رمضان 2021 .. ذكريات

لا شئ يبقى سوى الذكريات الأليمة في وقت ما من العام، تبقى عالقة في ذهنك كسجين محكوم عليه بعقوبة أبد الدهر، تخبرك خفقات قلبك بهلع عن موعد واقتراب ذلك الوقت، ينبؤك نسيم الهواء المقترن برائحة تلك اللحظات الأشد بأسًا وقسوة في عمرك بأن الوقت قد حان لاستقبال هذه الأيام.

رمضان 2021 .. والتأمينات

في العام الماضي وقبل شهر رمضان 2021 بأقل من شهرين فقدت الغالية أمي، ثم بدأت الصراعات مع هيئة التأمينات والمعاشات للحصول على مستحقاتنا من مصاريف الجنازة ومنحة الوفاة والمعاش الشهري، وبسبب خطأ بسيط من موظف أحمق سجّل في شهادة الوفاة أن أمي متزوجة وليست أرملة ركضت أنا وشقيقتي في محافظة الإسكندرية ندور بها شرقًا وغربًا لإثبات أن أمي أرملة وزوجها – الذي هو أبي – قد توفي ولم تتزوج هي مرة أخرى، ولفينا السبع لفات ونحن صائمتان.

في بداية شهر رمضان 2021 جائنا خطاب بأن علينا التوجه للتأمينات وذلك لأن بشهادة الوفاة خطأ ما، ثم توجهنا لمكتب صحة سيدي جابر، فأخبرونا بأن علينا التوجه لمركز المعلومات في فيكتوريا، وحين ذهبنا ونحن نحمل الأوراق، أخبرونا بأن نتوجه للمديرية القديمة في منطقة اللبان عند أبو الدردار لنعرف ما المطلوب من أوراق، وذلك لأنها لم تكن كافية، وحين ذهبنا للمديرية القديمة أخبرونا ما هي الأوراق المطلوبة، وعندما سألنا عن ميعاد الصرف قالوا: “بعد شهرين شهادة الوفاة الصحيحة تطلع وقدموها ف التأمينات”.

 شهرين !! شهرين بعد تقديم الأوراق في التأمينات وانتظار دام أكثر من شهر ونصف لصرف المستحقات علينا أن ننتظر شهرين آخرين، وقفنا أمام الضابط المسئول نبكي من القهر، فقال : “والله ده النظام وده السيستم ولازم الورق ده يتقدم للجنة” !!!

 كنت أتناول سحوري، وأصلي الفجر واستعد للنزول لكي أتوجه للسجل المدني في محرم بك حتى أقوم بحجز مكان قبل الزحام الرهيب، وأنتظر حتى يفتح السجل أبوابه في التاسعة والنصف، 6 ساعات أجلس فيهم على الرصيف أمام البوابة لاستخراج ورقة تدعى (شهادة اثبات زواج وطلاق وترمل)، وبالطبع لابد من الأختام والدمغات بعدد شعر رأسي ورأس شقيقتي ورأس أمي الله يرحمها، بعدهاأ نتوجه لعمل محضر في قسم الشرطة لشقيقتي لأنها هي من أبلغت عن الوفاة، ثم نتوجه لسجل مدني سيدي جابر حيث كان محل الوفاة بمستشفى تابعة لهذا السجل لنقدم الأوراق المستوفاة.

“تعالوا بعد شهرين اسالوا وسيبوا رقم التليفون”، هكذا أخبرتنا موظفة السجل المدني بسيدي جابر، لنفاجئ باتصال منها بأن هناك ورقة قد فٌقدت، وأن الموظف المسئول عن نقل الأوراق لم يجدها، وبأن الملف قد عاد إليها لأن الأوراق غير مستوفاه !! وانتظرنا شهرًا آخر.

 قل لي بربك من لا يفقد عقله وسط  كل هذا الجنون والسفه والعبث ؟؟!!

إقرأ أيضا

يوم في التأمينات أيام التسعينات

ولكن ما قد جعل ثائرتي تثور حقًا هو فيديو قد ظهر أمامي عن ياسمين صبري وهدايا أبو هشيمة لها، أسطول سيارات ومصنع ملابس ومصنع عدسات لاصقة، وساعة وعقد من الألماس لا أجرؤ حتى كتابة ثمنهما.

فقل لي بربك كيف وأنت ترى كل هذا النعيم والبذخ ألا تفقد عقلك ؟؟ وكيف وأنت تقفز يوميًا من مكان لآخر منذ السادسة صباحًا حتى الثالثة ظهرًا ما بين شمس حارقة ولفيح هواء ساخن وظمأ صائم، لاستخراج ورقة تثبت بها حقك في معاش من مستحقاتك، ألا تعجز حتى عن وصف ما بداخلك  من غضب وإحساس بالقهر واليأس؟!!  وكيف تصف مشاعرك بعد أن صرفت تلك الملاليم من مستحقاتك في منتصف شهر يوليو وكانت المتوفاة قد رحلت في الثالث عشر من مارس ؟؟!

قل لي بربك عن أي فرحة بقدوم رمضان يتحدثون، وقد خلّف أولئك الحمقى وهذه البيروقراطية الملعونة في هذه الأيام المباركة ذكريات أليمة فوق أضلعنا ؟؟ قل لي بربك من يزيل أحافير تلك اللحظات القاسية المنقوشة على جدران ذاكرتنا، قل لي بربك كيف نحتفل وفي رؤوسنا مقالع حرب، وركام ذكريات موجعة مقرونة بالإذلال والقهر، وبراكين تثور بكل الكلامِ الممنوع أن يُقال !!!