دماء كرد إيران.. من سمكو شكاك إلى مهسا أميني
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يتعامل الكثيرين مع إيران بوصفها دولة فارسية خالصة، لكن ده مش حقيقي، إيران زي غالبية دول الشرق الأوسط، هي دولة متعددة الثقافات والأثنيات.
وتاني أكبر الأثنيات صاحبة الثقافة المغايرة والتاريخية في إيران.. هي الكردية.
عدد الكرد الإيرانيين أكتر من 10 مليون نسمة، حوالي 10% من السكان يستقر غالبيتهم في شمال البلاد.
إيه علاقة الكلام ده باللي بيحصل دلوقتي؟
العلاقة مش مباشرة بس أساسية، والنظر للوضع بدون التفاصيل دي ما تكون في الحسبان.. يخلينا شايفين المشهد ناقص، واللي يدور على حل حقيقي لازم يتعامل والكلام ده في دماغه.
إيران، زي أغلب دول المنطقة، دولة مركزية… قومية، تعلي من شأن ثقافة واحدة على حساب باقي الثقافات المكونة لمجتمعها. اللي يتماهى مع الثقافة دي ترضى عنه.. واللي يتمسك بثقافته هيصطدم لا محال بالدولة.
حلم كردستان الضائع
الأزمة الرئيسية للكرد إنهم شعب متمسك بعاداته وتقاليده وثقافته (عندهم لغة خاصة بيهم.. الكردية)، في نفس الوقت تم تقسيمهم على أربع دول قومية كبيرة في المنطقة، إيران “فارسية”.. العراق وسورية “عرب”.. تركيا “تركية”، فتم أضطهادهم بمنتهى القسوة في كل دولة منهم.
واللي عايز يعرف أكتر عن القصة المعقدة دي يقدر يقرا بداية من معاهدة سيفر اللي نصت على وجود دولة كردية، ثم بعدها بـ3 سنين، معاهدة لوزان اللي لم تتضمن وجود هذه الدولة، ومن هنا نقدر نرصد حلم الكرد الضائع بن سيفر ولوزان. أما اللي مهتم بقراية التاريخ الطويل للكرد كأحد الشعوب الأصلية يدوس هنا.
نقطة تماس الماضي بالحاضر
غالبية البشر الطبيعيين متفقين أن وجود ما يسمى “شرطة الأخلاق” ولفهم في الشوارع لمراقبة لبس الستات هو أمر منافي لأبسط حقوق الإنسان، ويوصل للست المستوقفة إنها كائن أقل من البشر وعايشة بره الزمن أساسًا.
في حالة مهسا أميني الوضع مش بس كده، مبدئيًا كده دي فتاة اسمها الحقيقي ژينا أميني، بس النظام الإيراني مُعادي للكرد وثقافتهم وبيضطهدهم لدرجة إنه مجرم استخدام أسماء باللغة الكردية، بالتالي غالبية الكرد هناك عندهم اسمين، اسم حقيقي بلغتهم واسم رسمي بأي لغة إلا لغتهم.
بقينا متخيلين كده كم الغُبن اللي الفتاة دي كانت حاسة بيه وهي بيتم توقيفها من شرطة بتمثل نظام حارمها حقها في اختيار لبسها أو الاحتفاظ باسمها.. أو اختيار اسماء أولادها المستقبليين؟، كل ده لإنها سِت.. كُردية.
بس الشهادة لله النظام الإيراني مش مضطهد الكرد لوحدهم، إنما مضطهد كل الأقليات الثقافية والدينية الموجودة داخل حدوده السياسية، وتأثير ده يظهر بشكل ملفت لما نبص على خريطة التوزيع الديموجرافي، اللي فاتت، ونقارنها بخريطة بؤر الاحتجاجات الحالية.
تاريخ من الدم
الصوة اللي فاتت توضح أن مناطق تمركز الكرد هي الأكتر سخونة، أه المظاهرات منتشرة في مناطق كتير.. منها مناطق الأغلبية الفارسية (لأن عنف الشرطة قضية عامة ولأن الستات كائن حي موجود في مختلف أقاليم إيران، ولأسباب تانية هنقابلها كمان شوية)، بس السخونة والأنتشار أعلى في مناطق الكرد.
أنفعال الكرد مش بس عشان (ژينا/مهسا) كُردية، إنما لأنها مش أول ولا تاني ولا عاشر ضحاياهم على أيد الدولة الإيرانية، من أيام الملكية وحكم الأسرة البهلوية لغاية الجمهورية الإسلامية وحكم الملالي.
سمكو شكاك.. الاسم المُحرم
سمكو شكاك (1895-1930) هو الأب الروحي والقائد الملهم لحلم استقلال الكرد عن سلطة طهران، بدء نشاطه سنة ١٩١٢ بالمشاركة في تأسيس جمعيتين للقومية الكردية ، ومنهم كان بداية التحرك السياسي بهدف إقامة دولة كردستان.
قدر سمكو شكاك يتحالف مع عدد من قادة الكرد، وكونوا حركة مسلحة نجحت نسبيًا، فسيطروا سنة 1920 على منطقة أرومية، شمال غرب إيران، وبعض المناطق حواليها. أسس جرنان وفتح مدرسة للتعليم باللغة الكردية، وبدء يسعى للاتصال بالكرد في باقي مناطق كردستان الكبرى في دول الجوار، حديثة الإنشاء.
كر وفر.. تمد وانحسار، تطورات استمرت عشر سنين لغاية وانتهت باغتياله عن طريق الخيانة.
النهاية.. خيانة واغتيال
سنة 1930، السلطة الإيرانية “البهلوية” دعت سمكو شكاك للتفاوض السلمي في مدينة أشنوة، كانت وقتها تحت الحماية البريطانية، سافر وفد من قيادات الكُرد على رأسهم شكاك.. لكن كان في استقبلهم وابل من رصاص فرقة جنود الإيرانيين متمركزين على أسطح بيوت في طريقهم، جوه المدينة، ومات معظم الوفد وأولهم سمكو.
مهاباد.. الجمهورية المبتسرة
سنة 1945 تم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، واللي قدر يتواصل مع الحكومة السوفيتية بقيادة ستالين، والحصول على الدعم السوفيتي لتأسيس دولة كردية على أراضي الكرد الواقعة في إيران والعراق، وعرفت باسم جمهورية مهاباد، نسبة لمدينة صغيرة في شمال إيران.. كانت معقل الحزب وبقت هي العاصمة، وأصبح زعيم الحزب قاضي محمد هو رئيس الدولة.
لكن طهران حصلت على دعم المعسكر الغربي، المعادي للسوفيت، اللي ساعدها في الضغط على القيادة الروسية عبر شكوى للأمم المتحدة بانتهاك القوات الروسية لأراضيها، أنتهت المعركة السياسية بانتصار المعسكر الغربي وانسحاب القوات السوفيتية.. وفقد الكُرد حليفهم القوي.
فورًا تحرك الجيش الإيراني وسحق الدولة الوليدة قبل ما تكمل سنة، وتم القبض على قاضي محمد وأخوه وعدد من القيادات ومحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى، وفي قلب مدينة مهاباد تم إعدام قاضي محمد وآخرين.
فخ الخُميني
شارك الكرد ضمن باقي الشعب في الثورة الإيرانية سنة 1979، واحتفلوا زي غيرهم بإسقاط حكم الأسرة البهلوية وطرد الشاه الأخير محمد رضا بهلوي، وبرضه كان صعود الخُميني وإعلان الجمهورية الإسلامية وبال عليهم.. زي كتير من الشعب الإيراني وزي الاسماء البارزة اللي وصفتهم شيماء محمد، الكاتبة والمترجمة المتخصصة في اللغة الفارسية والشأن الإيراني، القادة الذين أشعلوا الثورة الإيرانية… فأكلتهم.
دولة الملالي والبُعد المذهبي
بعد الإطاحة بالشاه وصعود الخُميني، وخلال عملية بناء النظام الجديد أكد الحزب الديمقراطي الكردستاني إنه حزب وطني وماعندهوش أي نية للإنفصال. رغم كده تم استبعاد د. عبد الرحمن قاسملو، رئيس الحزب وكل القيادات الكردية من المشاركة في مجلس الخبراء (الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور).
ثم كان الحدث الأخطر، وهو لعب الخُميني على الوتر الطائفي وتكفير الكُرد (بوصف أن أغلبيتهم سُنة)، وأصدر في أغسطس 1979 فتوى قال فيها: “أن الكُرد من الشجرة الخبيثة ويجب إبادتهم“.
انفجر الوضع وهاجمت قوات تابعة للجيش الرسمي وقوات إسلامية تابعة للخُميني، الحرس الثوري مستقبلًا، مناطق الكرد اللي ردوا بما يمتلكوه من سلاح (قوات البشمركة)، لكن كانت الغلبة باكتساح لمن يملك السلاح الأسلحة التقيلة والطيران، وحصلت مجازر وعمليات إعدام جماعية راح ضحيتها أعداد غير محددة بدقة لحد النهارده.
شبح مجزرة 1988 في الخلفية
مش الكرد بس اللي ليهم دم قديم عند نظام الملالي، غالبية الشعب له تار بايت عند نظام الملالي. فيه إتهامات لشخصيات بارزة حاليًا في الدولة، واصلة لرئيس الجمهورية، بالتورط فيما يعرف بـ مجزرة 1988.
حوالي تلاتين ألف معارض تم أعتقالهم والتحقيق معاهم ومحاكمتهم وصدور أحكام نهائية بإعدامهم وتنفيذها.. خلال كام شهر.
لو حسبنا زمن تنفيذ الإعدام بس، وأفترضنا أن عشماوي الإيراني شغال عبلا مدار اليوم بسرعة 3 إعدامات في الساعة بلا أجازات ولا أكل ولا نوم ولا إئح، كان هيستهلك سنة 88 كلها (وهي سنة كبيسة).
ختام
أظن كده بقى واضح ليه المتظاهرين من أول يوم بيهتفوا “الموت للديكتاتور”، في إشارة للمرشد العام علي خمائني، وليه مناطق الكرد هي الأكتر غضبًا، وليه الدولة من أول لحظة بتواجه الشعب بعنف شديد يوصل أرقام الضحايا لعشرات القتلى، وليه ممكن بنت زي حديث نجفي (20 سنة) تتقتل بـ6 رصاصات كلهم في النُص الفوقاني من جسمها.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال