حماة المقابر الجدد حول العالم
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
كشف لنا فيروس كورونا المستجد عن كوارث إنسانية غير مسبوقة، وأنهى الأسطورة التي عاشها العالم على مدار عقود ماضية من الزمان والتي كانت تدعي بأن هناك من يسمون بمواطني العالم الأول ومواطني العالم الثالث، فلقد ساوى كوفيد-19 بين كل المجتمعات، بل صارت تتنافس على أيهم أكثر همجية.
فمع انتشار الفيروس، تحول المرض إلى وصمة عار والمريض إلى منبوذ، والطبيب الذي نصفق له نهارًا نتعامل معه كأحد مرضى الجزام ليلًا، ومع زيادة أعداد ضحايا الفيروس من وفيات، صار المشهد أكثر عبثية، فهؤلاء الذين يتهمونا بضعف الإيمان ويطالبون ليلًا ونهارًا بإعادة فتح دور العبادة ويبكون على صور الأماكن المقدسة وهي خالية من أصحابها ويخرجون في تجمعات ليلًا ونهارًا مؤمنين بان الفيروس لا يمكن ان يصيب مؤمن، هم أنفسهم من يتجبرون على جثث الموتى معترضين على دفنها.
مظاهرات شبرا البهو
ورغم المشهد المخزي لأهل قرية شبرا البهو الذين رفضوا دفن الطبيبة ضحية فيروس كورونا، إلا أن هذه الطبيبة لم تكن حالة الوفاة الأولى التي يرفض دفنها أهل قريتها “المؤمنون” الذين لا يحدثون الناس إلا عن الموت وحرمته.
اقرأ أيضًا
كيف وقع أهالي شبرا البهو في الحرام والعار “علماء يطرحون آليات لمواجهة الجهل”
ففي أواخر شهر فبراير الماضي انتشر مقطع فيديو لاحد المستوصفات في بلدة توحيد في مدينة بندر عباس تجمع حولها مئات الأشخاص وأضرموا بها النيران لوجود مصابين لفيروس كورونا بغرفها، ولا أعرف كيف وصل الجنون والإجرام عند اشخاص إلى حد إضرام النيران في أحياء لمجرد إصابتهم بوباء عالمي، وبعد هذا الحدث البشع تشعر وكان شعوب العالم بدأت في مارثون تخيلي لمن سيتفوق على الباقون في الدنو الإنساني والوحشية، ولكن شهر إبريل يمكن أن نلقبه بالشهر الأكثر وحشية على الإطلاق منذ ظهور فيروس كورونا المستجد.
مظاهرات ضد دفن الموتى
لم يكن حادث قرية (شبرا البهو) هو الأول لأشخاص المفترض أنهم كاملين الاهلية يحتشدون لمنع دفن احد ضحايا فيروس كورونا المستجد في مدافن عائلته، للأسف الحدث تكرر مع اكثر من ضحية في أماكن مختلفة، مثل تونس فقد تكرر هذا الفعل المشين في ولاية بنزرت وايضًا بلدية مجاز الباب، حيث رفض سكان هاتين المدينتين دفن أشخاص توفوا بسبب إصابتهم بفيروس كورونا خوفاً من نقل العدوى للسكان الذين يعيشون بالقرب من المدافن، وتجمهر الرافضون في تظاهرات رافضة لمراسم الدفن –وكأن الفيروس لا ينتقل بين الأحياء- ورغم اعتذار رئيس البلدية لأهل المتوفي ودفنه، إلا ان المشهد مؤلم وهو بمثابة خطيئة لا ينفع بعدها طلب الغفران، وللأسف بعد مصر وتونس تكرر نفس المشهد ولكن مع مزيد من العبث.
اقرأ أيضًا
تكبير الإسكندرية بين التغير المجتمعي ورأي الطب النفسي
يكاد يكون خبر منع دفن مغربي توفى مصاب بفيروس كورونا في إسبانيا هو الأكثر عبثية رغم اللامنطقية الفعلية التي نعيشها منذ بداية ظهور فيروس كورونا المستجد، بدأت القصة عندما توفى أحد أبناء الجالية المغاربية في مدينة ملقا الإسبانية بعد إصابته بفيروس كورونا، وعندما توجهت عائلته إلى مدافن المسلمين في المدينة رفض المسؤولون السعوديين عن المقابر دفن الضحية، رغم أن قطعة الأرض التي شيدت فوقها المقبرة كان قد وهبها رجل مغربي يحمل الجنسية الإسبانية ليشيد عليها مدافن لموتى المسلمين.
بسبب وجود قطعة الأرض قرب مسجد يشرف عليه سعوديون، ارتأت البلدية إلحاقها بالمسجد، وبعد رفض دفن المتوفي في مدافن المسلمين، تبرع أحد أصدقاء العائلة المغربية بدفن الضحية في مدافن عائلته المسيحية وبالفعل تم دفنه.
قد تكون الاحداث التي ذكرت هنا مجرد نسبة بسيطة من الأفعال الوحشية التي يقوم بها البشر منذ ظهور فيروس كورونا المستجد حتى الأن، إلا أننا يجب علينا إعادة التفكير مرة أخرى في الوضع البائس الذي أصبحنا نعيش فيه، فالأشخاص الذين ثاروا في وجه الدولة بسبب غلق دور العبادة هم أنفسهم من يمثلون بحرمة الأموات، وكل ما أتمناه اليوم على المستوى الشخصي هو أن يكون ما حدث بكل بشاعته هو المستوى الأخير لشر البشر ولا تكون هناك مستويات أكثر وحشية نشاهدها في المستقبل.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال