همتك نعدل الكفة
43   مشاهدة  

ربنا ينفُخ في صورتك

ربنا ينفخ في صورتك
  • مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية

    مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية



زمان وأنا صُغير كنت بأحلم أبقى كبير، بالظبط زي ما كان الفنان “هشام عباس” بيحلم، بس لما كبرت قلت يا ريتني ما كنت حلمت ولا أتمنِّيت، وطبعا ده لنفس السبب اللي قاله الفنان، إن القلب تعب واتحيَّر من الدنيا والمشواير، فقلت يا ريتني فضلت صغير علشان أفضل أشوف وأسمع اللي كنَّا بنسمعه زمان، لما كنت لسه طفل في النص التاني من التمانينات ولحد النص الأول من التسعينات يعني أواخر القرن اللي فات، كنَّا بنسمع جمل وكلمات ودعوات ماعُدناش بنسمعها ولا بنشوف حد بيستخدمها زي زمان، إتنَست واندثرت للأسف بسبب التجريف الثقافي اللي حصل للمجتمع المصري “ربنا يُنفخ في صورتك.

YouTube player

حاجات من زمن فات

فمثلًا زمان يجي من 30 سنة كده كنت بأسمع دعوة منتشرة على لسان عوام الناس بيدعوها لبعضُهُم لما يكون حد منهم عيَّان وحالته ميؤس منها، أو حاله مايل خالص وصدمان وعدمان، أو صايع وضايع وفالتوهان، فكانت الناس المصرية البسيطة الأصيلة تدعيلُه “ربنا ينفُخ في صورتك”.

المد الوهَّابي

مع انتشار الفكر الوهَّابي في مصر من أواخر سبعينات القرن اللي فات، جد على المجتمع المصري حاجات كتير بسبب ظهور السلفيين وانتشارهم زي الجراد في كل مكان، وبالأخص قدَّام الجوامع والزوايا فكنت تلاقي اللي بيبع بسبوسة وحلويات، واللي بيبع سبح وطُرَح وعطور ومصلِّيات، واللي بيبع كتيبات وشرايط كاسيت دينية لمشايخ الدعوة السلفية.

ده غير إنُّهم معاك في كل مكان دراسة وشغل وسكن كمان، يعني حتى لو أنت مش من رواد الجوامع فحتما ولابد هتحتك بحد منهُم غصب عنك، وده ساعد في تغيير هوية المصريين سواء في الشكل أو المضمون اللي بيتجلوا في الأفعال والتصرفات والكلام.

وماكنوش متضايقين من “ربنا ينفُخ في صورتك” بس.. لا دول كان عندُهُم قايمة طويلة عريضة من الممنوعات والمحظورات بتشمل جُمل وأمثال وكلمات، حتى الأدعية يا مؤمن ماسلمِتش منهُم ولا من تعليقاتهم واعتراضاتهم.

قايمة كبيرة كانت بتزيد يوم بعد يوم، بتحرَّم حاجات كتير كان بيستخدمها المصريين في حياتُهُم اليومية عادي، ومن ضمنها الكلام اللي ماكنوش بيقفوا كتير عند ألفاظه المنطوقة، لأنُهُم ماكنوش بيوزنوا كلامهم بميزان الحلال والحرام السلفي الوهَّابي، لكن مع كتر التعليقات والملاحظات والمؤخذات عمَّال على بطال بدأ يقل استخدامهُم لكتير من الكلام والمقولات، لحد ما اختفى واندثر كتير من كلامنا ومصطلحاتنا ومقولاتنا زي الدعوة الجميلة اللي قولنها.

YouTube player

أما قصة عِبَر بصحيح

أذكر في مرة سنة 2012 كنت بأتكلم مع شخص، سِمتُه التدين والالتزام رغم إن هيئته ماكنتش سلفية، كنَّا بنتكلم في أحوالنا الشخصية فقلت له: “أدعيلي ربنا يُنفخ في صورتي”، فاعترض عليا وقال لي: “ما ربنا نفخ فيها فعلًا، وهو لسه هيُنفخ؟!”.

طبعا أنا أندهشت لحظه كده، وسرحت مع نفسي وسألتها: هو أنا اللي دارس عقيدة إسلامية وأديان وفرق ومذاهب وفلسفة ومنطق، اللي مش فاهم؟ ولا الشخص اللي عمَّال أتكلم معه بقالي ساعة زمن وأكتر، هو اللي مش فاهم المعنى البلاغي من الدعوة؟ رغم إنُّه أكبر منِّي في العمر ومفروض في المقام كمان وقتها.

وده ماكنش أول ولا أخر موقف يحصل ليا مع شخصيات من النوعية دي والتفكير ده، فزي ما قلت إن الواحد غصب عنه كان بيحتك بيهم ويصطدم معاهم من وقت للتاني في كل مكان بداية من الطفولة حتى وصلنا إلى الكهولة.

YouTube player

الشاهد منُّه

الشاهد من الكلام إن الفكر المادي والحسي اللي طال وسيطر على كل أشكال حياة المصريين، بمختلف الطبقات والشرائح والفئات والتوجهات في المجتمع المصري بلا استثناء، له أسباب وعوامل كتير سهمت وسعدت في ده، كان من ضمنها إن لم يكن أهمها في دعم الفكر والثقافة المادية اللي انتشرت فينا انتشار النار في الهشيم هُمَّ السلفيين الوهابيين ذات نفسهم، رغم إنُّهم ياما هاجموا على منابرهم الفكر المادي البرجماتي النفعي اللي غزا المجتمع المصري الإسلامي من منظورهم، وياما طنطنوا وتشدقوا بكلام كتير في الموضوع ده، لكن في الواقع هُمَّا كانوا عامل أصيل في ترسيخ الفكر ده من خلال منهجهم العقدي.

ربنا ينفخ في صورتك

إقرأ أيضا
حياة ماعز

الأخذ بظاهر النص ورفض التأويل

من أهم المرتكزات الفكرية عند الوهابية هي اعتماد ظاهر النص في تفسيره، سواء كان نص قرآني أو حديث نبوي، وفي المقابل بيرفضوا تأويل النص بمعنى يصرفه عن ظاهره، يعني مثلا تفسيرهم لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح:10] بيحَملوه على ظاهرُه المتصور في الذهن، فيثبتوا أنَّ لله يد على الحقيقة وليس مجاز ولا تشبيه بلاغي من باب تقريب الأمر للأذهان في عقول الناس، وطبعا التفسير ده قديم وبسببه حصل معارك كتير بين “الفرق الإسلامية”، فكانت فرقة “الأشاعرة” “والمعتزلة” من قبلهم بيبتعدوا عن تفسير الآية بظاهر نصها علشان مايجيش في عقول الناس إن ربنا لُه إيد زي إيدينا، فلجأوا لتأويل وتفسير (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) بمعنى “القدرة”، يعنى “قدرة الله” معاهم، علشان عقلنا مايتصورش إن المقصود صورة اليد على حقيقتها زي اللي بنشوفها في نفسنا وفي غيرنا.

وفي المقابل كان فيه فرق بتفسر بظاهر النص من ضمنهم “الكرَّامية”  و“الحشوية”، كان وقتها بيتم وصفهم بأنهم “مُجسِّمين”؛ يعني بيثبتوا لله صفات حسِّية وجوارح زي الجوارح اللي فينا، وتمر السنين والقرون علشان اللي يرث الفكر التجسيمي المادي ده في عصرنا الحالي يكون الجماعة دول أتباع الشيخ النجدي “محمد بن عبد الوهَّاب” (1703 _ 1792) الذي ضلع في تأسيس “المملكة العربية السعودية“.

الخلاصة

بعد موقفي مع دعوة “ربنا ينفُخ في صورتك” ومواقف تاني كتير تشبهله، بقينا النهارده لو حد سِمِع الدعوة دي لازم يستنكر أو على الأقل يستغرب، لأنه بقى بيقيس الأمور كلها بشكل حسي مادي مش معنوي وروحي، ومستند في ده على تأصيل ديني، فكده هو بقى في السليم والتمام منُّه.

رغم إن ياما ناس كتير مننا عايشة “حلاوة روح”، أظن أني واحد منهم، علشان كده بادعي ربنا من كل قلبي وبارجوه إنُّه يُنفخ في صورتي وفي صورتنا كلنا.

YouTube player

الكاتب

  • ربنا ينفُخ في صورتك رامي أبو راية

    مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية

    مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية






ما هو انطباعك؟
أحببته
5
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان