دبلوماسية المساعدات .. كيف نجحت السياسة الخارجية المصرية بالأزمات
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تبين الدلائل وجود انعطافة إنسانية قوية فى السياسة الخارجية المصرية، وذلك فى ظل تحديات التنمية غير المسبوقة والكوارث الطبيعية والأزمات التى يمر بها العالم، ومنها تفشى فيروس كورونا، إذ تقوم الدبلوماسية المصرية بالتأكيد على تمسكها بمبادئ وقيم الإنسانية والتضامن بين الشعوب، وذلك من خلال تكثيف تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، والتى أصبحت ملمحا مهما للسياسة الخارجية المصرية مؤخرا.
اقرأ أيضًا
وقفوا معنا زمن الكوليرا فساعدناهم على كورونا .. دول العالم: مصر أنقذتنا
كما تعزز مصر من خلال تكثيف مساعداتها الإنسانية دورها الريادى فى المنطقة، من خلال بناء جسور الثقة بينها وبين شركائها، وخاصة فى إفريقيا، وهو ما يدحض ما يروجه البعض فى الآونة الأخيرة من أن مصر تقف عائقا ضد مصالح وتنمية دول الجوار.
ومن خلال الممارسة، تكونت فى مصر شبكة من المؤسسات المشاركة فى عمليات تقديم الإغاثات الإنسانية، داخل أجهزة الحكومة، وفى المجتمع المدنى، بالإضافة إلى التبرعات التى يقدمها القطاع الخاص، الأمر الذى يشير إلى اتجاه مصر للقيام بدور نشط فى هذا المجال فى المرحلة المقبلة.
وتُظهر المساعدات الإنسانية مقدرة الدولة المصرية الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، والتى تسمح لها بتقديم يد العون والمساعدة للآخرين فى الوقت الذى تواجه فيه أزمة مماثلة بنجاح بالغ، وتتجلى أهمية المساعدات الإنسانية التى تقوم بها الدولة المصرية على الصعيد السياسى فى أن تلك المساعدات تدعم وتبرز الوجود الدولى والإقليمى للدولة المصرية، حيث تساهم المساعدات الإنسانية بصورة مباشرة فى بناء صورة ذهنية داخلية وخارجية قائمة على التفوق والريادة العالمية، هذه الصورة لها آثارها فى تعزيز الدولة المصرية فى المحافل الدولية.
وعلى الصعيد الشعبى فإن جزءا كبيرا من القوة الناعمة للدولة المصرية هو التضامن مع الشعوب خلال أوقات الأزمات والمحن، ما يساعد فى توطيد العلاقات التاريخية وأواصر الصداقة بين الشعوب، ذلك بالإضافة إلى تعزيز موضع الجاليات المصرية بالخارج.
تلك المساعدات الإنسانية يكون لها المردود الإيجابى على الدولة المصرية فى ظل التغير الحادث بعد انتهاء الأزمة، وإعادة تشكيل خريطة العلاقات الدولية، ونستعرض الآليات المصرية الحكومية لإدارة المساعدة الإنسانية، والتى جاء على رأسها الصندوق المصرى للمعونة الفنية، حيث تبلورت المبادرة الأولى لخلق إطار مؤسسى مصرى مسئول عن تقديم المساعدات الإنسانية فى عام 1980، وذلك بناء على اقتراح تقدم به الدكتور “بطرس بطرس غالى”، وزير الدولة للشئون الخارجية آنذاك، إلى الرئيس الراحل “أنور السادات”، بإنشاء “الصندوق المصرى للمعونة الفنية لإفريقيا” تحت إشراف وزارة الخارجية المصرية.
وأوفد الصندوق منذ نشأته فى عام 1980 وحتى عام 2013 نحو 8500 خبير للدول الإفريقية فى المجالات المختلفة، كما قام بتدريب نحو 10 آلاف من الكوادر الإفريقية فى مصر، إلى جانب نشاطه فى تقديم المنح المالية والمساعدات الإنسانية وإيفاد العديد من القوافل الطبية.
وفى أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991، ظهرت رابطة الدول المستقلة، وهى منظمة مكونة من جمهوريات سوفيتية سابقة، وقد حرصت مصر على تعزيز التعاون مع هذه الدول من خلال إنشاء “صندوق التعاون الفنى المصرى مع جمهوريات الكومنولث والجمهوريات الإسلامية المستقلة حديثًا” فى عام 1992، وقد نظم الصندوق العديد من التدريبات المختلفة، وعقد الدورات فى مجالات: (السياحة، والثقافة، واللغة العربية، والهجرة، والصناعات الطبية) للعديد من بلدان رابطة الدول المستقلة.
وفى عام 2013 أُنشئت “الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية”، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 959، حيث أُدمج بها الصندوقان السابقان، وقد تبعت الوكالة وزير الخارجية، ومقرها مدينة القاهرة.
وترسيخا لمبدأ التضامن ومساعدة الأشقاء فى مواجهة الظروف الطارئة التى شهدتها بعض دول القارة خلال عام 2019، سواء مواجهة السيول والفيضانات أو مكافحة الأمراض وتوفير الرعاية الطبية؛ قامت الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بتقديم 25 شحنة مساعدات إلى 14 دولة إفريقية شملت مساعدات غذائية وأدوية مستلزمات طبية وكذا مساعدات لوجيستية.
كما تقوم القوات المسلحة المصرية أيضا من خلال إداراتها التخصصية بإرسال الشحنات الإغاثية العاجلة للدول الصديقة، وذلك فى ضوء توجيهات رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث تمد القوات المسلحة المصرية يد العون عند وقوع النكبات والكوارث.
كما اتبعت الدولة المصرية نفس الاستراتيجية أثناء أزمة وباء كورونا، وجاءت أول المساعدات وأبرزها لدولة الصين بسفر وزيرة الصحة بتكليف من الرئيس السيسى فى زيارة استثنائية إلى بكين يوم 2 مارس 2020، لإيصال شحنة من المستلزمات الطبية، فى إطار عمق وترابط العلاقات بين البلدين، وتضامنا من مصر مع الشعب الصينى.
وفى إطار دعم الدولة المصرية للشعب الإيطالى، قام وفد من القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع وزيرة الصحة المصرية الدكتورة هالة زايد، وبتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسى بتجهيز وإرسال طائرات عسكرية إلى الدولة الإيطالية تحملان كميات كبيرة من المستلزمات الطبية والبدل الواقية ومواد تطهير، وذلك يوم 4 أبريل عام 2020، لتخفيف العبء عن الشعب الإيطالى فى ظل النقص الحاد لديه في الأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة مع تفاقم انتشار فيروس كورونا وارتفاع معدل الإصابات والوفيات، بعد أن أصبحت إيطاليا أكثر دول فى العالم إصابة بالفيروس، وتجاوز عدد المصابين بها الصين آنذاك.
كما كلف الرئيس عبد الفتاح السيسى بإرسال مساعدات طبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة فيروس كورونا، حيث أعلن السفير بسام راضى المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك”، 21 أبريل عام 2020، بوصول طائرة عسكرية مصرية محملة بكميات كبيرة من المساعدات الطبية والبدل الواقية للولايات المتحدة الأمريكية واستقبالها من قبل الجانب الأمريكى وبحضور السفارة ومكتب الدفاع المصرى بواشنطن.
كما مدت الحكومة المصرية يد العون للأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة منذ بداية تفشى الفيروس، وأرسلت عشرات الأطنان من الشحنات التى تحتوى على المساعدات الطبية والإنسانية، كان آخرها يوم 22 مايو 2020، والتي قُدمت من الهلال الأحمر المصرى إلى نظيره الفلسطينى، وشملت المساعدات 24 طنا من المنظفات ووسوائل التعقيم والتطهير وكذلك 3500 زى للحماية الشخصية، بالإضافة إلى 150 ألف غطاء وجه، وساهمت تلك الشحنات في تخفيف آثار تفشى الفيروس على الشعب الفلسطينى وعززت قدرته على مواجهة الوباء.
وقدمت مصر مساعدات طبية للحكومة الشرعية باليمن عبر تجهيز شحنة مساعدات من المستلزمات الطبية والأدوية والأدوات التطهيرية للأشقاء بدولة اليمن ومساعدتهم فى مجابهة فيروس كورونا، كما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بسرعة إرسال مساعدات عينية طبية بقيمة ٤ ملايين دولار إلى 30 دولة إفريقية لمساعدتها فى جهودها لاحتواء التحديات الناجمة عن انتشار جائحة كورونا، وذلك فى إطار مساهمة مصر في الصندوق الإفريقى للاستجابة لجائحة “كوفيد 19” التابع للاتحاد الإفريقى، وقدمت مصر مساعدات طبية لجمهورية جنوب السودان والكونغو الديمقراطية وزامبيا.
واستكمالاً للدور الريادى الذى تلعبه مصر فى القارة الأفريقية، قامت الدولة المصرية يومى 14 و20 أغسطس 2020، بإرسال شحنات من 197 طن من المستلزمات الطبية والأغذية وألبان الأطفال تضامنا مع الشعب السودانى فى ظل حادثة السيول التى اجتاحت السودان فى الفترة الأخيرة، وذلك بالتنسيق والتعاون بين العديد من المنظماتت والمؤسسات المصرية المكلفة من رئيس الجمهورية بتقديم الدعم الغذائى والطبى للأشقاء بدولة السودان.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال