رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
39   مشاهدة  

رحلة إلى عمق المستحيل.. خندق ماريانا، الألغاز في ظلام المحيط

خندق ماريانا


هل تخيّلت يومًا أن هناك أماكن في كوكبنا لم تطأها قدم بشرية، أماكن يكتنفها الغموض رغم تطور العلم والتكنولوجيا؟، في أعماق المحيط الهادئ، وتحديدًا في الناحية الغربية منه، يرقد واحد من أعظم أسرار الطبيعة، خندق ماريانا، أعمق نقطة معروفة على وجه الأرض، حيث لا يصل الضوء، ولا تسمع الأصوات، سوى صوت الضغط الهائل وظلال المجهول.

ليس مجرد حفرة.. بل عالم آخر

خندق ماريانا ليس مجرد انخفاض على شكل حرف “V” في قاع المحيط، بل تشكّل نتيجة تصادم بين صفيحتين تكتونيتين: صفيحة المحيط الهادئ وصفيحة الفلبين. هذا التصادم الهائل، الناجم عن فرق الكثافة بين الصفيحتين، صنع ما يشبه الجرح العميق في قشرة الأرض، يمتد بطول 2550 كيلومترًا وبمتوسط عرض 69 كيلومترًا، أما أعمق نقطة فيه – تشالنجر ديب – فتقع على عمق يتجاوز 11 ألف متر تحت سطح البحر.

 

تشالنجر.. البداية الأولى للغوص في المجهول

في عام 1872، أبحرت السفينة البريطانية تشالنجر في واحدة من أوائل المغامرات البشرية لاستكشاف أعماق المحيط. كان كل ما يملكه الطاقم آنذاك حبل طويل مُعلَّم في نهايته قطعة معدنية تُستخدم لقياس العمق. ووسط دهشة البحّارة، أظهرت القياسات أنهم وصلوا إلى عمق 8 كيلومترات.
رغم بدائية الوسائل، كانت هذه اللحظة بداية التساؤلات الجادة: هل من الممكن أن توجد حياة في هذا الظلام الكثيف؟

 

بحلول عام 1951، ومع التقدم التقني، عادت بعثة استكشافية بريطانية إلى نفس النقطة، ولكن هذه المرة مزوّدة بتقنية السونار الحديثة. تمكّنت السفينة من تأكيد أن ما تم رصده سابقًا ليس مجرد حفرة، بل خندق حقيقي، يتجاوز عمقه 11 ألف متر، وأُطلق عليه لاحقًا اسم تشالنجر ديب تكريمًا للرحلة الأولى.

حياة في الظلمة.. وحش في الأعماق

في ستينيات القرن الماضي، وبالتحديد عام 1960، دخل التاريخ مرحلة جديدة مع نجاح الغواصة “ترييستي” في الوصول إلى قاع الخندق. وعلى متنها، كان العالم السويسري جاك بيكار والضابط الأمريكي دون والش. استغرقت الرحلة خمس ساعات للنزول، وقضيا 20 دقيقة فقط في القاع، لكنها كانت كافية لتوثيق ما لا يُصدّق.
رُصدت كائنات حية لم تُعرف من قبل، بل وأكد بيكار في تقاريره وجود مخلوق ضخم ظل يراقب الغواصة قبل أن يختفي فجأة، تاركًا علامات استفهام لا تزال قائمة.

وفي عام 1985، سُجّلت واحدة من أغرب الحوادث؛ حين أرسلت بعثة استكشافية مسبارًا إلى أعماق الخندق، ليرصد أصواتًا غريبة وقوية. فجأة، تعرّض المسبار لهجوم مجهول، وانقطعت الأسلاك الحديدية التي تربطه بالسفينة، واستغرق طاقم العمل ثلاث ساعات لانتشاله. ما عاد به الجهاز كان مذهلًا: آثار لعضة كائن بحري وحشي، وأضرار ميكانيكية غير مفسّرة.

هوليوود تطرق أبواب الخندق

وفي عام 2012، قاد المخرج الشهير جيمس كاميرون – مخرج فيلمي Titanic وAvatar – مغامرة جديدة إلى قاع خندق ماريانا، مستخدمًا غواصة متطورة، ضمن مشروع علمي وفني حمل اسم Deepsea Challenger. أثمرت الرحلة عن تصوير فائق الدقة للقاع، وأكّد كاميرون أن الكائنات التي شاهدها لا تشبه أي شيء رآه من قبل، واصفًا الرحلة بأنها “زيارة إلى كوكب آخر”.

إقرأ أيضا
حياة ماعز

رغم التقدم الهائل في علوم البحار والفضاء، يبقى خندق ماريانا واحدًا من أكثر المواقع غموضًا على كوكب الأرض، فكل رحلة استكشافية إليه تطرح سؤالًا جديدًا، وتفتح بابًا لأسرار لا نعرف عنها شيئًا. هل تسكن تلك الأعماق كائنات لا تنتمي لعالمنا؟ هل سنشهد في المستقبل القريب غوصًا أعمق في هذا الخندق الذي لا يُشبه أي مكان آخر؟ ما نعرفه حتى الآن لا يُقارن بما نجهله، وفي قلب المحيط، لا تزال الألغاز تنتظر من يجرؤ على اكتشافها.

اقرأ أيضًا: فيها عبيد مناكيد وفيها السيد.. ملخض شهادات مزارعين وعمال اليومية في مصر  

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان