همتك نعدل الكفة
449   مشاهدة  

حول بيرم التونسي وأحمد رامي..قصة كوكب الشرق أم كلثوم (26)

بيرم التونسي


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة السادسة والعشرين من قصة كوكب الشرق أم كلثوم، وفيها نتحدث عن علاقة أم كلثوم بالشعر والشعراء، نتكلم قليلا حول الجانب الثقافي لأم كلثوم، أم كلثوم الشخصية الكاملة دون قصر النظر على تلك الموهبة الغنائية الجبارة.

أم كلثوم بين البلاغة والأدب والشعر: ” أم كلثوم تنقل جمهورها من الإسفاف إلى الفن الحقيقي”:

لعل من أهم مراحل حياة أم كلثوم التأسيسية، مرحلة الريف الأولى التي التحقت فيها بالكتاب فتعلمت القرآن الكريم واطلعت على الكتب الأدبية، بما عد بناء لشخصيتها المختلفة التي برزت في السنوات التي تلت مجيئها للقاهرة، والتي لاحظها نخبة أهل الغناء والسمع في القاهرة، وهو أمر كانت أم كلثوم تعيه جيدا وتحدثت عنه في كثير من لقاءاتها ومقابلاتها، لذلك حين سألت أم كلثوم عما تحب أن يكتب عنها قالت: إن أهم ما يمكن أن يكتب عني بعد موتي أنني نقلت الجمهور من الإسفاف الغنائي الذي كان يعيشه بين أغاني ارخي الستارة اللي في ريحنا إلى مستوى إن حالي في هواها عجب والصب تفضحه عيونه ورباعيات الخيام، وقد كان إصراري على خوض هذه المعركة أنني وأنا وافدة على القاهرة من ريف المنصورة، غنيت مرة للجمهور سبحان من أرسله رحمة لكل من يسمع، فصفر الجمهور وراح يطلب هات القزازة واقعد لاعبني، وليلتها لم أغضب من الجمهور، لأنه اعتاد على سماع هذا النوع من الفن، وبدأت أفكر في أن أعوده على أشياء أخرى.

لم تستسلم أم كلثوم لرغبات الجمهور غير المستندة إلى ثقافة أو ذوق كغيرها من المطربين الذين ماتوا واندثرت أسمائهم فلا غنوا ما أرادوا ولا عاش ما أراده منهم الجمهور، بل أصرت أن تغير هي الواقع، فارتفعت بذوق الجمهور إلى مكانة تليق بها وبموهبتها وبقيمة الكلمات التي كتبت لها.

وعن رحلتها مع الشعر والأدب تقول أم كلثوم:

كنت قد بدأت رحلتي مع الشعر والأدب وأنا في طماي الزهايرة، فقد وقع في يدي في تلك الفترة كتاب النظرات والعبرات للمرحوم مصطفى لطفي المنفلوطي، فتلقيت عباراته، وكنت قد تذوقت قبله آيات القرآن الكريم والذي حفظته قبل أن أبلغ العاشرة من عمري، وإليه أعزو الفضل في أنني تعلمت مخارج الألفاظ وفهم المعنى، بل إن تلاوة القرآن الكريم هي ما جعلتني أتعلق بالغناء وأتعلم كيف يتموج الصوت وكيف أصعد به على طبقات.

أما الشعر فإن الذي نقلني إلى حبه كان الشاعر أحمد رامي، وقد تحدثنا في الحلقات السابقة عن لقاء أحمد رامي بأم كلثوم بعد عودته من باريس وكيف حيته أم كلثوم بقصيدة الصب تفضحه عيونه التي غنتها من كلماته قبل أن تلقاه، وتحكي أم كلثوم عما حدث بعد هذا اللقاء فتقول: قلت لرامي أن الجمهور يجب أن ينتقل من الأغاني المسفة التي يسمعها إلى القصائد والشعر العظيم على مراحل، فقال رامي: ولكني أعددت لك قصيدة: إن حالي في هواها عجب، وقلت بعد أن قرأت كلماتها: تبدو كلماتها سهله، سوف أغنيها، ولكني أفضل أن تستعمل في كلمات الأغاني ما هو سهل ومتداول، ما يمكن أن يفهمه الناس دون عناء، أريد خطوة أبعد وأوسع، أريد لغة مثل لغة الصحف يفهمها الجميع، فلا هي إسفاف ولا هي ألغاز.

وبالفعل كان ما أرادته أم كلثوم، بدأ رامي في كتابة أغانيه العامية السهلة التي فهمها الجمهور مثل إنتي فاكراني ولا ناسياني وإن كنت أسامح وانسى الأسية وغيرها، بعدها انتقل من مرحلة الطقاطيق إلى الأغاني الطويلة مثل غلبت أصالح وسهران لوحدي وهلت ليالي القمر وياللي كان يشجيك انيني وجددت حبك ليه وغيرها، ومن خلال ما قدمه غير رامي من الشعراء مثل بيرم التونسي استطاعت أم كلثوم أن تغير ثقافة الجمهور وبالفعل نقلته وفق إرادتها من مرحلة الإسفاف إلى مرحلة الفن المحترم المسموع، الفن الحقيقي.

 

إقرأ أيضًا..
حكاية البهية نعمات أحمد فؤاد.. رفعت قضية على السادات ورفضت دفن النفايات الذرية في مصر

أم كلثوم تتحدث عن فضل رامي عليها:

لم تنس أم كلثوم أبدا فضل من علمها أو أضاف إليها، أيا كانت تلك الإضافة لذلك قالت في حق أحمد رامي:
يبقى لرامي فضل آخر وهو أنه جعلني أتعلق بالشعر، فقد كان يعمل في دار الكتب، وكان يحضر لي دواوين الشعر لأقرأها، أقرأ بصوت عال فأسمع موسيقى الشعر وأناقشه في المعاني، فيضيف إلى ما فهمته، وأحس أنني أغوص إلى أعماق جديدة في بحور الشعر، وعلى يديه قرأت الأغاني في أحد عشر جزءا، وقرأت كليلة ودمنة، وقرأت لكل الشعراء القدامى، حتى تمنيت يوما أن أكون شاعرة، وأحس رامي بهذا فكان يقول لي: لا عليك أن تكوني شاعرة، إن تذوق الشعر وحده موهبة، ولعل هذا التذوق هو الذي أعانني بعد ذلك على أن أختار من قصيدة بها مائتا بيت ثلاثين بيتا أغنيها، فلا يحس المستمع أنني قفزت من بيت لآخر، فتركت عشرة أبيات أو عشرين بيتا، بل لعل هذه الرحلة مع الشعر هي التي مكنتني من أن أضع كلمة مكان كلمة أخرى في قصائد كثيرة فلا يحتج أصحابها لأنهم لم يحسوا أنني قصمت ظهر بيت أو غيرت المعنى.

 

أحمد رامي
أحمد رامي

 

أم كلثوم تتحدث عن بيرم التونسي:

وعن بيرم التونسي تقول أم كلثوم: فضلا عن شاعرية بيرم، فقد كان دودة كتب كما يقولون ” كناية عن كثرة قراءاته وثقافته”، كان يقرأ في كل اتجاه، وعن كل شيء، لم يدع موطنا إلا وقرأ فيه وعنه، والحقيقة أنني استفدت كثيرا من جلساتي معه، لأنه موسوعة، وكانت له طباعه التي تدل على الكبرياء والأنفة، وكنت أعرفه من أول كلمة يقولها إذا تحدث بالتليفون، وكانت عادته أن يقول كل طلباته في بضع كلمات ثم ينهي المكالمة قبل أن أجيب بكلمة، فقد كان يقول دائما أن التليفون اخترعوه لقضاء الحاجة، وقضاء الحاجة لا يحتاج لأكثر من دقيقة كلام، وكنت أدعوه إلى بيتي لأسمعه وهو يتحدث عن البخلاء ويروي نوادرهم ويقول الشعر الذي يهجوهم، ولكنه إذا انتهى من حديثه سكت، فلا يتكلم إلا إذا دفعته للكلام دفعا، كان الذين لا يعرفون بيرم التونسي يتصورون أنه فظا، مع أنه رقيق الحاشية، مرة طلب مني أن أوصله إلى بيته بسيارتي، فقلت يوصلك السواق، فقال بصراحة: بل وأنت معي، حتى تراك القهوة التي أجلس عليها والحارة التي أسكن فيها، وكنت أردد دائما فكاهاته، فلما أقيمت لي إحدى حفلات التكريم وقف يقول: يا باسطة كل الناس و فاضحاني.

 

بيرم التونسي
بيرم التونسي

وبالنظر إلى ما كان عليه الوسط كله في ذلك الوقت، أقف متعجبا مما وصلنا إليه، هكذا كان حال أم كلثوم وحال شعرائها الذين يكتبون لها وللناس، لم تكن أم كلثوم مجرد مؤدية لما يملى عليها من كلمات وأشعار، بل كانت شخصية أدبية وفنية من العيار الثقيل، ولا عجب فأدوات صناعة الفنان في ذلك الوقت وبالتحديدة في الدائرة التي أحاطت بأم كلثوم كانت أدوات حقيقية في كل موطن من مواطن الفن، شاعر حقيقي وملحن حقيقي ومطرب حقيقي، أضلاع ثلاث لمثلت لم يكن لينتج فنا بعظمة ما قدمته أم كلثوم إلا إذا بلغ من الكمال مبلغا يليق بهذا الاسم.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نتحدث في الحلقة القادمة عن علاقة أم كلثوم بأمير الشعراء أحمد شوقي بك.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان