دانا أبو شمسية .. والصيف لما أتى ولّع من نيراني
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
“ضرب الخناجر ولا حُكم الندل فيّا” .. كان هذا القرار الفلسطيني الذي لم يحيد عنه أبناء شط الزيتون، أن تموت وتموت وتموت لكنك لا تنحني تحت راية العَلَم قمئ المنظر، وقبيح الصورة، ذو الخطين الزُرق تتوسطهما النجمة .. أن تبتلع بإرادتك شظف العيش ومرار الأيام في سبيل ألا تقول للأعور: عينيك جميلتين، أن تلتقط ذراعك المبتورة وتضرب عدوّك لا مفرُّ، وكان بلا رجوع، سنقاوم حتى ننتهي أو نسترد أراضينا، سنقاوم حتى لو لم يتبقى سوى شجرة ضاربة بجذورها في الأرض، شامخة تقذف بثمارها على رؤوس عناصر دولة الاحتلال الصهيوني التي تقف عائق بين العالم وبين الإنسانية.
من بين كل اللذين قرروا أن ضرب الخناجر ولا حكم الندل، الإعلامية الفلسطينية ومراسلة قناة “القاهرة الإخبارية” دانا أبو شمسية، وسيكون من الكليشية البارد أن أذكر لك كيف أن الإعلاميات الفلسطينيات بمثابة أبطال خارقات، يقفن أمام فوهات الدبّابات بالميكروفون والكاميرا، أو نتحدث في نقطة أعمق في الكليشية ونذكر كم أن للكلمة ثمن غالِ يدفعونه من أرواحهم وراحتهم لنقل الصورة والحقيقة وكل هذا الكلام العظيم الذي مللنا منه كتابة وتمحيصًا وتغييرًا للصياغات التي تنتهي بنا إلى نتيجة واحدة، وهي حصر ما تفعله البطلات الفلسطينيات في سجن الكليشية الصحفي والمقالي الذي يعتبر قتلًا بالبطئ لما يفعلوه.
واعتقادنا أن بطولة دانا وأخواتها ممن قررن أن يحملن بإرادتهن مسؤولية كتلك، تكمن تلك البطولة في الاستمساك ببقة ضوء لا تظهر منها بشاير في النفق المظلم .. أو بمعنى أدق فما تفعله “أبو شمسية” ما هو إلا تكرار لفعل كثيرات من البطلات التي من بينهن مثلًا شيرين أبو عاقلة .. أي أن الأسطورة هنا تتلخص في تكرار الفعل لا الفعل نفسه .. وكيف أن لإنسان مجابهة الملل بداخله، ولا نقصد هنا قلة الثقة والإيمان في أن الانتصار فلسطينيًا، لكننا نتحدث عن الزوايا التي لا تظهر أمام الكاميرا، حين ترجع تلك المراسلة إلى منزلها وتسأل نفسها : ما جدوى المخاطرة؟ .. وتقرر في صباح اليوم التالي أن تحمل الميكروفون والخوذة الواقية وتصطحب المصورين إلى مواقع الدخان والموت لتنقل الصورة بكل ثقة وثبات ..
إنها معجزة النفس الطويل قبل أن تكون معجزة الأمل.
في مقطع شهير، تتعرّض “أبو شمسية” للاستفزازات من المستوطنين الصهاينة، وبنتنا الفلسطينية شامخة بوجه جاف كملمس الحقيقة وسط الزيف العطن، كمبنى معماري شاهق لا تميّز من بجواره من أقزام .. وكأيام فلسطين الصعبة ولياليها التي لا تنتهي وثباتها في وجه العالم تخرج دانا أبو شمسية إلى الشاشة لتخبرنا ما يحدث في الأراضي الغالية على قلوبنا، بكل هذا الثبات، وكل تلك الثقة، وكل هذه اللباقة، لكن الأهم أن ما تفعله دانا وزميلاتها يؤكد أن النضال ما هو إلا “طول نَفَس”، وأن اعتماد الصهاينة في المقام الأول على قصر نفس الشعوب المُعتدى عليها، لكن قرارًا بأن “ضرب الخناجر ولا حكم الندل” قد اتخذته دانا، وكلنا معها.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال