ربنا عرفوه .. بالوحي
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
جُمل كتير بتاخد نوع من القداسة بحكم إنها قديمة.. وبحكم أرتباطها بالدين الناس بتتعامل معاها كإنها جزء حقيقي من الدين، رغم إنها مجرد مقولة شعبية لا هي آية ولا حتى حديث.. بالعكس ده أحيانًا بتكون مخالفة للدين نفسه، زي كده مقولة: “ربنا عرفوه بالعقل”.
الدين في صلبه يراهن على تغييب العقل لصالح الإيمان الغيبي، وهذا ما يجازي عليه الإله عباده، وهنا أنا مش باتكلم عن وجهة نظري إنما عن الخطاب المقدم عبر النص القرآني نفسه.
بداية سورة البقرة لوحدها كافية لحسم الموضع، لإنها بتشرح ببساطة “التارجت” المطلوب من الإنسان المسلم تحقيقه.. وهو “الإيمان بالغيب”.
الم ﴿1﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿3﴾ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. (سورة البقرة)
النبي شخصيًا ظل يعتكف في غار حراء حتى جاءه “الوحي” من الله، صحيح طبعا هو ماكنش بيعبد الأصنام.. لكنه كمان ماكنش عارف الله، وإلا ما احتاج لوحي يهديه إليه.
أبو الأنبياء
تنسب (اليهودية، المسيحية، الإسلام) إلى النبي إبراهيم، ويشار لها مجتمعة باسم “الأديان الإبراهيمية”، ولما نشوف حكايته في القرآن هنلاقي إنه لما فكر بعقله كفر بالأصنام اللي أهله بيعبدوها بس ماقدرش يوصل للإله الحقيقي، القصة في سورة الأنعام (من 74-79). والقصة في التوراة “العهد القديم” أه مختلفة نسبيا بس متفقة أن الإله هو اللي اختار إبراهيم وتواصل معاه.
وفي الآية 260 من سورة البقرة نعرف أن النبي إبراهيم ورغم إيمانه طلب من الله يوريه كيف يحيي الموتى “ليطمأن قلبه”. فحقق الله له المعجزة: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
كليم الله
قصة النبي موسى الملقب بـ”كليم الله”، لأن الله كلمه بشكل مباشر، وحسب ما وردت في سورة طه (من 9 : 24) فالإله بادر وكلم نبيه مباشرة.. ومنحه معجزتين خارقتين للطبيعة حتى أمن به.
ورغم كده طلب النبي موسى من الله -خلال حوار تاني معاه- إنه يسمح له يراه جهرا، حسب نص الآية 143 من سورة الأعراف:
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ.
القصص المشابه كتير جدا جدا إن كان في القرآن أو في التوراة “العهد القديم”، في إعلان واضح أن الإله عند الأديان الإبراهيمية الثلاثة هو إله غيبي لا يمكن الوصول له بالعقل البشري إنما هو من يختار رسله/أنبياءه بنفسه ليعرفهم بذاته كيفما يشاء ثم يخاطب بقية البشر عن طريقهم.
دور العقل
مهام العقل في الدين هي التدبر في أحكام الإله وحكمته وعجائب خلقه.. إلخ، مش إنه يفكر في ماهية الخالق، العقل النقدي والتفكير المنطقي يشتغل بس مع أي إله أخر يدعا له من دون الله.. زي ما حصل في قصة النبي إبراهيم لما فكر بالعقل والمنطق في دين أهله فكانت النتيجة إنه كفر بعبادة الأصنام.
ختام
لو سيبنا النصوص المقدسة مؤقتًا وفكرنا بالعقل في مقولة “ربنا عرفوه بالعقل” هنوصل لحقيقة بسيطة مفادها: لو الإله ينفع يتعرف بالعقل.. فما داعي وجود أنبياء ورسل مدعومين بمعجزات خارقة للطبيعة؟؟
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال