“دبوس” كيف عانى نجيب الريحاني من الجمهور والصحافة والفقر والديون؟
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عاش نجيب الريحاني فنانًا يكسب عيشه من مهنة التمثيل، بل كان فيلسوفا وفنانا، فنانًا أصيلًا عاش لفنه، ولاقى من الحرمان والفقر ما لاقى.
ثلاث صور تكشف عن “الريحاني”، الأولى وهو أنه كان من الممكن أن يعيش طوال حياته موظفًا ناجحًا، يكسب قوته وماله وفق ما كان يراه أهله، لكنه هجر وظيفته، وعاند أهله، وكان يعود إلى الوظيفة كلما ضاقت عليه السبل، لكنه انتصر في النهاية.
كان الفنان الراحل يكره الاتجاه السائد وقت دخوله لعالم الفن، وهو أن الممثل يتعاطى الخمر والمكيفات قبل صعود المسرح، تحت حجة أن الخمر تشجع الممثل على مواجهة الجماهير وتقوي أداءه، فحسبما قال صديقه عزيز عيد في إحدى مقالاته:”لم يحدث أن الريحاني قد شرب كأسا من الخمر قبل التمثيل، وكان من فرط احترامه لفنه يعتكف في غرفته بالمسرح قبيل التمثيل بنصف ساعة على الأقل، ولا يسمح لإنسان مهما كانت الظروف أن يعكر عليه عزلته بنفسه”.
نصحه الأطباء بأن يعتزل المسرح لمدة ستة أشهر، لكنه لم يستجب لأوامرهم، قال :”خير لي أن أقضي نخبي فوق المسرح، من أن أموت على فراشي”.
لكن رغم كل هذه الصعاب، كانت الصحافة تتهم نجيب الريحاني بالكسل، لكنه لم يهتم، وفضل أن يقدم مسرحية واحدة جيدة، خير من أن يقدم مسرحيات ضعيفة، ووضع كل همه في البروفات، فقد كان يقضي شهرًا كاملًا في إجراء التدريبات على فصل واحد من فصول المسرحية.
أما الصورة الثانية، التي تكشف عن شخصية الفنان الراحل، وقتما أجبره الجمهور إجبارًا على أن يسير في الاتجاه الكوميدي، فقد كان يحب الدراما، ومر بظروف قاسية بسببها، خاصة بعدما اختفى شقيقه جورج الريحاني قبل موته بسنوات، وترك وراءه الإشاعات التي تقول، بأنه أسلم وانظم للجماعات الصوفية، ومن قال أنه ترهب واعتكف في أحد الأديرة.
اقترض “الريحاني” مقابل تحقيق حلمه في الدراما، أربعة آلاف جنيه، قال:”وكان عدد الدائنين ثمانية وعشرين، فتصور مقدار ما كانت تسببه لي هذه الديون من ارتباكات متوالية، ثم تصور حالتي النفسية إزاء ذلك، فقد صرت هدفا لسخرية القوم، وشماتة الغير، وتهكم صاحبة الجلالة الصحافة، كل هذه الحملات التي انصبت على رأسي متتابعة، كانت لأنني تجاسرت على قدس الدراما، من غير إحم ولا دستور”.
أما الصورة الثالثة فقد كانت، صورة الوطني الثائر الذي حاول أن يعالج السياسة بالفكاهة، لن نجاحه في ذلك كان سببًا في تضاعف خصومه وحساده، فمنهم من كان يطعنه في ظهره بخسة ودناءة، ومنهم كان يناوره علانية في الجرائد اليومية.
ورغم ذلك، كان “الريحاني” وفيًا لأصدقائه، يقيم لهم الحفلات ويطهي لهم جميع صنوف الطعام، وهي الصورة الرابعة التي عاش فيها الفنان الراحل، الذي لم يسلم من الأذى والحرب.
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال