همتك نعدل الكفة
381   مشاهدة  

رمضان في الرواية العربية .. بانوراما متكاملة لكرنفالات الشهر الكريم

رمضان في الرواية العربية
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



الرواية؛ الفن الأدبي الناطق بحياة المجتمع والناس، وهو أحد أقرب الفنون الأدبية للعامة، والرواية كفن أدبيّ يستغرق مساحة زمنية كبيرة، فالزمن شريانها يجري طوال أحداثها، فإذًا من المستحيل أن يتجاهل الروائي المناسبات الزمنية الهامة من مواسم وأعياد اجتماعية في بنية عمله الأدبي، وشهر رمضان المبارك زمن يتميز بطقوس خاصة لدى المسلمين والعرب، فكان الشهر الفضيل وسيلة هامة لوصف الحياة خاصةً في الروايات ذات الطابع التاريخي والاجتماعي .

شهر رمضان ليس مجرد مناسبة عابرة في حياة المجتمعات العربية والإسلامية، وإنّما هو شهر كامل ملئ بالعادات والتقاليد بالإضافة إلى التغيرات العميقة التي تحدث في المجتمع طوال الشهر الكريم… عذوبة أيامه ولياليه التي تستهوي الأدباء والكُتاب فيصفونها في رواياتهم التي هي بنان أفكارهم وجوارحهم، ومن هنا نجد أن شهر رمضان المبارك يحتل مكانا مرموقه في الروايات العربية بل إن بعض الروايات تدور أحداثها بالكامل خلال شهر رمضان ومن هذه الروايات رواية في” بيتنا رجل”  للعملاق إحسان عبد القدوس .

يستمر الطابع الكرنفالي الشعبي طوال أيام رمضان و تظهر هنا  الفروق الدقيقة رغم عمومية مظاهر الاحتفال بين طبقات المجتمع حتى الحِرف والمهن لكل منهم تفاصيل خاصة وعادات خاصة في الشهر الكريم ، كما أن الطابع الأنثروبولوجي يُغري القلم بالحديث والوصف والاسترسال في حالة ما إذا كانت أحداث الرواية تدور بين الماضي والحاضر، فيجعل الخواطر والمشاعر تتدفق في ذهن الروائي أو الشخصية الروائية حيث إن رمضان يلقي ضوءً باهرًا على طبيعة الشخصية، فهو شهر الشفافية والصفاء والسمو النفسي، فلياليه وأيامه تُفرق بين الشخصية المتدينة أو المتدينة  تدين ظاهر أو سطحي كما تفرق بين  الشخصية الجادة والشخصية الغليظة المستهترة .

رمضان في الرواية العربية 

ونتعرض هنا  لثلاث روايات من أهم الروايات التي تناولت شهر رمضان المبارك وهذه الروايات هي  رواية “خان الخليلي” لأديب نوبل نجيب محفوظ ، والرواية الثانية “في بيتنا رجل” للعملاق إحسان عبد القدوس ورواية “مد الموج ” لمحمد جبريل وأخيرًا رواية “الرهيينة” لزيد مطيع دماج.

رواية خان الخليلي.. كرنفال شعبي بمذاق رمضان 

استطاع البارع نجيب محفوظ أن يجمع بين الكرنفال الشعبي والأنثروبولجي في روايته “خان الخليلي” فجعل شهر رمضان شخصية فاعلة محركة للأحداث متفاعلة مع الشخصيات داخل العمل، وكذلك متفاعلة مع المكان.. كل هذا ما كان ليتم بهذا الشكل البديع دون الأجواء الرمضانية في مدينة القاهرة وتحديدا في حي خان الخليلي.

كما أن ” محفوظ” الحافظ للإنسان المصري الواعي بكل تفاصيل الجو الرمضاني وطقوسه السائدة وبالأخص الأحياء الشعبية ولدى أبناء الطبقة المتوسطة في قاهرة المعز استطاع أن يدمج كل هذا مع ظروف الحرب العالمية الثانية ليدفع أحداث الرواية إلى الأمام ويرسم الإطار الواقعي لعمله.

خان الخليلي
خان الخليلي

 

الرهينة بانورما متكاملة لطقوس الشعب باليمني برمضان 

ومن حواري القاهرة يأخذنا الكاتب اليمني زيد مطيع بين كلمات رواياته ” الرهينة ” لتكون بانورما متكاملة لطقوس الشعب اليمني وعاداته وتقاليده ، كيف يقضون ليالي رمضان.. اختلافاتهم..مستوياتهم الاجتماعية بذكاء ودهاء مثير برع الكاتب فيه.

الزمن: في أربعينيات القرن العشرين

المكان: اليمن

استخدم الروائي بذكاء الأجواء الرمضانية ليشكل إسقاطات على أحوال الطبقات الاجتماعية  في أربعينيات القرن العشرين  كيف يعيش الفقراء، وما الفرق بين الجنود والأمراء في اليمين، فوَصْف الأجواء الرمضانية ليس مجرد وصْف فلكلوري، فما بعد المعنى الظاهر معان أخرى تعبر عن تفتح وعي الشخصية الروائية الرئيسية والثانوية في الرواية على حد سواء

كما برع الكاتب في ملاحظة الفروق الدقيقة والمختلفة في الطقوس الرمضانية في اليمن، فرمضان في هذه الرواية أيضًا شخصية فاعلة أو محركًا أساسيَّا للأحداث، تلك الشخصية كانت بمثابت الحافز المطور للوعي في الرواية بدفعها إلى الأمام وتطورها.

رواية الرهينة
رواية الرهينة

مد الموج ..حوار جدلي 

إقرأ أيضا
الملح

ومن خلال ذكريات طفولته التي عاشها، يُبدع الكاتب المصري  محمد جبريل في  روايته” مد الموج” فتصور الأجواء الرمضانية واستخدم  حديثة كتقنية ” التبقيع اللوني” وهي أحد تقنيات الفن التشكيلي، هذه التقنية التي تعتمد على التحاور بين بقع اللون ومساحات الضوء على فضاء اللوحه وهو ما يعطي لها معناها النهائي “مد الموج” .

ورواية “مد الموج” رواية مميزة، فهي ناتجة عن حوار جدلي إيجابي بين مكونات العمل الروائي والسيرة الذاتية فهي تقع في المنطقة البرتقالية بين اللونين الأدبيين وهو ما يعطيها طابع خاص بالإضافة إلى الحوار الجدلي بين شخصيات العمل.

رؤية الهلال 

ويصف “محمد جبريل” ليلة الرؤية قائلاً: “وجاء مساء الرؤية وانتظر الناس بعد الغروب يتساءلون، وعند العشي أضاءت مئذنة مسجد الحسين إيذانًا بشهود الرؤية ـ وقد اجتزءوا بالإضاءة عن إطلاق المدافع لظروف الطوارئ ـ وازينت المئذنة بعقود المصابيح مرسلة على العالمين ضياء لألاء، فطاف بالحي وما حوله جماعات مطبلة هاتفة ” صيام صيام كما أمر قاضي الإسلام فقابلتها الغلمان بالهتاف والبنات بالزغاريد، وشاع السرور في الحي كأنما حمله الهواء الساري، فلم يملك أحمد عاكف أن يقول:  أين من رمضان شارع قمر؟!

رواية مد الموج
رواية مد الموج

ويصف محمد جبريل شقاوة الأطفال في رمضان قائلًا” شقاوة أطفال الإسكندرية في رمضان..” كان يقودنا في حمل الفوانيس.. نسعى بها بعد صلاة التراويح، نقف أمام كل دكان ونغني لصاحبه: الدكان ده كله عمار.. وصاحبه ربنا يغنيه، إذا وهبنا ” العادة” انصرفنا ونحن نعيد الأغنية، إذا رفض، نغني في لهوجة: الدكان ده كله خراب.. وصاحبه ربنا يعميه! ثم نجري”.

رمضان ذكريات حاضرة تتجلى في خواطرنا، نتذكر تفاصيل كل ليلة فيه ننتظره بشوق كل عام، فهو بمثابة الحياة !

الكاتب

  • رمضان مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان