رسالة إلى ولدي (١) .. الميلاد
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
إلى ولدي علي..
لكل عائلة ما يميزها، وفي عائلتنا نتوارث جيلاً بعد جيل تقديس آبائنا، وكشرقيين نخاف رب الأسرة كثيراً ونحترمه ونهبه الجلال اللازم لاستكمال هيئة رب الأسرة، ثم نهرع إلى أحضان الأمهات في حالة عشق أسطورية.
لذلك قررت وكربّ أسرة أيضاً، أن أشاطرك بعضاً من نفسي، لتعرف أن أباك مجرد إنسان، الأسود فيه كالأبيض إن لم يكن أكثر، انكساراته بعضٌ من ملامحه، وأخطاؤه لون بشرته، وأنه بلا هالة أو قداسة، فقط هو منذ البدء وحتى الآن يحاول، فقط يحاول.
لذلك كان البدء في تلك العائلة المكونة من مدرس الجامعة العائد لتوّه من بعثته في الاتحاد السوفيتي، مليئاً بالحنق والغضب تماماً ككل العائدين وزوجته -أمي- ابنة القرية التي زرعها زوجها في القاهرة فأثمرت ومدت جذرها في الأرض حتى طاول حنانها السماء، تركها مع ثمراتهما الأربعة ثم عاد ليجدها أشد قوة وأكثر تحملاً لغربتها الخاصة وأوفر ظلاً.
استعد الجميع لمغادرة المنزل القديم في شبرا والانتقال إلى آخر بجوار الجامعة التي يدرس فيها الأب، وبذرتي أنا -أباك- تنبت في هدوء داخل رحم الأم الطيبة، الأب العائد غاضب من تلك البذرة لا يتمناها ويطالب بإجهاضها، والزوجة الأم كعادتها تنفذ أوامره من دون نقاش، مستغلة ترتيبات الانتقال حتى تساعدها على ذلك، الصغار الأربعة أمل وأحمد وأماني وإيناس لاهون عن كل هذا بإجازة صيف جديد.
كان أباك عنيداً حتى الكفر.
ستسمع تلك العبارة كثيراً، فابتسم عندما تسمعها، لأن عِند أبيك جعله يستمر داخل الرحم، رافضاً الإجهاض، متمسكاً بالحياة، ولولا رحمة ربك ما كان ولا كنت.
أخيراً في ذلك الشتاء السعيد عام 1973، والكل مشغول بمتابعة أخبار حرب أكتوبر في سيناء وتتبع أخبار المفاوضات، العائلة مشغولة باستقبال ضيفها الجديد، الأطفال ينتظرون أمام شاشة التلفاز بصحبة شادية وشكري سرحان في فيلم السهرة مساء الأربعاء والكل يترقب صرخة تعلن الميلاد.
ضئيلاً أتيت الحياة، صامتاً -كعادتي دائماً في البدايات- ثم صارخاً ومرحباً بتلك الحياة التي عشقتها طيلة عمري بعد ذلك.
وما بين سعادة وأخرى واختلاف على تسمية الصغير، وما بين إبراهيم كما يريد الصغار، كنت أسامة كما أراد الأب الذي نسي في لحظات كل ما كان، وسكن الصغير الذي يمتص ملابسه في جوع قلبه.
شعور مختلف أن يكون الفارق بينك وبين إخوتك كبيراً، لأني وجدت نفسى محاطاً بوالدين وأربعة أمهات، خاصة عندما سافر الأب من جديد بحثاً عن رزقه في الخليج تاركاً الصغير بسنواته الثلاث يتحسس طريقه في معرفة أساسيات الدنيا التي تعلمتها أنت منذ سنوات قليلة.
وفي حمى سور الغربة البارد وبين جدران المنزل في صحبة كل هؤلاء الآباء والأمهات؛ تكونت شخصية الصغير.
أطلت عليك صغيري وأنت لم تحب القراءة بعد.
أعدك في المقال القادم أن أكمل لك.
حب أبيك وكل كيانه.
إقرأ أيضاً
إلى ولدي علي : الحلقة مش عارف رقم كام .. الحدوتة كلها
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال