اختفى، وحل مكانه فنان آخر يظهر كل فترة ليعلن للجميع ألا ينتظروا أي جديد وأن ظهوره لا يعني شئ سوى إثبات حضور في سوق الغناء، حتى لو كان حضورًا بطعم الغياب، عمرو أصبح مثل الترزي الماهر الذي فقد الشغف بالمهنة ولم يعد يكترث بمواكبة تغييرات الموضة، فقرر أن يصنع قميصًا واحدًا سرعان ما يقوم بتفكيكه ليعيد ترقيعه من جديد وهو يعلم أنه نفس القميص بنفس التصميم ونفس الألوان، في إصرار غريب ومستفز على استغفال الزبون، لكن إلى متى سيظل الزبون يشتري نفس البضاعة ويتحمل سخافات البائع؟ وإلى متى سيظل يحرج نقاده الملاكي بعد أن قاربوا على استنفاذ كل الحجج ولعبوا كل الحيل لإقناع الجمهور تارة بأن أن ملك التغيير والتجديد لازال جالسًا على عرشه.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال