خارجون على الإبداع .. تفاصيل معركة أدبية بين توفيق الحكيم وشعراء التفعيلة
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كان الأديب والمفكر الكبير توفيق الحكيم صاحب قلم حاد، قادر على الدخول في معارك أدبية ضارية، أبرزها معركته مع عميد الأدب العربي طه حسين .. حتى إن أحد ألقابه الشهيرة استُقَت من فكرة العداء، وهو اللقب “عدو المرأة” .. وأما عن تلك المعركة فكانت معركة تخص الشعر العربي، حيث دارت معركة بينه وبين ما أسموا بـ”شعراء التفعيلة”، وفي ذلك كتب أحمد سويلم في جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم 16 نوفمبر 1998 .. واصفًا ما حدث بالضبط من أحداث المعركة.
يعترف توفيق الحكيم في (سجن العمر) أنه لم يتجه في شبابه إلى الشعر للتعبير عن عواطفه .. لأن شيطان الفن عنده كان قد ارتدى ثوب التمثيلية قبل أن يفلت إلى ثوب القصيدة الشعرية .. ولمّا حل فيها كمن واستقر ولم يعد يفكر في الخروج إلى غيرها من أثواب وأشكال! .. وبالرغم من هذا الاعتراف، فإن الحكيم ظل يطارد شيطان الشعر .. وظل شيطان الشعر يطارده بين الحين والآخر، ويبدو أن مفهوم الشعر لدى الحكيم كان يعني ذلك التعبير الآتي من عمق الشعور لهذا وجدناه يبدع بعض أعماله بأسلوب شاعري يماثل أسلوب جبران أو صادق الرافعي أو المازني في عفويته وطلاقته .. وفي كتابه (أشعار توفيق الحكيم) يكشف لنا ابراهيم عبد العزيز عن ملامح هذا الجانب الخفي من شخصية توفيق الحكيم المبدعة .. ويسوق لنا تلك المعركة التي دارت بينه وبين شعراء التفعيلة.
وكانت تلك المعركة في عام 1985 و 1986 والتي بدأها “الحكيم” باتهامهم بأنهم خارجون على الإبداع العربي الأصيل، منتمون إلى (إليوت) وشعراء الغرب .. ويؤكد له شعراء التفعيلة عكس ذلك تمامًا، فقد تربوا على أصالة وتقاليد الشعر العربي وانطلقوا من ذلك إلى التجديد المحسوب المنطلق في ساحة التعبير .. وحينما اقتنع الحكيم بعد قراءة أشعار فاروق شوشة وأبي سنّة، وكتب رسالته قائلًا : لقد أحسن بعض زعماء الشعر الحر البارز اليوم بإرسال بعض نماذج من شعرهم الحر لأنظر فيه وأحكم بناءً عليه .. وعندما سمعت شاهد إثباتهم وأطّلعت على نماذج من شعرهم وضحت أمامي القضية .. بل خرجت منها بالنقطة الفاصلة : ما هو لب الجوهر في الشعر الحر؟ ووجدته فيما يمكن أن أصفه بكلمة (عرق الذهب).
ولولا أن الحكيم يرى للشعر مكانته بين الفنون ما أجهد نفسه ودخل هذه المعركة التي خرج منها أكثر حبًا للشعر والشعراء .. أما مفاجأة ابراهيم عبد العزيز فهي الديوان المجهول للحكيم المنشور باللغة الفرنسية في واحد وعشرين نصًا عربيًا مترجمًا في (رحلة الربيع والخريف) وعشرة نصوص بالفرنسية .. إلى جانب قصيدة طويلة بعنوان (مجنون الأميرة الفرعونية) أطلق عليها الحكيم (شعر منثور قديم) مؤرخًا إياه بسنة 1926، وقد قصد الحكيم أن يجعل طبعة الديوان الفرنسي (خاصة ومحدودة تمامًالا وكلية للأصدقاء) وربما فعل ذلك الحكيم حتى لا يثير عليه أصحاب الأقلام .. في معركة وجدل تصرفه عن إبداعه المتميز .. غير أن ابراهيم عبد العزيز قد استعان بالزميلة نرمين البحر، والأستاذة نشوى الأزهري في ترجمة هذه النصوص ثم تحملت د. كاميليا صبحي للمسئولية الكاملة لهذا الإنجاز .. وهي ترجمة شاعرية إلى حد كبير.. أودعها الحكيم تجارب سنوات عمره والتأكيد على قيم الإنسانية كالحب والعدالة والسلام والخير والحرية والإيمان.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال