زمار الحيّ يُطرب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
زمار الحيّ، ديوان اكتملت فيه العوالم الجمالية الشاعرية والشعرية، تتأنق فيه الصور والرموز الفنية والتشكيلات الإبداعية إلى جانب الحلى الموسيقية في الوزن والقافية و المواويل الشعبية.
الديوان رغم كونه عاميًا إلا أنه يرتكز على خلفية تراثية شعبية عربية، ولمّا اتهم شعراء العامية ببغض القومية العربية، رد الشاعر محمد الشرقاوي في ديوانه عن طريق توظيف الموروث الثقافي العربي، ظهر هذا منذ البداية في عنوان الديوان زمّار الحي.
فزمّار الحي لفظة متحورة من “زامر الحي”، القصة المشهورة لعازف الناي المبدع الذي اعتاد قومه سماع موسيقاه فباتت المعزوفات لا تطربهم، ثم ينتقل في مكان آخر مع أناس أخريين فيصبح مشهورًا لأنهم أدركوا الإبداع في ذلك.
الشعر والشعراء
أراد الشاعر هنا توظيف فكرة أن الشعر والشعراء أصبح لا وجود لهم في الحقل الإبداعي، ليس لضعف محتواهم وإنما لاعتياد الناس سماع تلك المقطوعات والأشعار كما هو حال زامر الحي، فرغم أن المعزوفات في غاية الإبداع إلا أنها لم تنل الشهرة والإشادة، ويمكننا أن نقول أن الشاعر أيضًا يعاني من فكرة عدم الإشادة أو الشهرة رغم أن محتوى أشعاره متميز.
الديوان يدور حول فكرة الشعر والشعراء وكيف يكون النص الجيد من النص الردئ، كيف يبحث الشاعر عن المعنى بل كيف تتولد فكرة المعنى، وربما نبه لذلك في عتبة من عتبات الديوان حينما يقول “طوبى لمن يبحثون عن المعنى دائما”.
وبالعودة إلى توظيف الموروث الثقافي العربي، ارتد الشاعر في أيقونة الميلاد زمانيًا إلى امرؤ القيس كبير شعراء الجاهلية الذي فطن الشاعر أن شاعريته تخطت مدى الكون هنا يأخذ البركة لعلها تسانده وتساعده في ميلاد الفكرة التي يبحث عنها .
ونفوت على دار “القيس”
نأخذ بركة
تتأمل ف حصانه
تتعلم منه الكر، الفر.
ثم يمر على عنترة ومحبوبته عبلة، يقف يسمع كيف يكون الشعر الجميل كيف يكون التعبير عن الذات بإحساس صادق، لوحة مميزة
نبص مع النخلات البكر
والهوا بيمر ما بين خصلات
الشعر الأخضر
نلمح عنترة
بيغني لعبلة
وينشد ليها جميل الشعر
نتعلم منه كنه البوح
نأخذ ومضة من الإحساس
ثم ينتقل بتوظيف الموروث إلى الشكل الديني، فنراه في أيقونة العهد وظف المعنى الصوفي والكنسي انتقل بسلاسة بين هذا وذاك
جاني شيخي المستنير
على بساطة المخملي
بكره المبطن بالقطيف
والمزركش بالموسيقى
وزهرة التوليب..
ثم استوحى بعض المشاهد المقدسة كصورة صعود النبي في ليلة الإسراء والمعراج، فبدلًا من أن يصعد إلى السماء صعد إلى وادي عبقر المشهور بأنه الواد الذي يسكنه شعراء الجن حتى أن بعض شعراء الجاهلية كما ورد في الآثر كانوا يتلقون الشعر من شعراء الجن كامرؤ القيس وعنترة بن شداد وهما الشعراء الذي ذكرهم الشاعر في نص سابق مما يعني وجود صورة كلية للديوان حيث إذا ما تضافرت المعنى الكلي .
وعرجنا حتى المنتهى
على بساطه المخملي
إلى وادي عبقر سالمين
وقفوا شعراء التاريخ
في المنتصف
بيرنموا الأوراد
فخرجت الشمس من عين الغروب
ثم ينتقل الشاعر من الثقافة العربية وتوظيف موروثاتها إلى الأدب اليوناني وإسقاط رمزية”جلاتيا” ليشكل من الاسم والأسطورة صراع من نوع آخر صراع الحياة والفن
ولإنها من امرئ أخذت
سميتها امرأة
ولإنها من شاعر
أخذت سميتها جلاتيا
هي القصيدة الملهمة .
بين الموال والعديد
ضفر محمد الشرقاوي في ديوانه أوزان الموال الشعبي مع البوح فيقول:
ياليل تقيل ياليل
سجن ومالوش أبواب
لا عرفت نوم العليل
ولا فكري عني غاب
وفي نص آخر يستغل موسيقى العديد ويقول:
ناح الغراب وانا نوحت وراه
والنار وجت لما ان قال اه
وفي موضوع آخر كتب على نفس الموسيقى الشعبية التراثية:
نهيتك ما انتهيت
وبالطبع فيك غالب
فكتب : اشكي لمين ؟
وف عرفنا
جذع الشجر
إذا سكن الفراغ جواهر
ما يستعمل ولو مربط
بعير ضالة.
الديوان في مجمله جيد فنيا، يخاطب النخبوية لا العامة، فالديوان دسم فكريًا ملئ بالرموز والشفرات التي تحتاج إلى ثقافة كبيرة، بالإضافة إلى اللغة التي تصعب على العامة فهمها، فإذا قيمنا الديوان كعمل موجه للنخبة المثقفة فهو رائع وإذا كان موجه للعامة فبحاجه إلى إعادة نظر .
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال