رحل ووضع وطنه المفقود داخل حقائب اللاجئين.. سوريا المعاناة والإبداع (صور)
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
وطن بمساحة 185,180 كم² وذكريات يعود عطرها إلى مئات السنين، سُرق الوطن واُضطر أصحابه الرحيل.
لكن بقيت الذكريات بتفاصيلها داخلهم فحملوها مع ما تبقى من وطن المفقود داخل حقيبة لا تتجاوز مساحتها سنتيمترات.
سوريا المعاناة والإبداع.. فمثلما أبكتنا الحرب الكريهة أنجبت لنا مئات الأعمال الإبداعية، تجعلنا دائمًا نقف ونؤدي التحية لهم.
واحدة من هذه الأعمال كانت معرض المهندس المعماري السوري محمد حافظ، الذي حمل عنوان “رحلات من حاضر غائب إلى ماضٍ مفقود” في أمريكا.
المعرض يعرض لوحات فنية ثلاثية الأبعاد داخل حقائب اللاجئين الذين استقبلهم حافظ بنفسه في أمريكا.
تبدأ حكاية حافظ الذي ظل يشتاق لوطنه على مدار مراحله العمرية المختلفة، حيث قضى جزءًا كبيرًا من طفولته في السعودية، ثم عاد إلى وطنه سوريا، مرة أخرى اُضطر إلى مغادرته؛ ليحقق حلمه بدراسة الهندسة فسافر إلى أمريكا ولم يتمكن من العودة لوطنه طوال سنوات بسبب الدراسة ثم العمل.
كلما كان يتمكن حافظ من زيارة وطنه ولو لفترة قصيرة كان يجاوب شوارع الشام ويتأمل كافة تفاصيلها ويرصدها بعينيه، يسجل هذه اللحظات برأسه جيدًا.
في زيارته الأخيرة عام 2011 أخذ يلتقط الصور ويسجل أصوات وأجواء الحياة في سوريا.
تارة يسجل أصوات البائعين وأخرى يسجل صوت الآذان أو الكنيسة، وهو لا يدرك لماذا يفعل هذا!
كأنه كان يشعر أن هذه الحياة وهذا الوطن سيفتقده هو والكثيرون يومًا، وربما تكون هذه اللقطات القليلة التي رصدها ملاذًا أخيرًا للصبر والحنين.
إذا فحصنا لوحة واحدة من بين هذه اللوحات، نجد أن النوستالجيا ومشاعر الحنين والاشتياق إلى سوريا هي العنصر الأوضح والأهم في هذا العمل.
تشعر أن الزمن تجمد بحافظ عام 2011، فعلى الرغم من الحرب والخراب، هو لا يريد إلا أن يرى سوريا القديمة، سوريا الجميلة، قبل أن تُخرب، قبل أن تُسرق، قبل أن تُفقد فتُفتقد، نرى الأسقف الخشبية والأرابيسك المطعم وشقوق الجدران، نرى هيكل سيارة قديم متهالك والغبار قد أخفى ملامحها، لكنها لا تؤذي العين، بل تثير الحنين؛ إذ نشم رائحة هذا المكان التي نجح حافظ في نقلها بحسه ولمساته المرهفة.
خلال أعماله الفنية نرى أيضًا الجرافيتي يزين مبانٍ وبيوت سوريا، نرى الهوية السورية والروحانيات حاضرة، فنجد الكنيسة ونرى المئذنة، تلتقط أعيننا الآيات القرآنية وقد زينت جدران المنازل في أكثر من عمل فني ونجد لفظ “الله” و”الصليب” وكأنه يستجير بهما.
المعرض ليس معرضًا بصريًا يرصد لنا ذكريات الوطن من خلال قطع وضُعت داخل حقيبة:
“باذنجان مجفف، دراجات، بيوت، قطع أثاث، أصابع بيانو، أقنعة غاز وسيارة”.. تلك التي صنعها حافظ بيديه من مواد قديمة.
حرص حافظ على تسجيل قصص الأسر اللاجئة صوتيًا ليعرف زائرو المعرض أكثر عن معاناتهم في مدة لا تتجاوز دقيقة.
المعرض يأتي ضمن مشروع أكبر بعنوان “حقائب لاجئ غير مفرغة”، مع صديقه العراقي اللاجئ أحمد بدر.
كلمة حقائب أو أمتعة واختيار هذ الإطار كانت الأنسب من وجهة نظر حافظ لأسباب عديدة.
“يصاحب هذه الحقائب المحمولة على أكتافنا مئات المشاعر والأحاسيس والماديات أيضًا مع كل رحيل”.
“الرحلة والقصة الكاملة تشمل تفاصيل كثيرة نحملها بين صدورنا، وعبر عنها حافظ ووضعها كلها داخل الحقيبة”.
الجميع عانى المطبات نفسها؛ أسرة حافظ أيضًا ذاقت مرارة اللجوء والرحيل؛ هربت أخته وزوجها إلى مخيم للاجئين في السويد، 2014.
يحاول حافظ إلقاء الضوء على الهوية السورية بتفاصيلها البسيطة المبهرة وهو ليس الوحيد الذي يمارس هذا الدور… “مع بشاعة الحرب وأثرها، هناك دائمًا من يحاول أن يعيد خلق الأمل”.
يشدد حافظ كلمة “مهاجر، لاجئ” لا توضح هوية الشخص، وأنه يحاول تقديم نفسه والآخرين بشكلٍ يليق بهم رافضًا التمييز والتقسيم.
“السياسة تُقسم البشر بينما الفن منصة حيادية تجذبهم وتجمعهم، وهدفي هو إعادة إضفاء الصفة البشرية على اللاجئين والمهاجرين”.
الكاتب
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد