خروج البيوت إلى الشوارع! “ما يجاوز شاكوش وطليقته إلى مجتمع بأكمله”
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
فيما مضى كان الناس هم الذين يخرجون من البيوت إلى الشوارع، أعني أن الشيء الطبيعي هو الذي كان يحدث، هكذا إلى أن فوجئ الخلق بأن البيوت نفسها بدأت تخرج إلى الشوارع حتى تعودت على الخروج فلم تستطع أن تعود لوضعها الأول: سكانها يخرجون وهي تنتظر!
كان خروج البيوت، في أوله، هادئا بمعنى ما، فلم تكن تخرج كلها، بعضها كان يخرج مما لا يحدث خروجه مشكلات ولا صدمات، لكنها، بالتدريج، صارت تخرج خروجا صاخبا، بل برزت مصارينها في الشوارع، وطالع الناس صورتها واكتنهوا أعماقها، وجرت بينهم وبين إخوتهم مشكلات بسببها، مشكلات جرتهم إليها خلافات حول ما أصبح مكشوفا بالفعل، وجرت صدمات عنيفة فردية وجماعية، لأن ما شاهدوه وما بلغته عقولهم وأيديهم كان فوق التصور، كان أسرارا مما يجب أن تظل أسرارا، تخطى بعضها حد الكلام عن ما يدور على أسرة الأزواج في غرف النوم المغلقة!
ناس عاديون خرجت بيوتهم، بخوافيها، إلى الشوارع؛ فأوقعت الآخرين في ذهول شديد: كيف أفلتت بيوتهم من أيديهم؟! لماذا سمحوا للستر أن يفارقهم؟! هل هم أيقاظ أعمتهم الغفلة أم رقود فلابد أن ينبههم منبه؟!..
المهم ما كان كان، وحين خرجت بيوت المشاهير بالذات كان الذهول أشد؛ فالعيون متربصة بهم أصلا، ودائما هم محل اهتمام البشر ومحل سياحات أخيلتهم..
قالت البيوت كل شيء محزن أو معيب: خلافات أفرادها اللانهائية، تنازعهم على المواريث، أمراضهم المزمنة والمعدية، عاداتهم السيئة، طباعهم الذميمة، فشلهم وإحباطهم وترديهم، غيرتهم المرة وأحقادهم الرهيبة، فساد كبارهم وصغارهم، جفاء أقربائهم وأصدقائهم، أقذار معارفهم وجيرانهم،..
لم يقل بيت من البيوت التي أدمنت التسكع في ظلمة الخارج إنه بخير، ولو قالها لحمدنا الله معه وما تكلمنا مهما شعرنا بألمه الخفي، ولم يقل بيت حاله المؤسف بالجملة وسكت، ولكنه فصل الأمور تفصيلا مهينا، وقد كانت التفاصيل تخصه ولا تخص العالم؛ فبإلقائها من صدره إلى الأرض صارت تخصه وتخص العالم، وربما تخص العالم أكثر مما تخصه!
لم يعد الوطن الذي نعيش فيه هو الوطن الذي نعرفه، جرى الاغتراب النفسي المؤلم، هجرتنا أخلاقه وتقاليده الموروثة الطيبة، أو هجرناها، والخلاصة تغير المجتمع الوديع تغيرا شاملا؛ ففقد جملة طويلة من وقاره وسكينته، فقد جملة طويلة من الحرص على بقاء أشربته في مواعينها، وفقد جملة طويلة من الاتزان والرزانة وصيانة الأقوال والأفعال، والسعي في الإصلاح لا الإمعان في تأجيج النار المشتعلة اللاهبة..
من غلبتهم بيوتهم فلوت أذرعهم ومضت إلى الخارج تفرغ أجوافها فيه؛ خانهم تقديرهم الخاطئ وضعفهم المتهم فليسوا بأبرياء مهما بينوا حججا، ولو كانوا أذكياء وأقوياء، أو حتى تحلوا في مواجهة ظروفهم القاسية بالذكاء والقوة إلى أن تنجلي الحقائق، ما فضحتهم البيوت، وما صاروا علكة تلوكها الألسنة، ولا سيرة قبيحة مغتابة، ولا شيئا من هذا القبيل المؤسف..
ومن تلقفوا فضائح سواهم بالتسلية والسرور هم كالمفضوحين أنفسهم، لا رجاء فيهم، وما كان عليهم إلا أن يخيطوا الجراح قبل أن يتسع النزيف المهلك، وما كان عليهم إلا أن يضعوا أنفسهم في أماكن الذين فاحت روائحهم الكريهة؛ فيغلقوا الأبواب التي يأتي منها الأذى والضرر والخراب.
نحن في كارثة جديدة متفاقمة، وتابعوا كلكم حكاية شاكوش وطليقته ريم، تابعوها ساخرين أو لا مبالين، وعاملوها بأي وجه تحبون أن تعاملوها به، ومن أية زاوية، لكن تأملوا أبعادها بشيء من الأناة والحكمة، وابكوا البكاء الذي يطهرهما ويطهركم، ابكوه بلا تردد، ابكوه فورا بكل صدق وندم!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد