رسائل أبوظبي إلى الدويقة 1: اللي ملوش خير في الدويقة ملوش خير في مصر
عمري حتى كتابة هذه السطور 29 عامًا و 10 أشهر، قضيت منها 27 عامًا وشهرين في مصر، وعامين و8 أشهر في أبوظبي، طوال عمري لم أغادر منزل أهلي، لم أعش وحيدًا ولم أحظى بتجربة الاستقلال، وكان لذلك أثر بالغ في تجربة الغربة، خصوصًا عندما يستقبلك أحدهم في المطار ويقول لك ** أم مصر في اليوم التالي، فأنت أمام اختبار كبير، هل ترد بالموافقة وتزيد 100 مرة، أم تتحفظ على الحديث من ابن بلدك وترفض وتحتد.
تنتمي عائلتي من ناحية الأب والأم معًا إلى منطقة الجمالية الأثرية القديمة، بعد زلزال التسعينات سكنت عائلتي البسيطة في الدويقة كسكن اضطراري فيما سُمي بالإيواء المؤقت حتى إيجاد مسكن بديل لمتضرري الزلزال، المنطقة الشعبية الطيبة، ذات السمعة غير الطيبة كعادة التصنيف في مصر حيث أن الحسنة تخص والسيئة تعم، مبدأ ينطبق بشكل واسع على تصنيفات المناطق الشعبية أيضًا، وهذا ما عانيته طوال الأعوام التي عشت فيها أسكن في الدويقة.
كنت أعلم أن الكثير من سكان منطقتي الذين يعملون في مناطق عمل راقية، أو يحتكون بأصدقاء في مناطق غير شعبية ينكرون مكان مسكنهم تجنبًا للتحقير أو تغير طريقة التعامل من الأطراف الأخرى تجاههم عند علمهم بمكان سكنهم الذي لا دخل لأغلبهم في اختياره، لم أوافقهم أبدًا على هذا المبدأ ليس لشئ غير أني أحببت هويتي وأحببت اختلافي وهو نفس حبي لبلدي.
كنت أعمل بقناة ONTV وأذهب إلى مقر مكتب القاهرة للقناة في شارع أبو الفداء، لا يدخل سائقو التاكسي منطقة الدويقة خوفًا من عدم الخروج منها على حد قول أحدهم، أو من حدوث شيئًا للسيارة نتيجة التكسير في الطريق الداخلي الوحيد للمنطقة كما يجمع أخرون، وفي أول الشهر عندما أملك مرتبي، أكون قادرًا على أن أرتاح ليومين وأذهب إلى العمل بالتاكسي، بدلًا من 3 مواصلات بالإضافة إلى المشي طوال شوارع أبو الفداء بالاتجاه العكسي من كوبري 15 مايو حيث مقر العمل، فتقل المواصلات إلى 2 بدلًا من 3 الأولى هي سيارات مشهورة في المنطقة تسمى سيارات الجيب، وهي جيب بالفعل لكنها متهالكة وموديلات قديمة للغاية، تركبها دائمًا ولديك هدف واحد وهو ألا يتقطع بنطالك ويطول جسمك ويجرحك صاج هذه السيارة غير المستوي، ولذلك قد تفضل “الشعبطة” على الباب حتى تأمن الجرح وتحافظ على ملابسك، بعد مغامرة السيارة الجيب اليومية، وصلت إلى التاكسي خارج المنطقة على مزلقان الدويقة، وهو نقطة التقاء الدويقة بالعالم الخارجي، أسير نحو التاكسي متأهبًا لسؤال متوقع من السائق دائمًا في بداية الطريق..
سائق التاكسي: هو حضرتك فعلًا ساكن في الدويقة وبتشتغل في الزمالك؟
يحيى: أيوة وبشتغل صحفي.
سائق التاكسي: صحفي وساكن في الدويقة؟
يحيى: أه والمنطقة دي فيها صحفي كمان غيري وفيها دكاترة وفيها واحد صاحبي مهندس بترول وفيها محاسبين كانوا معايا في المدرسة ومحامين ومدرسين وفيها كل حاجة وبيشتغلوا في أماكن كويسة برضه.
سائق التاكسي: غريبة! أومال ليه بيقولوا عليها السمعة دي وإن كلها بلطجية
يحيى: لإن فيها فعلًا بس نسبة قليلة والناس الطيبة أكتر لكن السيئة تعم.
كانت هذه الأحاديث متوقعة، ولم أصب بالملل وعدم الرد ولم أنكر يومًا مكان سكني، بل كنت أدعو أصدقائي من كل حدب وصوب إلى منزلي، لا أعرف لماذا تمسكت إلى هذا الحد بالدويقة رغم أنها ليست المكان الأصلي لعائلتي، لكنها أصبحت كذلك وقضيت أنا عمري ودراستي داخلها، لكن بعد السفر وتجربة الغربة الأولى، أدركت لماذا اتمسك بالدويقة.
أنا اتمسك بالدويقة لأني اتمسك بمصر، لأني اتمسك بهويتي وتكويني وبمن أكون، واتمسك بأصلي وأهلي وناسي، اتمسك بالذكريات وبالأماكن وبالتفاصيل، اتمسك بالأيام القاسية والأيام الحلوة، اتمسك باللعب في مركز شباب الجزيرة بالزمالك لكني اتمسك أكثر باللعب في حارات الدويقة مع أصدقائي الذين أحبوني دون هدف، لم أقل يومًا ** أم الدويقة، فكانت النتيجة أني لم أقل ** ام مصر في الغربة.
الزمالك بالنسبة للدويقة هي منطقة خارج الكوكب، ويعتقد المصريون ذلك أيضًا عند المقارنة في تعليقاتهم دائمًا على تقدم دولة الإمارات على مواقع السوشيال ميديا بوصفه كوكب الإمارات، والأمران حقيقيان من خلال تجربتي من الدويقة للزمالك إلى أبوظبي، لكن الثابت أيضًا أن الأصل في التقدم مربوط بالعمل والتعليم، وليس بمن تكون أو من أين أنت.
شكرا يا احمد علي مقالك الجميل يا اصيل يا ابن الاصول
وانا كمان من الجماليه
تحياتي لك وبالتوفيق دايما
يديم عزك وأصلك الطيب يا يحيى وتسلم كتابتك ااسهلة القريبة