رسائل أحمد خالد توفيق إلى ألتراس أحمد خالد توفيق
-
أحمد الفخراني
روائي وصحفي مصري
كاتب نجم جديد
” عارف إن ليا كارهين، لكن كمان ليا متدروشين، لو كتبت ريان يا فجل، أجد آلاف المنبهرين وآلاف الإعجابات، لما أكتب كلام فارغ أو حاجة لا تستحق الدوشة ألاقي كلام على غرار الروعة عندما يعبر عنها أحمد خالد توفيق، كلمة العراب دي بتجنني، دي مكانة مش بتاعتي”
كانت تلك هي كلمات د. أحمد خالد توفيق، في الحوار مع الكاتب عمر طاهر، في برنامج وصفولي الصبر حول معنى النجومية والشهرة، والذي عرض بالمصادفة قبل أيام قليلة من وفاته.
رغم أن أربع سنوات مرت على ذكراه، وعلى نشر الحوار، إلا أن ثمة شيئا قاله ما زال يزعجني، عندما وصف مرحلة كتابته لأدب الرعب، بمرحلة ” ما يطلبه المستمعون”، خاصة أنها كانت بطريقة ما آخر كلماته، وصف يقلل من حجم ما أنجزه فعلا، وأنه عاش ارتباكا بشأن تقييمه لنفسه، فعلى عكس محمود سالم مثلا، أديب الناشئة المهم، نقل د. أحمد خالد توفيق هذا النوع من الأدب نقلة نوعية وهامة، فقد أضاف لها ما هو أكثر من التسلية: الخيال اللامحدود، الاطلاع الواسع وإدخال ثيمات من كتابة الرعب والفانتازيا من روايات عالمية، وقد مهر كل ذلك بلمسة مصرية أصيلة تخصه.
فهمت من كلماته أنه يرغب أن يراه من وصفوه من المثقفين بالتفاهة، خارج تلك المرحلة لصالح أخرى، بدأ فيها بكتابة روايات ، كـ” ديستوبيا” و” مثل إيكاروس”، و” السنجة” و” شآبيب”، لم أحبها كقارئ أو ككاتب، وأكدت لي أن قراري بأن أتوقف عن القراءة له منذ أن عرفت أبواب الجامعة وعالم الإنترنت والمدونات، كان قرارا صحيحا، فهو لم يمثل لي بشكل شخصي في تلك المرحلة أكثر من نافذة على عالم مغلق بحدود ما تخبرنا به الجرائد الرسمية والقناة الأولى والثانية. لكن كان هذا كل شيء.
لا أحد توقع حجم الشعبية والجماهيرية التي أعقبت وفاته وأبرزتها جنازته التي ربما لم يحظ بمثلها كاتب عربي، وفوجئ بها من لم يسمعوا عنه من قبل، وهو ما سمح للمرة الأولى أن يناقش حجم هذا التأثير علنا، لتتحول جملة ” جعل الشباب يقرأون” فخر خالد توفيق الأكبر وخلاصة تأثيره كما يراه حتى أنه أوصى أن تكتب على قبره، إلى سؤال: “ما الذي جعلهم يقرأونه؟” لتظهر للمرة الأولى سطور من مقالاته وقصصه، وتوضع تحت عين الفحص والمساءلة، منها آراؤه المحافظة، الرجعية أحيانا، تعليقاته على أمور كالاكتئاب أو الحب، بدت أقرب لإكليشيهات براقة، لا معنى لها إذا ما دققت النظر أو لا تقترح جديدا على أقل تقدير، أفكار تجاوزتها الكتابة والزمن.
وفي رأيي أن قراره بإيقاف خط كان هو الأكثر براعة به بالعالم العربي، كان خطأ، وأن ما كان يحتاجه هذا الخط هو التطور خارج فكرة سلاسل الجيب، ليصل به إلى مستوى ستيفن كينج على سبيل المثال، لا تحويل الدفة لصالح ختم ” الأديب” من الوسط الثقافي، وهو ما لم يحصل عليه. من البداية لم يكن ذلك مساره، ولا ما وجد لأجله.
من حق أي كاتب بالطبع، أن يغير من جلده، لكن أظن أن الإهانات والتجاهل الطويل الذي لحق به من قبل الوسط الثقافي كان دافعه للتخلي عن أهم ما يملك واستعارة صوت لا يخصه، لم يصل به بعيدا حتى لو رأى ألتراس محبيه غير ذلك. وفي رأيي أنه لم يفعل أكثر من استبدال المستمعين بمستمعين آخرين لطالما تجاهلوه، تلك الروايات لم تقترح جديدا على أي مستوى، بل حوت فكرة مضرة بفن الرواية، نراها في روايات من الأجيال الأصغر، أن تجعل من الكتابة إعادة تأكيد على ما يعرفه قارئها سلفا أو ما لا يدفع ذلك القارئ إلى التفكير، وكذلك مقالاته في الشأن العام، ربما بعضها شجاع، لكن أغلبها عادي. بينما داخل الجينر الذي أجاده، كان يملك حقا القدرة على اكتشاف شيء جديد، وأرض أخرى، ليس بالضرورة ولم يكن مطلوبا منها يوما أن تنتمي لإرث تشيكوف مثلا، بل تراث طويل محترم لهربرت ويلز وأجاثا كريستي وموريس لوبلان وآرثر كونان دويل وبرام ستوكر وماري شيلي وروبرت لويس ستيفنسون وحتى ستيفن كينج وجورج مارتن، بعض من ذلك التراث صار بمثابة كلاسيكيات ملهمة.
أظن أن تلك هي مآساة “العراب” الذي لا يحب أن يوصف بذلك والتي أظنه كان واعيا بها، أن محبيه وكارهيه حملوه أكثر مما يحتمل، فصار يلعب أدوارا أخرى كدور المثقف الطليعي حامل الفكرة، أو حتى كاتب ما اصطلحنا على تسميته، الأدب الجاد (مع تحفظي على التسمية)، فكان من الطبيعي أن توضع تلك الأدوار تحت الفحص، وما زاد الطين بلة هو هوس وتشنج محبيه إذا ما نوقش ما قدمه بعين أخرى.
في المقابل، عندما نرى ما يقدمه أحمد مراد بخيلاء مفرغ في الأساس من ثقافة متماسكة كالتي كان يملكها أحمد خالد توفيق ( لم يكن الرجل يتوقف عن القراءة أو مشاهدة الأفلام) ، نجد أن مراد ينحو باللعبة كلها إلى أن يصير الكاتب التجاري هو الكاتب بألف ولام التعريف، إلى منتج وأرقام وحسابات وصورة متغطرسة طبقية، آخرها ما حدث بفصل القراء في ندوة مناقشة كتابه القتل للمبتدئين إلى نخبة وطبقة أقل تجلس مفصولة عنه، ومن التأكيد على أن الرواية البوليسية المشوقة التي يكتبها هي الرواية، لا مجرد فرصة لتوفير وقت ممتع ومسل وهو أمر نحتاجه جميعا، والتي تعتمد بشكل كامل على أفكار شديدة الرجعية كتأكيد وجود الجن أو نظريات المؤامرة من الدرجة الثالثة، قد نقدر على الأقل تواضع أحمد خالد توفيق في رؤيته لنفسه وبساطته في التعامل مع معجبيه، رغم أن كان بإمكانه أن يترجم شعبيته التي لم يصل مراد إلى نصفها إلى ثروة خيالية، وهو ما كان يستحقه، لقد ظلم الرجل بالمحبة والكراهية والارتباك تجاه الأنواع الأدبية المختلفة، وعدم القدرة على وضع الأمور بموضوعية في نصابها.
في النهاية وعلى عكس ما يمثله مراد، ورغم أي تحفظ على ما كتب كان ما يحرك أحمد خالد توفيق هو محبة الكتابة لا السلطة التي توفرها، بل أدرك أن محبة القراء التي لا غنى عنها ولا عيب فيها هي عبء وقيد، لا هدف، و” أن الشهرة أمر من السهولة حدوثه في عصر الوسائط الاجتماعية، لكنها لا تعني الجودة”
يقول أحمد خالد توفيق في ختام حواره مع عمر طاهر:
“صناعة الكاتب أشبه بصناعة زعيم، تمثال من عجوة يصنعه القارئ، ويبقى مستعد في أي لحظة ليلعنه ويكسر الصنم، في إحدى المرات، كنت في مطعم وبار بإنجلترا والتقط لي الكاتب أحمد مراد صورة، فظهرت خلفي زجاجات الخمر في البار، ليكتب البعض: لقد افتضح أحمد خالد توفيق، يا أخي حرام عليك، ده إنت في القعدة دي هتشرب خمرة بمرتبي كله، كنت متأكد أنه يخدعنا، كل هذا لأني لم أطلب من صاحب المطعم إنه يشيل الأزايز من الصور”
الكاتب
-
أحمد الفخراني
روائي وصحفي مصري
كاتب نجم جديد