همتك نعدل الكفة
59   مشاهدة  

رجال الصف الثاني (1) صلاح نصر .. المختلف معه والمختلف عليه

صلاح نصر


بأصوات دوي الانفجارات وصفارات الإنذار، دقت طلقات القنابل والرصاص الساعة إيذانا ببدء نهاية عصر الدولة الناصرية، دولة بناها جمال عبد الناصر ورجال ثورته، ولكن الغريب أنه في الخامس من يونيو عام 1967 لما يكن قد تبقى من رجال مجلس قيادة الثورة سوى 4 رجال، بينما تساقط باقي أعضاء المجلس طوال الرحلة من عام 1952 وحتى عام 1967، ولنكن منصفين فإن دولة عبد الناصر قامت على أكتاف رجال الصف الثاني من تنظيم الضباط الأحرار، هؤلاء الذين أصبحوا رجال الدولة الأقوياء ومن بينهم صلاح نصر الأب الشرعي للمخابرات المصرية.

♦♦♦

في ليلة الثورة كان صلاح نصر قائدًا للكتيبة 13 تلك الكتيبة التي ضمت في داخلها الكثير من رجال الثورة سواء من قادتها أو من رجال الصف الثاني، قاد نصر الكتيبة في مهمتها المحددة سلفًا ليستقبل معهم شمس يوم جديد تحول فيه تنظيم الضباط الأحرار من تنظيم معادي للعرش، إلى قادة الدولة الجدد، ولكن السؤال كيف انضم صلاح نصر إلى تنظيم الضباط الأحرار؟

بين ناصر وحكيم

جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر
جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر

تحكي الرواية الشائعة أن صداقة وطيدة ربطت بين عبد الحكيم عامر وزميله الذي يصغره بعامين صلاح نصر منذ أن وطئت قدم صلاح نصر الكلية الحربية، بينما كان عامر يستعد للخروج منها، تلك الصداقة التي دفعت عبد الحكيم عامر أن يطلب من صلاح نصر الانضمام للضباط الأحرار بعدما رأي فيه الوطنية والشجاعة والثقة، ووافق نصر وانضم للتنظيم.

صلاح نصر ومحمد نجيب بعد الثورة
صلاح نصر ومحمد نجيب بعد الثورة

الرواية الأخرى وتلك التي يرويها د. جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، أن عبد الناصر وقع في يده كتاب أو مشروع كتاب لصلاح نصر كان كتبه خلال فترة دراسته بالكلية الحربية، حول الشرق الأوسط، فلفت نصر انتباه ناصر حتى وجد اللحظة مناسبة ليفاتحه في الانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار، فطلب من صلاح نصر استقباله في منزله لشرب الشاي معه وهناك انضم نصر للتنظيم.

غلاف الكتاب الذي كتبه صلاح نصر
غلاف الكتاب الذي كتبه صلاح نصر

وعلى الرغم من اختلاف الروايتين، إلا أن الثابت منهما أن هناك إجماع على شجاعة ووطنية وإخلاص صلاح نصر، وعدم تردده في الانضمام إلى الضباط الأحرار، والتي بعدما نجحت في 23 يوليو التحق صلاح نصر للعمل كمدير لمكتب القائد العام للقوات المسلحة وقتها اللواء عبد الحكيم عامر، وظل مديرًا لمكتبه حتى استدعاه عبد الناصر إلى منزل منشية البكري.

الحل الذهبي

جمال عبدالناصر وصلاح نصر
جمال عبدالناصر وصلاح نصر

حتى استدعاء ناصر إلى نصر في منزله مع بدايات عام 1957 لم يكن صلاح نصر رجالًا معروفًا في أوساط الحكم أو بين الجماهير فلم يكن مثل سامي شرف أو علي صبري اللذان ترقيًا سياسيًا بشكل سريع وسابق لنصر، فالأول سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات والثاني كان وقتها مديرًا لجهاز المخابرات العامة وينازع زكريا محي الدين المشرف على الجهاز في سلطاته، وهنا وجد ناصر ضالته ليتخلص من هذا الصراع بين صبري وزكريا، والحل كان صلاح نصر.

خلال عمله في مكتب المشير عامر كان صلاح نصر قد اثبت كفاءة في مجالات الإدارة والتخطيط كما أثبت إخلاصه وولاءه لعبد الناصر وللثورة، لذلك صارحه ناصر حينما استدعاه انه في طريقه لإقالة علي صبري من المخابرات العامة وتعينه وزيرًا للدولة، بينما سيتفرغ زكريا محي الدين للداخلية، ويطلب منه أن يصبح نائبًا للجهاز بشكل مؤقت حتى يتم ما يخطط له ناصر، وهذا ما حدث بالفعل في مايو 1957، بدأ صلاح نصر عمله رئيسًا للمخابرات المصرية.

الحقيقة أنه من الإجحاف أن نقول إن صلاح نصر هو من أسس الجهاز من البداية، فمنذ 1954 ومحاولات تأسيس الجهاز قائمة وسبقه فيها زكريا محي الدين ثم على صبري مع عدد من كبار رجال المخابرات، ولكن كانت أيدي الجهاز قصيرة ومصادره شحيحة سواء مصادر المعلومات أو التمويل، وهنا تبرز عبقرية صلاح نصر الإدارية.

سلطة المنصب ونفوذ الصديق

صلاح نصر ورموز دولة جمال عبدالناصر
صلاح نصر ورموز دولة جمال عبدالناصر

لحل أزمة الكفاءة ونقص المعلومات كان على صلاح نصر أن يوفر لرجاله مصادر التعلم والمعرفة، فاهتم بإنشاء معهد المخابرات لتدريب الضباط ومكتبة الجهاز التي حوت أهم كتب علوم الاستخبارات، وإرسال ضباط لتلقي تدريبات في الخارج بأعداد محدودة خشية اختراق الجهاز من مخابرات دول أخرى ثم تكليفهم بنقل ما تعلموه لباقي الضباط، فأصبحت عملية التعلم دائرة لا تنقطع.

على الرغم أن صلاح نصر اتهم لاحقًا بالعديد من التهم التي تتمحور حول الفساد وهو نفسه اعترف ببعضها سواء صراحة أو بالتلميح، ولكن لم يعرف عن صلاح نصر أنه كان يعين ضباطًا في جهاز المخابرات على سبيل الترضية أو المجاملة، بل دخل في العديد مع الصدامات مع قادة الجيش بسبب طلبه انتداب ضباط أصحاب كفاءة للمخابرات العامة وكان حليفة في تلك الصدامات القائد العام، هنا كعب أخيل في مسيرة صلاح نصر.

في دولة عبد الناصر القائمة على القبضة الأمنية والتي ترى الأعداء يتربصون بها من الداخل والخارج، بل ويتربصون بعبد الناصر نفسه، كان منصب مدير المخابرات يحمل سلطة وهيبة كبيرة، وأضف إلى ذلك نفوذ صداقة المشير عبد الحكيم عامر شخصيًا وثقته المطلقة، تلك السلطة التي يرى البعض أن عبد الناصر لم يكن ليرفضها وأن ما قام به بعد ذلك كان تضحية برموز نظامه لا أكثر.

في رحلة تطوير جهاز المخابرات العامة المصرية تأثر صلاح نصر بنسق وشكل العمل داخل جهاز المخابرات الأمريكي، حتى قيل أن تصميم مبنى المخابرات في حدائق القبة مستوحى او مأخوذ من تصميم مبنى المخابرات الأمريكية، ولكن على أرض الواقع كان الجهاز نفسه متأثرًا بطريقة العمل السوفيتية أو الكي جي بي أحد أبرع الأجهزة في التجنيد وزرع الجواسيس، والأهم المكافحة التجسس، هذا التأثر جعل الجهاز يحقق العديد من الضربات الناجحة في قت قصير من تأسيسه وتطويره، في ظل أوضاع سياسية كانت تستدعي وجود جهاز قوي يحمي الوطن.

إقرأ أيضا
الأفلام الحربية

المختلف معه وعليه

صلاح نصر
محاكمة صلاح نصر

ولكن ما تناساه صلاح نصر أن ما قد يقبل خلف الستار السوفيتي الحديدي لا يقبل في مصر، وأن انكشافه ستكون له عواقب وخيمة، تناسي صلاح نصر كل ذلك وهو يعد ما سمي بعد ذلك “بالسيطرة” أو ما عرف إعلاميًا بقضية انحراف المخابرات العامة، والتي كانت شاهدتها الوحيدة هي السيدة اعتماد خورشيد والتي مازالت هي وكتابها محل جدل وتساؤل وعلامات استفهام كبيرة بما حوته مذكراتها من أحداث تتنافى مع العقل ومع أحداث أخرى مثبتة.

كان صلاح نصر من أوائل الملتفتين لما يمكن تسميته بالعمق الإفريقي، فكان لجهاز المخابرات في عهده صولات وجوالات في غرب وشرق إفريقيا لإيقاف تغلغل إسرائيل في تلك المنطقة، والتي كانت بها وقتها العديد من الدولة الحليفة والصديقة لمصر، عبر إنشاء العديد من الشركات العامة المصرية وفتح مكاتب لها في العواصم الإفريقية، تلك الشركات التي أنشأت بالأصل لحل أزمة تمويل جهاز المخابرات، وأيضًا كستار للعديد من العمليات.

يتناسى مهاجمو صلاح نصر أن الرجال الذين تدربوا وتعلموا على يد المؤسسة التي هو طورها، هم نفس الرجال الذين حاربوا في الاستنزاف والنصر، بل جهاز المخابرات قبل نكسة 67 قدم للقيادة العسكرية والسياسية معلومات دقيقة ومبكرة عن الهجوم والوشيك بشكل ينفي تمامًا عن الجهاز أي تقصير، حتى محاكمة صلاح نصر لم تكن فيها تهم الإهمال أو التقصير وإن حملت تهم أخرى مثل الفساد واستغلال النفوذ.

♦♦♦

74 عامًا على ثورة يوليو، ومازال هناك الكثير من رجالها وأحداثها غير معروفة بالشكل الكافي، رجال لم نعرف عنهم غير وجه محدد تم انتقائه بعناية ربما ليظهر ملائكية بعض الوجوه الأخرى، أحداث ورجال تراكمت عليهم الأنظمة والحوادث ونساهم التاريخ أو خلدهم بشكل غير موضوعي، رغم انهم كانوا في يومًا من الأيام رجال صنعوا دولة.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان