همتك نعدل الكفة
729   مشاهدة  

رمضان المُغتربين .. عود دُرة وحداني في غيط كمّون

أول يوم رمضان
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



أهلًا رمضان جانا .. قولوا معانا .. أهلًا رمضان جانا … لا صوت يعلو الآن فوق أصوات العزومات، والتربيطات ، والترتيبات الخاصة بأول يوم رمضان .. بدايةً من السفرة التي ستضم الفرخ والفتة معًا ، مرورًا بانتظار برنامج الكاميرا الخفية الشهير ، حتى وقوف أطفال العائلة في البلكونة لالتقاط أول نحنحة مؤذن المسجد الأقرب للمسجد كي يأتوا بالخبر السعيد : آذان المغرب قد بدأ .. العائلة تجلس في حميمية كبيرة .. فيلقي أحد عواجيز العائلة نكتة قديمة من نكاته الدائمة ، فيضحك الجميع في صوت عال ، يسمع به البيت كله ، أو في الحقيقة لن يسمع البيت كله لأن البيت كله في تلك اللحظات يكون قد التحم في بعضه التحامًا ، سفرة أول يوم رمضان تجعل العائلة شخص واحد .

 

ولأن لكل شئ جانب مُظلم ، ولأن بعد كل ضحكة صمت مفاجئ يحمل حزن العالم ، ولأن أبيض الأبيض اسود .. فإن هناك شخصًا يمر عليه آذان المغرب لأول أيام رمضان كمرور شاحنة على صدر أحدهم .. ذلك المُغترب سواء أكان مغتربًا من الريف  وجاء للعيش في القاهرة ، أو مغتربًا في العموم .. ذلك الذي يسمعهم يضحكون فيتلمّس أطراف الضحك ليشعر أنه معهم .. طعامه بارد تمامًا ، يشعر بمرارة في الحلق لأن لا أحد يشاركه إفطار أول يوم رمضان في حين أن القطط والكلاب يتشاركون تلك اللحظات .. إن كنت لم تجرب هذا الإحساس فأنت على الأغلب لم تعش أسوء إحساس في العالم ، العُزلة والوحدة والبرودة والحزن البطئ ، والاغتراب .. ذلك الذئب الذي ينهش المشاعر نهشًا ويشعرك كم أنت بلا قيمة في هذا العالم.

وقف يشرب سيجارته ، لم يخبره أحدهم أن “كل قبل ما الأكل يبرد ” ، استلم الوجبة من الدليفري ، قرر أن يحشر الطعام في فمه حشرًا لكسر الصيام ، ثم لم تسعفه نفسيته الخربة في مواصلة مشاهدة برنامج الكاميرا الخفية السخيف .. أول أيام رمضان قد مر على تلك البنت المكافحة التي تركت بلدها سعيًا خلف الرزق والكارير بينما تغرق صديقتها في دفئ العائلة .. ليلة دافئة أخرى قد فاتت على التعساء، لكن شيئًا في الأعماق أشبه بهاتف عميق قادم من الضمير يقول : اطمئن ، كل شئ سيصبح على ما يرام .

كمغترب .. اتصلت بأصدقائي لأتبين منهم ماذا سيفعلون في أولى أيام الشهر الكريم ، كيف سيمر هذا اليوم علينا يا أصدقاء ؟ .. فجاء الحل من أحدهم : هنتجمّع .. لو أننا كمغتربين قد التزمنا بتجمع يومي في رمضان سيخفف هذا من وطئ الفاجعة النفسية التي تحاول اغتيالنا في كل رمضان ، ولو أن التجمع أصبح مُلزمًا لكل مغترب مع شلّه أوأصدقاء عمله ، لن نشعر بتلك القسوة في شهر التئام الجروح لا فتحها .. وإذا كان رمضان قد “جانا” جميعًا ، فهناك من لا ينتظر تلك اللحظة ، إلا إذا صنع من قرر أصدقاء الغربة أن يداووا جراحها بالقُرب .. كي لا نكون كما قال الأبنودي في وصفه للمغترب : عود دُرة وحداني في غيط كمّون !

إقرأ أيضا
فتة المكدوس

الكاتب

  • رمضان محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
1
أعجبني
1
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان