همتك نعدل الكفة
539   مشاهدة  

سر الحذاء المقلوب على شاشة التليفزيون

الحذاء


يبقى سر الحذاء الذي كان يظهر لنا فجأة على شاشة التلفاز ويستمر لساعات (احيانا لأيام) من اكثر الالغاز التي لم نجد لها  تفسيرا حتى الان ..

الحذاء

حتى منتصف التسعينات لم تكن هناك قنوات تلفزيونية في ليبيا بإستثناء “قناة الجماهيرية العظمى”، القناة الرسمية الوحيدة التي كانت ترسم علاقتنا بالتلفزيون وتحددها بصرامة، والتي كانت اغلب برامجها مؤدلجة بما يتفق مع سياسات النظام وافكار العقيد الراحل معمر القذافي، لم يكن هناك خيارات أخرى، ولم يكن المجال متاحاً للتعبير إعتراضاً او امتعاضاً، لذا كان من الطبيعي ان تجد الشعب كله في تلك الحقبة يغني الاغنية ذاتها التي شاهدها على القناة الرسمية  او يتحدث  عن تفاصيل المسلسل  المعروض عليه ، حتى نشرة الاخبار  التي كانت تاتي في التاسعة مساءا، وكان الجميع ينتظرها بلهفة لمعرفة ماذا يجري حول العالم، كانت مؤدلجة ايضا، بحيث يسبقها نصوص من الكتاب الاخضر “دستور الدولة”، ويعقبها نصوص اخرى تكتشف معها تلقائيا انك حفظت هذا الكتاب عن ظهر قلب، وأن مذيع النشرة “الذي لا يتغير” قد اصبح احد افراد عائلتك نظرا لانك تراه بإنتظام اكثر مما ترى زوج خالتك !

بالنسبة لنا كأطفال في تلك الفترة، لم يكن يعنينا من برامج التفزيون سوى الرسوم المتحركة التي كانت – وللأمانة – تعرضها القناة بكثرة وتحرص على انتقاء اجملها واحدثها ، ربما كانت هي المصنف الوحيد الذي افلت من الرقابة، لذا لم تقتصر مشاهدتها على الاطفال فقط بل الكبار ايضا، وهذه ظاهرة غريبة قلّما تجدها في العالم في ذلك الوقت ظاهرة رب العمل الذي يغلق محله او مكتبه ليلحق بغراندايزر مع اطفاله!

كان لقناتنا الوحيدة هذه (التي  كانت جميلة برغم  كل شيء) العديد من “الفنعات” الغريبة  كإستبدال نشرة الاخبار بخطاب قديم  للعقيد القذافي  ،أو قطع مسلسل السهرة لبث اغاني ثورية او قطع البث برمّته استنكارا لحادثة تاريخية معين حدثت منذ دهر كذكرى انفصال مصر عن سوريا او وفاة عبد  الناصر  او اغتيال لومومبا اوغيره  ، المضحك المبكي فقط انك لا تكتشف سبب القطع الا بعد ثلاثه ايام !!!!

كل ذلك تأقلمنا معه وعايشناه لكن ما لن نتمكن من هضمه وتفسيره هو سر الحذاء المقلوب الذي كان يظهر لنا فجأة على الشاشة بدون مقدمات ليستمر ساعات -احيانا ايام- وبجانبه فقط جملة “عزيزي المشاهد” !!!!

كان مايزيد الامر ايلاما هو عدم إستطاعتنا تفسير هذه الظاهرة المتكررة ، حيث كان يهيمن هذا الحذاء على الشاشة لفترة ثم يختفي وتعود البرامج وكإن شيئا لم يكن !!!

الحذاء هذا كان  في كثير من الاحيان حديث الشارع ومحطاً للعديد من النظريات والتنظيرات (والله مش عم بمزح) ، الكل كان يحاول تفسير المغزى من ظهوره  ،طبعا، بدون اي اعتراض عليه،نظرا لان الاعتراض عليه سيجعلك  على  الارجح تلتقي به شخصيا, وهذا امر غير محبب بالتأكيد !

كان الاكثر الما لنا كاطفال في ذلك  الوقت  هو ظهوره بفترة الرسوم المتحركة بعد الظهر، اذكر في احدى المرات بعد عودتي من المدرسة ونزعي لحقيبة الكتب من على كتفي وركضي متلهفاً لفتح التلفزيون، سخرية ابي عندما قال :

– حاطينلك صبّاط !! … احضرو من هلق ل ع بكرة !

اليوم وبعد مضي كل هذه سنين التي شذبت من حدة هذه الذكريات ونعمّت اطرافها،، اعود و افكر في هذا الحذاء مجددا ؟

اشعر احيانا بأنه كان تعبير صادق وواقعي كان يريد القيمون علينا في ذلك الزمن ايصاله لنا بشكل شفاف ومباشر، وبمغزى عميق يشبه مغزى قصيدة لتميم البرغوثي يصف بها المواطن العربي بـ قط يجلس اسفل سيارة فلا يرى من هذه الدنيا سوى الاحذية ..

ربما كانوا يريدون ايصال هذا المغزى

وربما لا

إقرأ أيضا
من أمام المزبلة .. مقال وحكاية يرويها الصحفي اللبناني وائل البحار

ربما كانوا يتلذذون بأستفساراتنا او ينتظرون اعتراضا

وربما لا

يبقى كل ذلك تكهنات

ويبقى هذا السر حائرا بلا جواب …

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان