سقوط شيرين واللا موضوع !
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وسقطت شيرين على خشبة المسرح .. وسقطت معها القطعة الأخيرة من ورقة التوت الممزقة لتكشف ما هو معلوم بالضرورة عن وعي جماهير السوشيال ميديا، والذي هم أغلبية من يشكلون حالة الوعي العام .. أيها السادة لقد تمكّنت منّا التفاهة، وسقطنا في بئر اللاشئ .. من الممكن أن تخبرني بأننا قد سقطنا في ذلك البئر من قبل يا رجل، وأن الكلام عن ذلك ليس بالأمر الجديد .. سأقول لك بدون تردد أ، هناك ما هو جديد .. والجديد أن الأغلب الأعم من نوعية الجماهير التي نستطيع أن نطلق عليها مصطلح “جماهير اللا شئ” والجديد أن تلك النوعية من الجماهير استطاعت أن تخلق نوعًا من جديدًا من التفاهة، وهي آلة كبيرة مكوّنة من عدد كبير من الصفحات الشهيرة جدًا على السوشيال ميديا ومجموعة أخرى من الجروبات وصناع المحتوى، الذين أصبحوا لديهم القدرة على التشويش العام، وإضاعة أي حدث مهم، وتفريغ أي قضية من مضمونها والوصل بنا في كل مرة إلى النقطة صفر .. حيث إننا لا نستطيع الإمساك بالموضوع أصلًا كي نناقشه .. دوّامة مُحكمة وكل من يحاول الإلمام بها يدخل هو الآخر في تلك الدوامة وتذل قدماه في تلك الحُفرة فيجد نفسه إما أنه يدور في فلك تلك الآلة .. أو إنه يُصدم من حالة الشتات العامة فيصمت للأبد.
والكارثي في الأمر أن المنظور الثالث لأي حدث يطفو على السطح الآن هو الذي يستحوذ على اهتمامات الأغلبية، ويمكن أن تلاحظ ذلك من خلال أعداد المتفاعلين على كل هذه المنشورات التي تفرغ الموضوعات من مضمونها، لا عن طريق السخرية كما كان مُتبعًا في البداية على قدر ما هو باستخدام طريقة كتابة شديدة الفصاحة والإقناع باللاشئ .. من ضمنها مثلًا ذلك المنشور المتكرر على تلك الصفحات الخبيثة التي تُعلن عكس ما تُبطن .. بأن شيرين لم تسقط فقط على خشبة المسرح بل سقطت من نجوميتها و(إلخ) .. ونفس تلك الصفحات تنشر ما يدعم فكرة حرمانية الفن والأغاني، ونفس فتلك الصفحات تعمل على أن توغر صدر المتابعين تجاه كل (المصريين) ممن يعلمون في الوسط الفني.
والخلاصة، أن هناك آلة إعلامية تستهدف التشويش كهدف أكثر تعقيدًا من الكذب المباشر، آلة قررت ألا تقول شئ على الإطلاق، لكنها مرهونة بألا تجعل الجميع يفهم شئ أيضًا ويعتبر حادث سقوط شيرين على خشبة المسرح نموذج مثالي يمكننا من خلاله متابعة كيفية عمل تلك الآلة، واستهدافها لكل من هو مصر قُح، ولنتخيل معًا أن من سقط على المسرح مطرب ممن ترضى عنهم شركات الدعاية التي تسيطر على تشكيل الوعي العام من خلال منافذها الإعلامية، وكيف كانت ستصبح الفيديوهات الحماسية بأنه سيعود بعد السقوط، وغيرها من محتوى التنمية البشرية المعتاد، وكيف أن سقوطه هو حالة نادرة من تاريخ طويل ظل فيه صامدًا (إلخ) .. وخلاصة الخلاصة أن حتى الأحداث التافهة إما ستستخدم لصناعة محتوى عبثي لا قيمة له، وإما ستستخدم لضرب الفنان معنويًا .. وغالبًا سيكون هذا الفنان مصري.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال