رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
1٬256   مشاهدة  

رجال حول الست .. القصبجي وأحلام لم تتحقق

رجال حول الست .. القصبجي وأحلام لم تتحقق
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



عندما يتم تناول علاقة الست أم كلثوم بالموسيقار الكبير محمد القصبجي، ينصب التركيز الأكبر على قصة حبه لها، متجاهلين – عن عمد أو بدون – إنجازات هذا الموسيقي المتفرد، لم ينل حقه من الشهرة والمجد مثل اّخرون، بل أن أجيال كثيرة لم تعرف قدر هذا الرجل الذي قرر في لحظة ما و بكل طواعية أن ينهي مسيرته الفنية كملحن مفضلًا الجلوس  كعازفًا للعود خلف إنجازه الأهم “أم كلثوم”.

الأستاذ والتلميذة.

عندما التقيا لأول مرة لم يكن قد بزغ نجمها بعد، القصبجي الموسيقار الحالم الذي يمني النفس بتطوير  الموسيقى العربية، و اصطدم بالواقع الذي كان يسيطر عليه المغنيات اللواتي يخلطن الغناء بالرقص، حتى وجد ضالته في تلك الفتاة التي ترتدى الجبة والعقال وتنشد الأدعية والتواشيح الدينية بلا تحت أو إيقاع، فأدرك أن أحلامه في التطوير لن تتحقق إلا عبر تلك الموهبة الخام التي تحتاج لمن يرعاها.

لم تكن أم كلثوم وقتها عصية على الترويض فهي التلميذة النجيبة التي كانت تستمع لنصائح استاذها وتدرك أنها تسير في فلك ملحن فذ يسبق عصره بكثير، كان اللقاء الأول من خلال طقطوقة “قال ايه حلف مايكلمنيش” والتي كانت سببًا في شهرة الأثنان معًا، ارتفع أجر القصبجي كملحن بعد هذا اللحن وبدأ يكرس جهوده لتحقيق أحلامه عبر هذا الصوت العبقري المتفرد.

YouTube player

كان فن المونولوج العاطفي لا يجد مكانًا بين قوالب الغناء العربي، فرحل سيد درويش مبكرًا ولم يكمل ما بدأه في المونولوج بعد “والله تستاهل يا قلبي” فوجد القصبجي ضالته في تطوير  هذا القالب حيث منح الموسيقى دورًا أكبر سواء في المقدمة أو في اللزمة الموسيقية، لم يعتمد على التطريب الفردي القح للمطرب بل جعل الموسيقي تقف جنبًا بجانب إلي صوت المطرب، ظهر هذا جليًا في مونولوج “إن كنت أسامح وانسى الأسية” الذي يعتبر ذروة تطور المونولوج وفيه القصبجي تحرر من أساليب الغناء القديمة، مفردًا حيزًا واسعًا للتعبير الوجداني وعدم الإعتماد على التطريب القح، كان ثورة في فن التلحين والحد الفاصل بين عالمين فتغيرت أساليب التلحين من بعده.

YouTube player

سعي القصبجي بعدها لتطوير أداء أم كلثوم وصقله فمنحها عدة ألحان حلقت بها بعيدًا ووصلت إلي قمة الغناء العربي فنجد تجارب عظيمة خُلدت في تاريخ الغناء مثل “مادام تحب بتنكر ليه” و”منيت شبابي” والمونولوج العظيم “يامجد” بنقلاته المقامية المدهشة التي توضح أهمية هذا الموسيقار الخالد، وصولًا إلي مونولوج “رق الحبيب” والذي يعتبر ذروة تطور ألحان القصبجي مع أم كلثوم.

النجمة وأحلام الأستاذ.

في بداية الثلاثينات بدأت الست التعاون مع وجوه تلحينية جديدة بجانب القصبجي، فانضم إليها زكريا أحمد ورياض السنباطي، نجح الثنائي في مزاحمة القصبجي في نجاحاته مع الست ، وكان هي الرابح الأكبر من تلك المعركة الخفية فمع دخول الأربعينات كانت قد ابتعدت بمسافات كبيرة عن منافسيها، وجلست على عرش الطرب منفردة.

كان النجاح المتتالي لألحان القصبجي لا يعطي فرصة لأم كلثوم كي تعترض على أفكاره وخياله الجامح، وحاول هو إثبات أنه قادرة على بلورة أفكارة المختلفة والمتمردة فقدم عدة ألحان لمطربات غيرها مثل “ياطيور” لاّسمهان و“ياترى نسي ليه “ فتحية أحمد ، ثم أقدم على مغامرة فيلم عايدة، الست أم كلثوم المعتادة على النجاح ذاقت لأول مرة طعم الفشل، وحملته هو أسباب هذا الفشل بأفكاره التي لم تستوعبها ذائقة الجمهور في ذلك الوقت، و الست كانت تدرك أن العمر لن يكون في صالحها لو وافقته على جموح أفكاره وألحانه المجهدة شديدة التعقيد.

الملحن الثائر.

فى مذكراته الشخصية “اوراقي الخاصة جدًا” يصف عبد الوهاب الموسيقار الكبير”محمد القصبجى” بأنه كان مفكرًا أكثر منه طروبًا .. وثائرًا أكثر من كونه جميلًا .. وفوق كل هذا فهو كان موسيقيًا رائدًا.

بعد فشل فيلم عايدة توقفت الست كي تعيد ترتيب أوراق مشروعها الغنائي، انقطعت عن غناء أي لحن من ألحان القصبجي، حتى عندما وافقت على إعادة تسجيل أغنياتها القديمة للإذاعة لم تقدم على غناء أي لحن من ألحانه القديمة، وقد يفسر ذلك أنها كانت تدرك أنها بحاجة لتجديد مشروعها الغنائي وأن تتخلي عن طموح القصبجي الذي قد يقصر من مشوارها الفني، رغم أن قدم لها ألحان في فيلمها الأخير  فاطمة إلا أن ذلك لم يشبع نهم القصبجي الطامح في الوصول بموسيقاه لأفاق أبعد، فقدم تجربته المدهشة مع ليلى مراد “قلبي دليلي” وهي التي كانت أخر ما وصل إليه من تطور موسيقي في تلك الفترة.

YouTube player

لا يمكن إنكار أن قصة حبه لأم كلثوم كانها تأثيرًا سلبيًا عليه، ورغم أنه حاول مرارًا أن يثبت لها أن ألحانه قادرة على النجاح بعيدًا عن صوتها، إلا أن هذا الإثبات قد يكون قد وتر العلاقة بينهما، وشكل رحيل اّسمهان المفاجئ ضربة قاصمة للقصبجي فهي الصوت الذي كان يبني عليه اّماله الفنية وأحلامه وطموحاته في تطوير الغناء العربي في ظل رفض وعناد الست، ثم جاءت الطامة الكبرى بعد رفض أم كلثوم لحن سهران لوحدي مفضلة لحن السنباطي قائلة له  “يبدو يا قصب إنك محتاج راحة طويلة.

إقرأ أيضا
لحم

إن حالي في هواها عجب.

في كتاب “السبعة الكبار في الموسيقى” يتساءل فيكتور سحاب عن هل نضب إلهام القصبجي؟ فأدى ذلك إلي عزوف أم كلثوم عن الاستعانة بألحانه، أم رفضها ألحانه أدي إلي نضوبه، ليست ثمة تأكد من ذلك سوى أن القصبجي صب غضبه على أم كلثوم في إحدى جولاتها الفنية في بيروت، ففي حوار نشرته مجلة “الشبكة” عام 1958 قال محمد القصبجي: “أنا ھويت وانتھیت يا أستاذ، خلاص، لم يبقَ مني إلا أنامل جرداء، ورأس جرداء، أفكر في عملي الیوم حتى آكل في الغد.. قل عني إني بقايا ملحن، بل بقايا شخص، ماذا يھم الإذاعة مني؟”، وتابع: “أنا عملت ما  بوسعي وخرجت بأم كلثوم في أكثر من عشرة ألحان قدمتھا لھا.. ولكن أم كلثوم أھانتني، وعندما تھینني أم كلثوم فھذا يعني أحد أمرين، إما أني فاشل، وھذا رأيھا، أو أنھا رجعية في لونھا وألحانھا وغنائھا، وھذا رأيي، ولو اتاحت لى الفرصة لأثبت لها أن ألحاني تفوق ألحان السنباطي” “إني لا أستطيع أن أتحدث عن أم كلثوم كعازف في فرقتھا، أنا أحد بناة أم كلثوم”، متابعًا: “ھل تريد أن أقول لك إن محمد القصبجي صاحب الأمجاد الطويلة ھو مجرد عازف على العود الآن في فرقة أم كلثوم؟ ھل تريد أن أقول له إن أم كلثوم لم تھضم مدرستي وقذفتني إلى الصف الخلفي، مع الآلاتية؟ أنا انتھیت لم أعد ألحن سني لم يعد يساعدني  وأنا عبد في طاعة مولاته، ھكذا تحتم علي لقمة العیش.

لا يمكن التأكد بأن القصبجي كان قادرًا على مواصلة مشواره وطموحاته في تطوير الأغنية العربية، لكن الشئ المؤكد أن هذا الرجل غلبته مشاعره تجاه تلك السيدة الذي وضع اللبنة الأولي والأهم في مسيرتها الفنية وأنه رغم عظمته وشموخه الموسيقي كان ضعيفًا وغلبته عاطفته تجاهها كما تقول قصيدة رامي “ان حالي في هواها عجب اي عجب ليس يرضيني رضاها ثم يشقيني الغضب فاذا طال جفاها جد لي منه سبب فتطلبت صفاها واليها المنقلب” ويبدو أنه يأس من مواصلة تحقيق أحلامه الفنية مفضلّا أن ينزوي خلفها كعازفًا للعود.

YouTube player

الكاتب

  • الست محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
7
أعجبني
0
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان