ريوكان ..المدينة في النرويج حيث لا تشرق الشمس
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في مدينة ريوكان الخلابة، التي تقع بين جبال النرويج الوعرة، تلقي ظاهرة غير عادية بظلالها على الحياة اليومية. لعدة أشهر كل عام، تعاني ريوكان من نقص في ضوء الشمس المباشر بسبب موقعها الجغرافي الفريد. هذا الحدث الآسر أكسب ربوكان لقب “المدينة التي لا تشرق فيها الشمس”.
ظل ريوكان
لغز الظل في ريوكان هو نتيجة لموقعه في وادي فيستفيورد ، المحاط بالجبال الشاهقة التي تعيق مسار ضوء الشمس خلال أشهر الشتاء. من أواخر سبتمبر إلى منتصف مارس، تجد ريوكان نفسها في ظل عميق، تاركة سكانها بدون ضوء الشمس المباشر. الظل الملقى على المدينة هو تذكير صارخ بقوة الجغرافيا في تشكيل حياتنا اليومية.
تم التعرف على تضاريس ريوكان الفريدة من قبل مؤسسها صاحب الرؤية، سام إيد، الذي أسس المدينة في أوائل القرن العشرين كمركز لإنتاج الطاقة الكهرومائية. كانت سفوح الجبال شديدة الانحدار مثالية لتسخير طاقة الشلالات الوفيرة في المنطقة. مما أدى إلى تطوير محطات الطاقة الكهرومائية التي لعبت دورًا حاسمًا في النمو الصناعي للنرويج. مع ذلك، فإن نفس الجبال التي وفرت الطاقة خلقت أيضًا حاجزًا طبيعيًا، حيث سلبت أشعة الشمس من ريوكان لعدة أشهر كل عام.
يشكل غياب ضوء الشمس المباشر تحديات كبيرة لسكان ريوكان. حيث يؤثر على سلامتهم الجسدية والعقلية. كما يقيد الأنشطة الخارجية ويؤثر على نمو النباتات والزراعة. يمكن أن يؤدي الظلام المستمر خلال أشهر الشتاء إلى الشعور بالعزلة ونقص فيتامين د، مما يؤدي إلى تفاقم احتمالية حدوث اضطراب عاطفي موسمي بين السكان.
مرآة الشمس: حل مشع
إدراكًا لتأثير غياب الشمس، قرر سكان ريوكان المبتكرون تولي زمام الأمور بأيديهم. في عام 2013، بدأ مشروع ضخم لجلب ضوء الشمس إلى الساحة الرئيسية في المدينة. تضمن هذا المسعى تركيب مرايا عملاقة، تُعرف باسم “مرآة الشمس”، على سفح الجبل، في وضع استراتيجي لتعكس ضوء الشمس في المدينة.
كان مشروع مرآة الشمس أعجوبة تكنولوجية، تتطلب هندسة وتصميم دقيقين. تم تركيب ثلاث مرايا كبيرة تبلغ مساحة كل منها حوالي 17 مترًا مربعًا على سفح الجبل. تتبع هذه المرايا حركة الشمس على مدار اليوم، وتعيد توجيه أشعتها إلى الساحة المركزية في ريوكان. أصبح تركيب مرآة الشمس رمزًا للمرونة والابتكار، وجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.
كان لإدخال مرآة الشمس تأثير عميق على سكان ريوكان. المربع الخافت والمليء بالظل ينعم الآن بتوهج ضوء الشمس، مما يخلق إحساسًا بالدفء والتجديد. أصبحت المرايا نقطة التقاء للمجتمع، ومكانًا للتجمع والتواصل الاجتماعي والاستمتاع باللحظات الثمينة من ضوء الشمس الذي كانت ذات يوم بعيد المنال. لم تجلب مرآة الشمس الضوء المادي فحسب، بل جلبت أيضًا إحساسًا متجددًا بالأمل لشعب ريوكان.
احتضان الظلال: هوية ريوكان الفريدة
على الرغم من التحديات التي يفرضها غياب ضوء الشمس، اعتنقت ريوكان هويتها الفريدة كمدينة لا تشرق فيها الشمس. بدلًا من الرثاء على الظلام، حوله المجتمع إلى خاصية مميزة. أصبحت ريوكان منارة للفنانين والمصورين والأفراد الذين يبحثون عن تجارب غير تقليدية. ألهمت المسرحية الدرامية للضوء والظل المساعي الإبداعية، مما أدى إلى تعبيرات فنية فريدة تجسد جوهر المدينة.
أصبحت سمعة ريوكان الغامضة أيضًا نقطة جذب سياحي، حيث جذبت الزوار الذين يفتنون بظاهرتها غير العادية من داخل وخارج النرويج. يثير اهتمام المسافرين التناقض بين ظلام أشهر الشتاء والجمال النابض بالحياة الذي يظهر عندما ينعكس ضوء الشمس على ساحة المدينة. حولت ريوكان تحديها الطبيعي إلى فرصة لإظهار مرونتها وبراعتها وروحها التي لا تقهر.
يعمل الظل الملقى على ريوكان كتذكير بالعلاقة المعقدة بين البشر وبيئتهم. إنه يدفعنا إلى تقدير أهمية ضوء الشمس في حياتنا وتأثير العوامل الجغرافية على تجاربنا اليومية. إن قدرة ريوكان على التكيف والابتكار والعثور على الجمال في غياب ضوء الشمس هي شهادة على مرونة سكانها وروحهم الثابتة.
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال