روبي .. عجبًا لنشازٍ قتال عجبا
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
خطفت روبي الأنظار لأول مرة في مشاهد قليلة في فيلم المخرج محمد أمين المثير للجدل “فيلم ثقافي”، حيث كانت ترمز مع رفيقها “أحمد عزمي” إلى الجيل الجديد الواعي المدرك لأهدافه جيدًا والطامح لتحقيقها حتى مع قلة الإمكانيات المتاحة، أعقبه ظهور باهت في فيلم “سكوت هنصور” أحد أسوأ أفلام يوسف شاهين.
أدركت روبي ذلك الأمر مبكرًا، ملامحها الجسدية لا تتفق مع كود الجمال الذي يعتمده أغلب الجمهور المصري، إمكانيات تمثيلية متواضعة جدًا ستتطور لاحقًا، صوت أقل من العادي لا يعرف قواعد الغناء السليم، ومن هنا بدأت تتعامل في حدود المتاح لديها متسلحة بطاقة كبيرة وشغف للولوج داخل الوسط الفني.
في عصر تسيطر عليه الصورة المتحركة قررت روبي إتباع أسلوب الصدمة الفنية وهو ما ارتكن إليه في البدايات المخرج “شريف صبري” صانعها الأبرز، فقدمها كبطلة لأول مرة في فيلمه الوحيد “سبع ورقات كوتشينة” ثم مطربة في ألبومها الأول “ابقي قابلني” وتولى إخراج أربعة أغنيات دفعة واحدة ركز فيها على شئ واحد فقط الإغراء بالرقص، جاعلاً الجمهور يستبعد عوامل اخرى مهمة كالموسيقى والكلمات مركزًا بصره نحو تلك الفتاة التي ترتدي بدلة رقص كاملة وترقص في شوارع أوروبا في كليب أنت عارف ليه، أو يركز مع مؤخرتها التي تتمايل خلف اّلة رياضية في كليب ليه بيداري كده، او ترقص جالسة داخل بانيو من البخار في كليب ابقي قابلني، بدا الأمر وكأنه متعمدًا وأنه لا سبيل لجذب الجمهور إلا باستفزازه بكل هذا الكم المبالغ فيه من الرقص الأفقي كما أسماه المفكر الكبير الراحل عبد الوهاب المسيري.
في ألبومها الأول تعاونت مع الملحن محمد رحيم الذي كان يحقق النجاح تلو الأخر مع نجوم الصف الأول من الغناء العربي، وكانت التجربة بالنسبة له كالقطفة السريعة المربحة التي لن يبذل فيها مجهودًا ضخمًا في تجويد الألحان مع التأكيد على جودة بعضها، ومع صوت مؤدي لا يملك أدنى مقومات الغناء البسيطة من مساحات وعُرب وإلمام بالمقامات، وجرب معها محاولاته الأولى في التوزيع الموسيقي الذي صاحبه فيه الموزع خالد عز، وبرغم أن الألبوم شهد العديد من الشعراء المهمين في سوق البوب الغنائي مثل “أيمن بهجت قمر” و”فوزي إبراهيم” و”عبد العزيز عمار” الذي استأثر بأغلب كلمات الألبوم، إلا أنك لن تجد كلمات ذو مغزى أو فكرة جديدة فالمسألة كلها محض صور راقصة تتداعى أمام الجمهور في وقت كانت القنوات الغنائية تبحث عن أي شئ لملء الوقت فظهرت “ماريا” و”مروى” و”نانا” في طوفان غنائي هابط قادم من لبنان، وكانت روبي النسخة المصرية لكل هؤلاء جميعًا.
لم تعلق من الأغاني في ذاكرة الجمهور سوى “ليه بيداري كده” لأسباب ذكرناها لاحقًا، وبدأت مع روبي التأكيد على مرحلة صوت الصورة البديل للغناء والموسيقي فلن تتصور صوت روبي يأتي في الخلفية مجردًا من أي صورة متحركة فلو حاولت دندنة ليه بيداري كده تلوح أمامك صورتها وهي تتمايل على العجلة الرياضية.
أقرأ أيضًا سلسلة الفرق الغنائية .. عمار الشريعي وفرقة الأصدقاء.
صنعت الكليبات الأربعة جدلًا واسعًا في الأوساط الاجتماعية المحافظة وفي الأوساط الثقافية التي هاجمت روبي و عرابها شريف صبري، واتهمه أحمد فؤاد نجم صراحة باستغلالها في مقطع شهير مع المذيع اللبناني نيشان، و تلخص الهجوم بأنه يجب مواجهة الهبوط الفني القادم من لبنان بصناعة فن حقيقي بدلًا من محاولة تقليده و السير في نفس اتجاهه.
لم تظهر روبي للرد على الانتقادات كون شريف صبري المسئول بالكامل عن رسم خطواتها نحو غزو الوسط الفني، لكنه في نفس الوقت استوعب الدرس جيدًا وقرر أن يغير الصورة تمامًا في الألبوم الثاني “مشيت ورا إحساسي”.
في هذا الألبوم ظهر اسم الشاعر الراحل “عصام عبد الله” في أغنية “مش هتقدر” الذي يعرفه جيدًا الجيل الذي يهاجم معظمه التجربة، تلك الأغنية التي صنعت في أوائل التسعينات على سبيل المزاح والرهان بين عصام عبد الله وشريف صبري فأصبحت رهان صبري الحالي على الصلح مع هذا الجيل أو على الأقل تخفيف حدة الهجوم وإقناع الجميع بأنها تجربة غنائية استعراضية لطيفة دون تحميلها أكثر من ذلك.
في كليب “مش هتقدر” أول كليب لا يخرجه شريف صبري مقتصرًا ظهوره على تلحين وتوزيع الأغنية، تخلت روبي عن الرقص المبتذل تمامًا وجلست تغني برزانة مصطنعة على كرسي داخل مسرح مرتدية ملابس محتشمة لا تثير حفيظة أحد بمصاحبة فرقة مكونة من البنات بالكامل.
الأغنية جاءت في إحدى عشر دقيقة كاملة على عكس الشائع في تلك الفترة، تحاكي الأغاني الكلاسيكية الطويلة، بمقدمة موسيقية ولحن رصين شرقي المزاج يصاحبه إيقاع هادئ، أداء روبي لم يكن على مستوى الحدث تمامًا وبدت وكأنها تدندن اللحن في خلوة بسيطة لا في حضرة فرقة موسيقية ضخمة العدد، لكنها كانت محاولة جديدة إلي لفت الانتباه ولكن بصورة عكسية عن السابق.
في كليب “مشيت ورا إحساسي” عادت روبي لسيرتها الأولي في الرقص الأفقي الهستيري على وقع إيقاع الهاوس اللاهث، دون صخب الملابس المثيرة للجدل بدت وكأنها تحاكي أغاني و كليبات نجمات البوب المشاهير وأنه ما تقدمه لا يختلف كثيرًا عما يقدم في ساحة الغناء النسائي.
لم يتم تصوير سوى تلك الأغنيتان لذا لم يصمد الألبوم كثيرًا كونها تعتمد على الكليبات أكثر في تسويقه، وظل الجمهور يراها محض صورة متحركة فقط لا صوت يجبرك على الاستماع إليه مجردًا.
ظهرت روبي المطربة مجددًا في 2008 في كليب ” يا الرموش” من ألحان محمد رحيم أيضًا، ولكن مع مخرج أخر هو “أحمد المهدي” الذي حاول تفادي مشاكل شريف صبري السابقة، لكنه حافظ على الروح المسيطرة على كليبات روبي، لا وجود لموديل معها، نفس الرقص الأفقي مع ابتذال أقل، التركيز أكثر على ملامح روبي الشديدة المصرية ، كان الكليب لطيفًا على قدر المتاح من صوتها الذي يصيب أحيانًا وأحيانًا كثيرة يفشل في إصابة الهدف.
كان هذا الكليب هو أخر عهدها بالغناء مفضلة التركيز على التمثيل أكثر و نجحت في ترك بصمة غيرت الصورة التي زرعت في وعي المشاهد عنها.
في حلقة صاحبة السعادة عادت روبي إلى الواجهة لتتصدر تريندات مواقع التواصل الإجتماعي مرة أخرى، هذا اللقاء الذي كان احتفاء بها كفنانة شاملة ترقص وتمثل وتغني.
في فواصل اللقاء غنت روبي أغنياتها الشهيرة “أنت عارف ليه” “أبقي قابلني” “يا الرموش” لكن الكارثة الكبرى كانت في الثلاث أغنيات الأخرى “أستعراض الزهور لمحمد فوزي” و”عجبًا لغزال قتال عجبًا لفؤاد عبد المجيد” ثم إعادة توزيع الأغنية الفلكلورية “سلم عليً”.
إن كان هناك تسامح في أدائها أغانيها، فالأمر الذي لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال هو الثلاث أغنيات الأخرى، أداء صوتي ضعيف جدًا بنشاز واضح مزعج جدًا للأذان بالأخص في موشح “عجبًا لغزال قتال عجبًا” وسوء نطق مخارج الألفاظ، وكان الأفضل لها الغناء على طريقة البلاي باك و ضبط الأمور داخل استوديو الصوت بدلًا من الكوارث التي ظهرت.
في تدوينة شهيرة للمخرج وصانع المحتوى الراحل البراء أشرف، ذكر فيها سبع أسباب للحنين إلي روبي، و كعادتنا نبدأ في مهاجمة شخص ما، ثم نحاول أن نتجاهله ثم يصير حقيقة لا يمكن إنكارها فتبدأ حملات التعاطف وتغيير وجهات النظر، كانت تلك التدوينة أحد الأسباب التي نصبت روبي أيقونه لهذا الجيل الذي أعتاد على السمع بأعينه لا بأذانه.
قبل أن يتهمنا أحد بثقل الظل وأننا نكره الجمال وضد حرية الفن في العموم، فيجب التأكيد على أنه عندما يأتي الحديث عن روبي بصفتها مطربة؛ لا يجب على الجمهور التعاطي مع الأمر بجدية مطلقة، لكن من حين لاّخر تظهر روبي كتريند اعتدناه على وسائل التواصل الاجتماعي تغني تارة و تارات كثيرة ترقص، ولا يتطرق الحديث عنها لمناحي فنية في الغالب، ملخصين تجربتها الفنية في أنها وجه مصري أصيل بزغ في فترة كان جيل التسعينات يبحث عن أيقونه الجمال والخفة والدلع فصنع منها أيقونته الخاصة.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال