رحلة الميزان لنجريج مع انتهاء موسم حصاد الياسمين
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
موسم حصاد الياسمين يبدأ بشهر يونيو وينتهي بالشتاء. ويمكننا أن نقول أنه ينتهي تمامًا مع منتصف شهر ديسمبر.
وبكواليس جمع الياسمين يمكننا التطرق لأكثر من قصة وكالوس. و بداية القصة المدهشة تبدأ من قرية شبرا بلولة بمحافظة الغربية، والتي تنتج حوالي 50 بالمئة من إنتاج عطر الياسمين بالعالم أجمع، لأن من هذه القرية يتم إنتاج عجينة الياسمين التي يُستخرج منها عطره.
فحسب ما جاء بموقع فرانس برس ، فإن ووفقا لإحصاءات الاتحاد الدولي لتجارة الزيوت والعطور (IFEAT) لعام 2015، فإن مصر والهند هما المنتجان الرئيسيان لنحو 95% من عجينة الياسمين العطرية في العالم.
في مصر، تقع أكثر من 90% من مزارع الياسمين في محافظة الغربية، في مدينتي قطور وبسيون. وتبلغ تكلفة زراعة 2,5 فدان من الياسمين في السنة نحو 6500 دولار، بما في ذلك مصاريف الحصاد، وفق تقرير IFEAT.
ويروي عاطف لنفس الموقع أن فخري هو “أول مصنع للزيوت العطرية أُنشىء في مصر”. وكان صاحبه أحمد فخري أول من “أدخل شجرة الياسمين إلى مصر” في الستينات، وجلبها من مدينة غراس في فرنسا .
زيارة لبيت الشاعر اليوناني كفافيس الذي توفى بيوم ميلاده
ويقول أيضًا أن أحمد فخري “علّم المصريين زراعة الياسمين، حتى أصبح الإنتاج اليومي من زهور الياسمين حاليا حوالى 20 طنا”، فيما يأخذ المصنع وحده ثلاثة أطنان، يعني حوالي 60 أو 70 بالمئة من إنتاج محافظة الغربية.
. ويستهلك الياسمين في زراعته بين 450 و500 متر مكعب من المياه في المرة الواحدة
ويبدأ المزارعون في شبرا بلولة في حصاد الياسمين من الساعة الواحدة صباحًا، مستخدمين كشافات على رؤوسهم للإنارة وملابس تقيهم ندى الليل.
ومقابل كل كيلو يجمعه الفلاح ثلاثون جنيهًا فقط ويصل أحيانا المقابل لأربعين جينهيا، وهذا المبلغ الزهيد مقابل المجهود الكبير الذي يبذله الفلاحون يهدد هذه العمالة التي تعتمد بشكل كبير على الفلاح الذي يجمع الياسمين بمجهوده وحده يدويًا ولعدة ساعات في الليل أو من بعد الفجر حتى الخامسة عصرًا.
ومما يجعل البعض يعزفون عن هذه المهنة، استمرار موسم حصاد الياسمين لحوالي ستة أشهر فقط، وليس على مدار العام كله. فهو لا يعد عملًا ثابتًا للفلاح إن كان له أو لأولاده، وخاصة أن المقابل زهيد للغاية.
وهناك قرية أخرى شهيرة بزراعة الياسمين، وهي قرية نجريج والتي تقع بمركز بسيون بمحافظة الغربية، ولعلك إيها القارىء إن لم تكن تعرف نجريج من شهرتها بمزارع الياسمين، تعرفها لأنها مسقط رأس اللاعب محمد صلاح.
وبدأت رحلة الميزان بالقرية منذ الفجر تحديدًا، حيث يبدأ الفلاحون في هذه القرية بجمع الياسمين من الفجر وحتى الخامسة عصرًا، أو جمع كل الياسمين بالمزرعة.
وتتكرر عملية جمع الياسمين يوميًا، وإن قطفت زهرة من الياسمين لم تكن متفتحة، تفاجئك عصرًا بتفتحها وإصرارها على الظهور للحياة.
وبموسم حصاد الياسمين يمسك كل فلاح بالقرية جردلًا يجمع فيه كيلو من الياسمين. وعندما سألنا إحدى الفلاحات هناك عما يفعله الفلاحون بعد انتهاء موسم حصاد الياسمين قالت للميزان:
“يعمل الفلاحون بمهن أخرى باليومية بعد انتهاء موسم حصاد الياسمين، حيث يستمر لحوالي ستة أشهر، ومن بعدها تبدأ رحلة بحث الفلاح على شيء آخر ليعمله ويدخل له عائدًا ماديًا”
ولعلك إيها القارىء تعتقد أن الفلاحين هناك يستمتعون بجمع الياسمين لرائحته العطرية النفاذة، ولكن ما لا تعرفه، أن الإنسان يعتاد الرائحة التي يشمها حتى يكاد لا يشمها بعد الاعتياد عليها.
فقد قال أحد العاملين بجمع الياسمين بنجريج:
“أشعر أن أنفي أُغلقت أمام رائحة الياسمين، فما تستمتعين به الآن من رائحته لا أشعر به على الإطلاق”
وما تستمتع به الفلاحات أثناء جمع الياسمين، الأحدايث التي تتم بينهم وضحكات الصباح بعد شروق الشمس، والصحبة التي تساعد الوقت على المرور بسلام حتى يتم حصاد كل الياسمين.
دائمًا لكل قصة كواليس أخرى، فقد نرى نحن زهرة بيضاء تبتسم للشمس ، رقيقة للغاية لكن تعلن عن حضورها بشكل طاغٍ برائحة تباع وتصدر لفرنسا وللخارج كي تتحول لأغلى العطور.
ولكن على صعيد آخر هناك فلاحون يكدون بالساعات ومع تساقط الندى فجرًا من أجل ما يقل عن خمسين جنيهًا باليوم الواحد، واعتادوا الشقى حتى أصبح الياسمين بالنسبة لهم بلا رائحة!..ولكن ربما الصحبة تهون المشوار.
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال