رسالة إلى مشاهير السوشيال ميديا وإلى كل مي حلمي
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
أود لو أنني صعدت إلى قمة جبل عالي أو اعتليت منبر أكبر الجوامع التي تتوسط المدينة القاهرة وصرخت بعلو صوتي وقوتي: يا ناس ملعونة الشهرة!
الشهرة ليست ترفًا يحلم به الجميع وليست غريزة متأصلة يتوحد الناس حول طلبها والسعي ورائها، لكن للأسف مع اختلال المعايير وانهيار القيم أصبحت بابًا واسعًا للرزق وربما الباب الأسهل للوصول والأكثر ربحًا خصوصًا مع تراجع القيم المجتمعية التي كانت تشجع على العلم والثقافة والتأثير وتعتبرهم أسبابًا كافية للترقي الاجتماعي والمادي، ثم حلت محل كل ما سبق الشهرة وراح زمان أن يكون لك منا رسالة في حياته يجتهد ويسعد لأدائها.
أتذكر الآن الخلاف الأسطوري بين الفنان شكوكو وعباس العقاد حين سأله صحفي: من أشهر، أنت أم محمود شكوكو؟
فالعقاد رد باستغراب: من شكوكو! فلما نقل الصحفي لشكوكو كلام العقاد، قال شكوكو: إذهب للعقاد وقل له أن ينزل ميدان التحرير و يقف على رصيف وانا هنزل وأقف على الرصيف المقابل، ونشوف الناس هتتجمع على مين أكتر.
فلما الصحفي نقل للعقاد كلام شكوكو، قال العقاد: روح لشكوكو وقوله ينزل ميدان التحرير ويقف على رصيف ويخلي رقاصة لابسة بدلة رقص تقف على الرصيف التاني ويشوف الناس هتتلم على مين أكتر!
فالناس من زمان أغلبها يحب الفرجة أكثر من المعرفة والتعلم، تحفظ أسماء المهرجين والممثلين والمطربين وتتجاهل المفكرين والعلماء ولا تسعى لتتبع أثرهم، لكن ذلك لم يكن ليمنع أن يحترم المجتمع أصحاب العقول والمفكرين ويعطيهم قدرهم
تغير الحال اليوم وأصبحت مواقع التواصل هي الرصيف الذي يقف عليه الساعيين للشهرة مع تنوع بدل الرقص حتى تكون طريقهم للحصول على عروض إعلانية كحد أقصى للطموح ولا مانع من الاكتفاء بزيارات وإقامات مجانية بالفنادق والمنتجعات السياحية دون مقابل كحد أدنى للمكسب.
ولو أن الشهرة الخالية من التأثير لم تفلح لماتت في مهدها لكن العالم كله شجع على الانحدار وتجاوب مع صناعة البالونات الفارغة حتى ترك بعض المتخصصين مجالاتهم الأساسية وانتقلوا لمواقع التواصل بحثًا عن رزق سهل.
اخترت أن أوجه حديثي إلى مي حلمي تحديدًا اليوم حيث تواجه أزمة حقيقية شاركت بنفسها في صنعها لكن ذلك لا يبقى مبررًا لتركها وحيدة، لمن لا يعرفها هي مذيعة تخصصت في البرامج الرياضية وبدأت مسيرتها في الإذاعة وربما زاد من شهرتها زواجها أو بالأحرى المشكلات التي أحاطت بزواجها من الفنان محمد رشاد الذي لمع اسمه بمشاركته في النسخة الثالثة من برنامج آراب ايدل الذي غادره قبل خطوة من الحصول على اللقب.
فتاة رأت أن حياتها الخاصة هي المحتوى الوحيد الذي يمكنها تقديمه للجمهور وبالفعل زاد متابعوها وزادت فرصها الكاذبة في النجاح.
شاركت مي حلمي تفاصيل حياتها الخاصة قبل العرس فتسرب للجمهور خلافها مع عائلة زوجها وفض الفرح الذي عاد وتم بعد شهور، لم تتعلم الفتاة الدرس وعاودت مشاركة جمهورها لخلافات قضائية بين زوجها وأحد الشركات المنتجة وظنت أن المتغطي بالجمهور دائمًا مستور وأنهم ربما كانوا سببًا يكسبها المعركة فحرضتهم، ليفاجئ جمهورها بعد ذلك بأيام بتصرف غريب من زوجها المطرب الذي ألغى متابعتها من على انستاجرام وأزال جميع صورها وكتب عبارة توحي بانفصاله دون تصريح، ولأن مي قد عودت جمهورها على تناول حياتها الخاصة لم يرحموها.
أنا أقوم بمتابعتها هي و أسما شريف منير حيث يشكلان لي حالتين للدراسة كلتاهما باحثتان عن التحقق السهل بعيدًا عن الامتلاء الحقيقي، أدون في ذهني ملامح النقص البادية في المحتوى المقدم عبر حسابتهما وأوثق تجربتهما وغيرهم حتى النهاية، غير أن أسما تعلمت الدرس مبكرًا وتوارت مع حياتها الخاصة بعيدًا عن السوشيال مديا وبقيت تروج لمنتجات التخسيس رغم فشلها منذ سنوات في جميع محاولاتها لإنقاص الوزن!
شاهدت فيديو لستوري توعدت فيه مي حلمي جمهورها الذي خاض بحقها كان قد نشره حساب فيس بوك لأحد البرامج العربية الشهيرة.
الغريب أن مي حلمي توعدت الصحافة في رسالتها واتهمتهم بالبحث عن الشهرة والسعي وراء المشاهدات لتناول مواقع إخبارية خبر طلاقها أو انفصالها دون إذن منها ونسيت مي أنها هي التي جعلت من حياتها الخاصة مادة للصحافة بل وكانت ترسلها للصحفيين بغرض النشر لتوحي لمحيطها بأن شهرتها تزدهر كل يوم.
تعليقات الجمهور على ما نشره الموقع من رسالة مي حلمي لجمهورها كان مؤلم وموجع جدًا طعنات بدون رحمة ودون حد أدنى للأخلاق ويحزنني انحدار الصحافة إلى هذا الحد، وهو ما دفعني لكتابة المقال ولن أشارك الفيديو الذي نشروه، مئات التعليقات تسخر من شفتيها المنتفختين وتحت عينيها المتورم! غير تعليقات تحقر من شأنها وتؤكد بشكل ليس مستغرب “وانتي مين يعرفك” لم أجد تعليقًا واحدًا يساندها أو يدعمها، التقط الجمهور هدفها فأراد أن ينتقم بأخلاق القطيع الذي يعرف أنه سيفلت من العقاب.
هذا يا عزيزتي جمهور لم يكن يستحق الجهد غير المفيد الذي بذلتيه والوقت الذي فقدتيه لتملئي منصتك بقصص غير متقنة للعناية بالبشرة والجمال الطبيعي بينما تطلين دائمًا من خلال فلتر والذي للغرابة كان سببًا في زيادة الهجوم عليكِ عندما نقله البرنامج الفني عبر حسابه ولم يدرك الجمهور أن تورم شفتيكِ ظهر مضاعفًا بفعل الفلتر المستخدم.
أذكر أنني شاهدت لكي مقطعًا تنفعلين بتعال على إحدى متابعاتك وتؤكدين في دعايتك لزبدة الشيا -وهي منتج طبيعي يستخدم للعناية بالبشرة- وتقولين “مفيش حاجة اسمها بذور شيا في مصر هو احنا بنزرع شيا”، ضحكت بصوت عالي وتذكرت مذيعة الأخبار في أون تي في منذ سنوات طويلة عندما استضافت وزير الزراعة لتسأله عن زراعة الأعضاء!
الفراغ بداخلك يا عزيزتي هو السبب فيما وصلتي إليه وما تعانيه من ألم الآن فلو أنك امتلأت من الداخل بالتعلم والتأمل لعرفتي نفسك و وثقتي بها ورأيت من الحياة غير ما ركضتي إليه ووضعت الحدود لمن حولك التي تضمن حمايتك، لو أن عقلك ممتلئ لما صرحت بأنك مثل جمهورك عرفتي بخبر طلاقك من حساب زوجك الحالي أو السابق وفق قولك، لقد أهنتِ نفسك فهنتي على الناس.
أتمنى أن تتعلمي الدرس هذه المرة وأن تعطيكِ التجربة الصعبة فرصة لتقدير ذاتك الحقيقية وتثقيفها ورعايتها لتنجحي بحق ولأكون صادقة معكِ، أتمنى أن تكوني عبرة لكل شاب أو شابة ظن أن الشهرة السهلة تعني التحقق والنجاح والسعادة، فرغمًا عن الفساد المحيط في العالم كله بنا يبقى وعد الله حق. حين قال تعالى في سورة الكهف “إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا”
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة